
العلاقات السورية العراقية... نتائج لقاء الدوحة تنتظر قمة بغداد
فتح لقاء الدوحة بين الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، يوم الثلاثاء في 15 إبريل/ نيسان الحالي، الباب واسعاً بين دمشق وبغداد، ووضع الأوراق على الطاولة، حيث طرح كلّ من البلدين تصوراته ورؤاه لتأسيس العلاقات السورية العراقية على أسس جديدة تقوم على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والتعاون والتنسيق لمواجهة المخاطر المشتركة، وتطوير المصالح المتبادلة بين البلدين الشقيقين، اللذين يربطهما تاريخ مشترك ذي خصوصية، وحدود طويلة، وتداخل وقرابات عشائرية كبيرة، ذات تأثير متبادل في الاتجاهين.
بادر إلى تنظيم اللقاء أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وساندت الولايات المتحدة هذا المسعى. وكان الهدف من اللقاء أولاً تثبيت التقدم الذي حصل على طريق فتح صفحة جديدة في العلاقات السورية العراقية بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي،
وثانياً كسر الجليد على مستوى القمة بين الشرع والسوداني قبل انعقاد القمة العربية في العاصمة العراقية في 17 مايو/ أيار المقبل، والتي تلقت القيادة السورية دعوة لحضورها من الجامعة العربية ومن العراق،
لكن دمشق لم تحسم مستوى التمثيل، وهناك تردد حيال تمثيل الشرع لسورية، بسبب حالة انقسام عراقية سببها الضغوط التي تمارسها الأطراف الحليفة لإيران على الحكومة العراقية.
حذرٌ وبطء وجدّية
وهذه الضغوط تترافق مع حملات سياسية وإعلامية تركز على الفترة التي قضاها الشرع في العراق في صفوف الفصائل الجهادية، التي واجهت القوات الأميركية بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003.
وقد حاولت هذه الأطراف التأثير على النتائج الإيجابية للقاء الدوحة من خلال نشر اتهامات للرئيس السوري، الذي لا يوجد أي ملف قضائي ضده في العراق.
وكانت قد انتشرت وثيقة على وسائل التواصل الاجتماعي، تداولها عراقيون، عبارة عن مذكرة قبض بحق أحمد الشرع.
وقد سارع مجلس القضاء الأعلى في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية في 26 فبراير/ شباط الماضي، إلى نفي صحة الوثيقة ووصفها بأنها "مزورة وغير صحيحة". وعادت الحملة من جديد بعد أيام معدودة بقيادة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي.
العلاقات السورية العراقية تسير على نحو بطيء جدّاً وحذر لاعتبارات عدة، والسبب يعود إلى القدر الكبير من التحفظ من الطرف العراقي، الذي يعود إلى ضغط أطراف سياسية وعسكرية متحالفة مع إيران من داخل ما يعرف بـ"الإطار التنسيقي" الحاكم في البلاد.
وتتحجج أطراف رسمية بالخلفية الجهادية للفصائل التي تولت عملية إسقاط النظام السوري السابق،
ولكن هذه الحجة تهاوت تدريجياً أمام الانفتاح الدولي على السلطة الجديدة، وخصوصاً من جانب الولايات المتحدة التي سحبت المكافأة المالية التي كانت قد رصدتها بسبب وضع الشرع على لائحة الإرهاب، وكان اللقاء إيجابياً بينه وبين الوفد الأميركي في دمشق في ديسمبر الماضي بقيادة المساعدة السابقة لوزير الخارجية باربرا ليف.
