
غارات ترامب على اليمن أبعد من "حماية الملاحة"
في العام 2017، أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد أيام قليلة من تسلّمه منصب الرئاسة خلفاً لباراك أوباما، بشنّ عملية إنزال نادرةٍ في اليمن، نفذتها قوات خاصة أميركية من البحرية (مارينز) استهدفت، بحسب وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، مقراً لتنظيم القاعدة في اليمن، وتحديداً في حي يكلا بمحافظة البيضاء (جنوب)، وأدّت إلى سقوط قتلى وجرحى، بينهم نساء وأطفال، مع مقتل جندي أميركي، بحسب واشنطن.
الغارة حينها، قال البنتاغون إن ترامب أجازها، بعد أن أعدّتها ووافقت عليها إدارةُ أوباما. في ذلك العام، كانت الأهداف الأميركية في اليمن، تتمحور خصوصاً حول محاربة الإرهاب، والمشاركة بالدعم في حرب التحالف العربي ضد جماعة الحوثيين من منطلق السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، القائمة على دعم السعودية.
هذا العام، استهدفت غارات ترامب على اليمن هذه المرة، وهي الأولى له مع انطلاق ولايته الثانية، جماعة الحوثيين، في استكمال أكثر قوة واتساعاً، لضربات جوية كانت بدأتها إدارة سلفه جو بايدن، ضد الجماعة المسيطرة شمالي اليمن، رداً على عمليات "إسناد غزة" التي أطلقتها الجماعة في المياه الإقليمية منذ ما بعد أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقالت إنها تهدف إلى اعتراض ومنع سفن الشحن من التوجه إلى إسرائيل.
غارات ترامب على اليمن
وعلى ما يبدو، فإن غارات ترامب على اليمن مساء أول من أمس السبت، والتي نفذّها البنتاغون، ضد أهداف في اليمن شملت صنعاء وصعدة والبيضاء ورداع، لن تكون الأخيرة، ويصعب تأكيد ارتباطها بإعلان الحوثيين عزمهم استئناف عملياتهم في البحر الأحمر دعماً لغزة، بعد تعطيل دولة الاحتلال دخول المساعدات إلى القطاع.
إذ إنّ الضربات الجوية التي نفّذت السبت، وأدّت إلى سقوط ما لا يقل عن 31 قتيلاً يمنياً، بينهم نساء وأطفال، تأتي في إطار عزم ترامب على استعراض القوة والتعامل من منطلقها مع بداية ولايته الثانية، في وجه خصوم الولايات المتحدة وإسرائيل على حدّ سواء، إذ إن الحوثيين يشكّلون أحد الأضلع المتبقية من "محور إيران"، أو ما يسمى "محور المقاومة"، دون إضعاف.
فبعد الحرب على حركة حماس في غزة، وملاحقة المقاومين في الضفة، تمكنت إسرائيل من إلحاق ضربات موجعة بحزب الله اللبناني، والتضييق على إيران إثر سقوط نظام بشار الأسد في سورية، فيما تبقّت معضلتا الحوثيين والجماعات المسلّحة في العراق، وكلتاهما شّنتا عمليات ضد أهداف أميركية خلال حرب غزة بالإضافة إلى حرب المسيّرات (والصواريخ) التي قادتاها فوق الأراضي المحتلة، قيد التداول الأميركي، وإعداد الخطط، سواء العسكرية أو عبر العقوبات، أو عبر تشديد الضغوط الاقتصادية والتهديد.
وتستفيد الولايات المتحدة، في خططها، من الشعور بفائض قوّة جراء ما فرضته الحرب الإسرائيلية من معادلات واقتناع أميركي ـ إسرائيلي بضرورة إفقاد إيران كل أوراق قوّتها في عملية "تغيير شكل الشرق الأوسط"، في وقت ليس واضحاً ما إذا كانت غارات ترامب على اليمن واستخدام خيار التصعيد العسكري ضدّ جماعة الحوثيين، وفق استمرار المقاربة الأميركية للملف اليمني دون تغييرات جوهرية، سيأتي بالنتائج المرجوة لواشنطن، وكذلك لتل أبيب، حيث إن إسرائيل شاركت أيضاً في ضرب اليمن بعد 7 أكتوبر 2023.
