صندوق دعم المعلم.. الغاية، المبرر، والفساد
هل سمعتم يوماً عن “صندوق دعم المعلمين” في صنعاء؟
الأمر بات معروفاً، خاصةً مع فرض رسوم شهرية يدفعها المواطنون في مناطق سيطرة الحوثي، تُضاف إلى فواتير الكهرباء وضرائب المحلات والمؤسسات، وحتى إلى أسعار السلع المختلفة.
إلى جانب هذه الرسوم، تُفرض مبالغ على السلع الاستهلاكية المتنوعة، جميعها تذهب إلى “صندوق المعلمين” لتُجمَع إيرادات ضخمة يومياً.
لكن، رغم هذه الإيرادات، لا تُدفع رواتب للمعلمين، ولم يتحقق الهدف الذي أسس من أجله الصندوق، مما يجعله رمزاً للفساد المستشري في حكومة صنعاء وقياداتها.
قبل ستة أعوام، قدّم وزير التربية والتعليم يحيى الحوثي، شقيق زعيم جماعة الحوثي، مشروع قانون لمجلس النواب في صنعاء لإنشاء “صندوق دعم المعلم”، كبرنامج عاجل لدفع رواتب المعلمين المحرومين من رواتبهم منذ عام 2015.
وأكد يحيى الحوثي أن هذا الصندوق سيكون مصدراً مالياً فاعلاً لإنقاذ المعلمين من الفقر الذي يلاحقهم وعائلاتهم.
وبعد مداولات، أُقر قانون دعم المعلم في ديسمبر 2019، وصادق عليه مجلس النواب.
وبعد شهر من المصادقة، أُعلن عن صرف أول حافز للمعلمين، وبلغت قيمته 30 ألف ريال للمعلمين المستحقين، مما أحدث بشرى سارة بين المجتمع عموماً، والمعلمين خصوصاً.
لكن سرعان ما توقفت هذه البشرى، فبعد صرف أول حافز ظهرت توجيهات جديدة بفرض رسوم إضافية على المواطنين والتجار لدعم الصندوق، لكن الأمور اتجهت نحو منحى آخر.
توقف “صندوق دعم المعلمين” عن صرف أي مبالغ أو حوافز شهرية لمدة عامين، واقتصر عمله على جمع الإيرادات، ليصبح صندوقاً إيرادياً بشكل مفرط.
ولهذا، فُرضت رسوم ونسب مئوية على جميع الخدمات والسلع، حتى وصلت إلى نقاط التفتيش التي تلزم سائقي الشاحنات والسيارات التجارية بدفع رسوم للصندوق بطرق غير رسمية.
أصبح الصندوق “شماعة إيرادية” زاد حجمها بمرور الوقت لتصل إلى مليارات الريالات، دون جدوى تُذكر للمعلمين. استمرت هذه الحالة حتى أغسطس 2021، حينما بدأت إضرابات واسعة بين صفوف المعلمين المتسائلين عن مصير أموال الصندوق المتوقفة منذ عامين.
وقتها، خرج يحيى الحوثي بتصريح عبر وكالة “سبأ” التابعة لهم، وعد فيه بصرف الحافز شهرياً، مع رفعه مستقبلاً عندما يتحسن الوضع المالي للصندوق.
وأكد بأن إيرادات الصندوق السنوية تبلغ سبعة مليارات ريال، لكنها لا تغطي سوى 1% من الاحتياجات التعليمية المقدرة بـ81 مليار ريال سنوياً، ووعد بصرف حوافز لثلاثة أشهر قادمة، لكن هذا لم يتحقق.
من جانبهم، طالب المعلمون بصرف رواتبهم المستحقة، رافضين الحوافز التي تُصرف مرة واحدة في العام ولا تكفيهم سوى لأسبوع، إن اقتصروا على حاجاتهم الأساسية.
وانتهى الإضراب على إثر وعود الحوثي، لكن هذه الوعود لم تُنفذ ولم تستمر.
هكذا استمر الصندوق في جني إيرادات ضخمة شهرياً دون صرف مستحقات للمعلمين، حتى تاريخ 19 مارس 2023، حينما وجه برلمان صنعاء بتجميد عمل الصندوق نتيجة مخالفات أدت إلى صرف مبالغ كبيرة خارج أهداف الصندوق.
أقر مجلس النواب بتوقيف الصندوق حتى يتم تقديم إيضاحات حول صرفياته، وذلك وفقاً لوكالة “سبأ” التابعة لحكومة صنعاء، في ظل اتهامات واسعة للوزير يحيى الحوثي بالفساد واستثمار المدارس وتحويل بعضها إلى مدارس خاصة، وإنشاء محالّ تجارية في أفنية المدارس وأسوارها بحجة دعم الصندوق، ورغم ذلك لم تُصرف أي حوافز للمعلمين.
على الجانب الآخر، لم يتوقف الصندوق عن العمل وجمع الإيرادات، متجاهلاً قرارات التجميد، واستمر في توسيع موارده.
وذكرت مصادر صحفية أن الصندوق يحصل على نحو 100 مليار ريال سنوياً من المساعدات والهبات والتبرعات المحلية.
كما تُفرض نسبة 2% للصندوق على ضريبة مبيعات القات، و1% على الرسوم الجمركية للسلع، و1% على قيمة تذاكر السفر البرية والجوية، و0.5% على كل كيس أسمنت، و2% على علب السجائر، و1% على فواتير الاتصالات والإنترنت، و0.10% على كراتين المياه والمشروبات، و200 ريال على منح وتجديد إقامات العمال الأجانب، والاستقطاعات الشهرية لموظفي وزارة التربية والتعليم، وريال واحد على كل لتر من الوقود، و50% من الرسوم المدرسية السنوية،
إضافة إلى ما يُخصص في الموازنة العامة لأغراض الصيانة المدرسية.
هذه الإيرادات المعلنة تشكل مبالغ ضخمة، لكنها لا تصل إلى المعلمين بل تُنفق على أنشطة وبرامج غير معروفة. وأعلن “نادي المعلمين اليمنيين” في عدة بيانات رسمية أن أموال الصندوق لا يستفيد منها المعلمون المحرومون من رواتبهم منذ عشر سنوات، وأكد أن المستفيدين منها هم فقط “لصوص السلطة”.