شكّل الاجتماع الخماسي في العاصمة الأردنية في التاسع من مارس/ آذار الماضي، أهم امتحان على طريق بناء العلاقات السورية العراقية في مرحلة ما بعد سقوط الأسد، وعلاقات تعاون بين بغداد ودمشق،
وظهر خلاله أن العراق لم يحسم أمره باتجاه السير خطوة لملاقاة سورية في منتصف الطريق، عندما تحفظ على النتائج، ورفض التوقيع على الاتفاق الخماسي، بحضور وزراء الخارجية والدفاع ومسؤولي الاستخبارات بين الأردن، سورية، لبنان، العراق، وتركيا، صاحبة المبادرة إلى تنظيم هذا اللقاء،
بهدف إنشاء مركز عمليات مشترك لضمان التنسيق والتعاون لدعم الجهود الدولية الحالية للقضاء على تنظيم داعش وإزالة تهديده على سورية والمنطقة والعالم،
بالإضافة إلى معالجة قضية سجون التنظيم الموجودة في محافظ الحسكة بحماية "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
وبحسب التفاهمات الأولية، تقرّر إنشاء مركز العمليات داخل سورية، وتحت إدارة حكومة دمشق.
كما طُرِحَت فكرة إنشاء هيكل مماثل في العراق، لكن الحكومة العراقية تحفظت على البيان الختامي ورفضت التوقيع عليه، بالرغم من الضوء الأخضر الأميركي، وتشجيع واشنطن للآلية المطروحة، التي ستمهد لانسحاب القوات الأميركية التدريجي من سورية، وكانت المرحلة الأولى منه في الأسبوع الماضي.
جرى خلال لقاء الدوحة بين الشرع والسوداني بحضور أمير قطر، وضع كافة الملفات على الطاولة، وهيّأت الدولة القطرية سبل النجاح بالحصول على دعم أميركي عربي تركي كي يصل الاجتماع إلى نتائج ملموسة، تفتح الطريق أمام تحسن العلاقات السورية العراقية وحلحلة القضايا الشائكة.
وأفادت مصادر سورية مطلعة بأن الشرع كان حازماً في طرح وجهة النظر السورية حيال إعادة بناء علاقات صحية ومستديمة مع العراق، وقابله السوداني بتفهم وبراغماتية سهّلت المهمة على الطرفين لتفهم هواجس بعضهما بعضاً، والاعتبارات التي تحكم سلوك الطرف العراقي.
واعتبر خبراء عراقيون في أحاديث لوسائل الإعلام الدولية أن ما قام به السوداني خطوة ذكية وحكيمة سياسياً، وتشير إلى اختلاف جدّي بينه وبين بقية الفرقاء الشيعة في "الإطار التنسيقي"، وهناك اعتبارات براغماتية واقعية تحكم سلوكه،
فهو بصفته رئيس وزراء عليه أن يتعاطى مع سورية كجارٍ لا يجب استعداؤه، ولا سيما أن القيادة السورية أرسلت العديد من رسائل التطمين للعراق في ما يخص أمن الحدود وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
يشكّل أمن الحدود بين البلدين أحد أهم المشاكل التي نشأت وتطورت خلال الأعوام التي ترافقت مع قيام الثورة السورية عام 2011 وانسحاب قوات النظام السوري منها، ما تركها مفتوحة من الجانب السوري، كي تتحول إلى بؤرة لـ"داعش" الذي تمدّد لاحقاً وسيطر على مساحات بين البلدين.
وبعد إنهاء هذا المشروع في العراق وسورية، بقيت جيوب في البادية السورية، بالإضافة إلى آلاف من السجناء والعوائل في سجون الحسكة ومعسكر الهول.
ومن المعروف أن السلطات العراقية المتعاقبة تلكأت كثيراً في تسلم مواطنيها المسجونين في سورية أو المقيمين في المخيّمات، ومن ثم صارت تقبل بعودة العائلات وترفض استلام السجناء.
على المستوى الأمني، تعد الحدود محروسة من الجانب العراقي بقوات عراقية، ومن الجانب السوري بالقوات الأميركية و"قسد". ولم تكن هناك آلية تنسيق قبل سقوط النظام بسبب الوجود العسكري الإيراني في المنطقة، وانتشار قواعد للحرس الثوري في محافظة دير الزور.