وأعاد ترامب فور عودته إلى البيت الأبيض، في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، تصنيف الحوثيين جماعةً إرهابية، وذلك "بسبب أنشطتهم التي تهدد أمن المدنيين والموظفين الأميركيين في الشرق الأوسط، وأقرب الشركاء الإقليميين، واستقرار التجارة العالمية"، وكان بايدن رفع الجماعة عن قائمة الإرهاب، فور وصوله إلى البيت الأبيض عام 2021،
وجاء ذلك كخطوة ثانية عقب إعلان واشنطن وقف تقديم الدعم العسكري للتحالف العربي بقيادة السعودية، علماً أن تصنيف الحوثيين جماعةً إرهابية أقرّه ترامب قبيل مغادرته البيت الأبيض أوائل 2021.
وبعد رفعهم عن اللائحة، انتقد الجمهوريون قرار بايدن، واعتبر بعضهم أنه سيقود إلى الفوضى، إلّا أن المقاربة الأميركية حينها، كانت تقوم على إمكانية التعامل دبلوماسياً مع قضية اليمن، الغارق في الحرب منذ سنوات، في وقت كانت تسعى فيه هذه الإدارة إلى بحث إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في 2018، كما كانت الرياض تميل إلى التهدئة مع الجماعة اليمنية المسلحة. وبالتوازي، عيّن بايدن مبعوثاً لليمن (تيم ليندركينغ)،
علماً أن علاقته بالسعودية اتسمت بالفتور في بداية عهده، على خلفية عدد من القضايا الحقوقية.
وتبدو غارات ترامب على اليمن مساء السبت، والتي أمر بشنّها واستهدفت المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، استكمالاً للضربات الجوية التي نفذها البنتاغون ضد الحوثيين، خلال حرب غزة، فيما أرادها ترامب أكثر وقعاً، وسط اتهامه بايدن بـ"التعامل بضعف" مع الجماعة اليمنية.
وهدّد الرئيس الجمهوري الحوثيين بـ"الجحيم"، وبأن "وقتهم انتهى"، إذا لم يوقفوا هجماتهم في البحر الأحمر، علماً أن الجماعة، التي أصبحت تملك منذ 2015 ترسانة واسعة من المسيّرات والصواريخ، ومنها الفرط صوتية، لم تنفذ بعد منذ إعلانها استئناف مهاجمة السفن المتجهة إلى إسرائيل، الأربعاء الماضي، أي عملية في المياه الإقليمية، التي شلّت سابقاتُها منذ حرب غزة، نحو 12% من حركة الشحن العالمية، ما أجبر العديد من الشركات على اللجوء إلى طرق بديلة مكلفة، كما قال الحوثيون في مرحلة الهجمات السابقة، إنهم استهدفوا حاملات طائرات أميركية في المنطقة،
علماً أن الضربات التي نفّذها البنتاغون ضد الجماعة في عهد بايدن، تعدّ الأكثر جدّية والأعنف التي تنخرط فيها البحرية الأميركية، منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك بحسب قادة في البحرية الأميركية نفسها، كانوا قد تحدثوا لوكالة أسوشييتد برس، في تقرير نشرته في يونيو/حزيران الماضي.
ولم يتضمن منشور ترامب أول من أمس، أي إشارة إلى إسرائيل أو غزة، في معرض تعليقه على إجازة ضربات اليمن، ووصف ترامب العملية بـ"الحاسمة"، في وقت كان قد حذّر فيه خبراء عسكريون، طوال فترة حرب غزة، ومن بينهم في تقرير أسوشييتد برس، بأنه إذا لم يجرِ التعامل مع الحوثيين، فإن قدراتهم "سوف تكبر"، وستقترب الولايات المتحدة "من مرحلة يتمكن خلالها الحوثيون من شنّ هجمات لا تستطيع إيقافها في كل مرة، بحسب بريان كلارك، وهو غواص سابق في البحرية الأميركية وزميل كبير في معهد هدسون، الذي حذّر من أنه "إذا تركت الأمور تتفاقم، فسيصبح الحوثيون بقوة أكبر مع قدرات وكفاءة وخبرة".
معضلة الحوثيين
وخرجت تقارير إعلامية أميركية، خلال حملة ترامب وبعد فوزه العام الماضي، تحدثت عن طلب ترامب من مستشاريه، إعداد خطة للتعامل مع خطر الحوثيين، في وقت كثر فيه الجدل في دوائر صنع القرار الإسرائيلية حول كيفية التعامل مع الجماعة، ما دفع رئيس الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية (الموساد) ديفيد برنياع، إلى تقديم مقترح قصف إيران أمام حكومة بنيامين نتنياهو، للضغط على الحوثيين الذين تعاملوا مع المواجهة بمنطق الاستنزاف والضغط على الإسرائيليين، ووفقاً لجيش الاحتلال، فإن بناء بنك أهداف في اليمن، يمثل معضلة كبيرة، فضلاً عن صعوبة تجنيد عملاء.
وبحسب شبكة سي أن أن، فإن ترامب وافق على خطة لضرب الحوثيين، أواخر الأسبوع ما قبل الماضي، وطلب إعدادها منذ أسابيع عدّة، إذ إن أمر شنّ الضربة السبت، كان لبدء ما يصفه المسؤولون بهجومٍ "متواصل" على مواقع حوثية في اليمن، وقد أُطلِعَ بعض أعضاء الكونغرس على تفاصيل العملية التي لم تطلب موافقته.
وبحسب مسؤول في وزارة الدفاع، تحدث للموقع، فإن أي هجمات إضافية ستعتمد على تقييم الأضرار من ضربات السبت، لكنه "من المتوقع حصول تحركات أخرى ضد الحوثيين خلال الأسابيع المقبلة". وبحسب التقرير، فإن حملة أوسع من الضربات تتطلب وقتاً للتخطيط والتحضير، لأنه ينبغي على الولايات المتحدة جمع المعلومات الاستخبارية اللازمة، وقال مسؤول دفاعي كبير إن "عملية جمع المعلومات اللازمة لعملية واسعة النطاق، قد أنجزت".
وقال مصدر مطلع على الاستراتيجية الأميركية، لـ"سي أن أن"، إنه لن تكون هناك ضربة واحدة، مضيفاً أن غارات ترامب على اليمن "هي بداية مجموعة من الأحداث، ستستمر أياماً إن لم نقل أشهراً، ولن تكون هناك قوات على الأرض، ولكن ستكون هناك مجموعة متواصلة من الهجمات ذات الأهداف الاستراتيجية".
يذكر أن غارات ترامب على اليمن تأتي بعد أن ألغى الرئيس الأميركي قيوداً فرضها سلفه، تتعلق بتنفيذ الضربات الجوية واستهداف الشخصيات التابعة لمنظمات تعتبرها واشنطن "إرهابيةً"، وذلك بمنح القادة العسكريين سلطات أوسع، لتنفيذ الغارات والعمليات الخاصة خارج ساحات القتال التقليدية،
كما تأتي وسط تقييم أميركي سابق، بأن جماعة الحوثيين، حتى رغم الدعم الذي تحصل عليه من إيران، بوصفها أحدَ "وكلائها في المنطقة"، إلا أنها تعمل "مستقلةً"،
ورأى الباحث ديفيد موتون، من معهد أتلانتك، أمس الأحد، أن الضربات الجديدة، قد تتمكن من إضعاف قدرات الحوثيين على المدى القصير، لكنها "لن تردعهم"، إذ يتوجب على واشنطن، الانخراط في حوار مع روسيا والصين، بشأن الجماعة، وزيادة الضغط على إيران، وتحديث طرق الحماية البحرية.