طرحت دمشق في اجتماع الدوحة مخاوفها من أمرين: وجود عسكريين سوريين فرّوا إلى العراق ليلة سقوط النظام، وطالب الشرع بتسليمهم مع الأسلحة التي نقلوها معهم إلى العراق،
والأمر الثاني هو إمكانية استخدام الأراضي العراقية لأعمال تخريبية ضد سورية تديرها إيران وفصائل من الحشد الشعبي، تحت عنوان التحرير الذي نادى به المرشد الإيراني علي خامنئي،
قائلاً إن "شباب سورية سيحررون بلدهم"، خصوصاً أن بعض هذه الفصائل سبق لها أن قاتلت السوريين تحت لواء الحرس الثوري. وأبدى الطرف السوري مخاوف من ألا تستطيع حكومة السوداني التحكم ببعض الفصائل الواقعة تحت تأثير إيران، وخصوصاً أنها عارضت علانية أي اتفاق يبرمه السوداني مع سورية.
ولذلك تمّ عقد الاجتماع بسرّية تامة ولم يتم الإعلان عنه إلا بعد يومين من انتهائه إلى نتائج إيجابية بصدد تفعيل التعاون العراقي السوري المشترك، ليس على المستوى الأمني فقط، بل على المستويين السياسي والاقتصادي.
اختبار العلاقات السورية العراقية
وستكون الخطوة الأولى إحياء خط نفط العراق باتجاه مصفاة بانياس على الساحل السوري، وهو بطاقة ضخّ 300 ألف برميل يومياً، والمنفذ الوحيد للعراق لتصدير نفطه عبر البحر.
والمسألة الثانية هي تفعيل العمل العربي المشترك وعقد القمة العربية في جو من التفاهم بين بغداد ودمشق، واتخاذ موقف عربي موحد من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ضد سورية، وتفعيل آلية التنسيق الأمني ضد "داعش".
يمكن ملاحظة النتائج المباشرة للقاء العراقي السوري بالدوحة من خلال معطيات عدة: الأول بدء الانسحاب الأميركي من قواعد عسكرية عدة في دير الزور والحسكة،
وذلك في مرحلة أولى تجريبية تتم خلالها مراقبة مدى قدرة قوات الجيش السوري على السيطرة الميدانية، وتحقيق نتائج بالحرب ضد "داعش".
وتستمر هذه الفترة ستة أشهر، تليها مرحلة الانسحاب الثانية التي تشمل ما تبقى من القوات مع الاحتفاظ بقاعدة التنف، ولكن مع نقل مركز الثقل فيها إلى جانب الحدود في الأردن، حيث توجد قاعدة أميركية أكبر.
وتكمن أهمية هذه المنطقة بأنها تقطع الطريق على أعمال عسكرية إيرانية جوية.
والمعطى الثاني هو عدم رضى إيران التي سرعان ما أبدى حلفاؤها في بغداد معارضتهم لأي تفاهم، ووضعوا بعض الشروط من حول ثلاث قضايا: احترام التنوع، حماية المزارات الشيعية، ومشاركة جميع المكونات في الحكم، والمقصود بذلك مشاركة أوسع للعلويين في السلطة.
ولكن الأخطر هو التحرك الذي باشره المالكي وقيس الخزعلي (زعيم جماعة عصائب أهل الحق) لمنع مشاركة الشرع في القمة العربية،
والمعطى الثالث هو الارتياح الإقليمي من قبل بلدان مجلس التعاون الخليجي والأردن، التي تصر على حضور سورية للقمة العربية ممثلة بالرئيس الشرع، وذلك من أجل تثبيت شرعية الحكم الجديد عربياً من بوابة الجامعة العربية.
وعلى هذا يبقى أمر حضور الشرع للقمة رهن التطورات المقبلة، ونقطة الفصل في العلاقات السورية العراقية.
بشير البكر
كاتب وشاعر سوري