الألعاب الشعبية اليمنية... موروث مجتمعي يقاوم إدمان التكنولوجيا
تقضي الطفلة اليمنية أسيل (9 سنوات) نحو ست ساعات يومياً على جهاز "آيباد" الخاص بها، وتتنقّل بين عدد من الألعاب الإلكترونية التي أدمنت عليها، رغم أن والديها حاولا تعليمها ألعاباً حركية وشعبية من دون أن ينجحا في ذلك.
يقول محمد، والد أسيل، : "أجد صعوبة في التعامل مع أطفال هذا الجيل. تعاني طفلتي من مشكلة إدمان الأجهزة الإلكترونية، وتحصر ألعابها بتلك الإلكترونية.
وقد حاولت منعها من ذلك وإغراءها ببعض الألعاب الشعبية التي أدعوها كي تلعبها معي ومع أمها لكن لا جدوى فتفكيرها متعلق بجهاز آيباد".
يضيف: "إدمان طفلتي الألعاب الإلكترونية أثّر كثيراً على سلوكها، إذ باتت تُعاني من الانطواء وتقلّب المزاج والميل نحو الانعزال وضعف في الذاكرة أثّرت كثيراً على تحصيلها الدراسي.
وحالياً أفكر جدياً في إرسالها خلال العطلة الدراسية إلى منزل والدتي في الريف لمعالجة هذه المشكلة".
ولا يكاد يعرف جيل اليوم شيئاً عن الألعاب الشعبية، رغم أهميتها في تنمية القدرات الذهنية والحركية والمهارات للأطفال، وتعزيز انفتاحهم الاجتماعي عبر اللعب الجماعي والانسجام مع الرفاق، وأيضاً تنمية شخصياتهم على الصعد الاجتماعية والتربوية والتعليمية والبدنية واللغوية.
وتعد الألعاب الشعبية جزءاً مهماً من تكوين نسيج المجتمع اليمني وهويته الثقافية، خصوصاً في الريف. وتختلف الألعاب التي يمارسها الكبار والصغار بين حركية وذهنية ومهاراتية، وعدد الأشخاص الذين يشاركون فيها، وبعضها خاص بالذكور وأخرى بالإناث إضافة إلى ألعاب مختلطة.
وللألعاب الشعبية اليمنية دلالات اجتماعية وتربوية وحتى سياسية، مثل لعبة عبد الله السلال، قائد ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962 وأول رئيس لليمن، وتلعبها فتاتان تُنشدان "عبد الله السلام نزل يصلي، بالكندرة السوداء والشال بني. بنت الإمام قومي، اخرجي من الدار، لا عاد معك خدام، ولا دويدار".
ومن أشهر الألعاب الشعبية اليمنية "الكسيبة" و"التبارة" و"من كبة الطيار" والدُغم" و"الكوفية الخضراء" و"دهجم" و"الدروام" و"الطباية" و"الجاد" و"المنصري" و"الشامية" و"القفز على الحبل" و"الدروام" و"الكيرم" و"كُباب" و"المنجل" و"الوقل" و"الغميضة".
وأثّرت الألعاب الإلكترونية في شكل كبير على انتشار الألعاب الشعبية التي انتهى وجودها في المدن، وبقي لها طيف في بعض الأرياف التي لم تصل إليها شبكة الإنترنت، ما فاقم حجم المشكلات النفسية التي يُعاني منها الأطفال نتيجة تمضيتهم ساعات طويلة أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية.
وجعل الأثر السلبي للتكنولوجيا على انتشار الألعاب الشعبية مهتمّين بالألعاب الشعبية ينظمون مبادرات مجتمعية للحفاظ عليها، وأحدهم الصحافي محمد أمين الشرعبي الذي أسس منصة "مشاقر ميديا" المتخصصة في التراث والفنون والثقافة، وعمل على مشروع خاص لإصدار كتيّب بعنوان ألعاب شعبية يمنية وثّق فيه هذه الألعاب لمحاولة إنعاشها باعتبارها جزءاً من الموروث الثقافي الشعبي الذي يعكس طبيعة المجتمع اليمني وأسلوب حياته.
ويهدف المشروع إلى إنعاش الألعاب الشعبية في مدينة تعز وإحيائه وربطه بالأطفال من خلال دمجه في الأنشطة المدرسية. ووثق الكتاب ثماني قصص شعبية وضعه فريق إعداد الكتاب الذي جمع الألعاب عبر روايات شفهية من كبار في السن.
يقول الشرعبي "انطلق المشروع من واقع وجود مشكلتين، الأولى إدمان الأطفال على الألعاب الإلكترونية الذي ينعكس سلباً على نفسياتهم مثل الانعزال والعنف، والمشكلة الثانية هي محاكاة الأطفال للحرب في ألعابهم التي خلّفت أيضاً آثاراً سلبية عليهم. وندرك أن الألعاب الشعبية يجب أن تكون بديلة للأطفال كونها موروثاً شعبياً ثقافياً اجتماعياً يمنياً قديماً لعبت دوراً مهماً جداً في نشأة الأطفال.
وقد عملنا على إحياء هذه الألعاب من خلال مجموعة أنشطة، منها توثيق الألعاب في كتاب، وتنظيم جلسات مع أولياء أمور حول مشكلات أطفالهم وإمكانية توظيف الألعاب الشعبية، وحرصنا على النزول إلى الميدان لتوثيق الألعاب من كبار السن في الريف، ونشرها في الكتاب".
وتقول الاختصاصية النفسية سهام ياسين : "هناك الكثير من المخاطر من تعرّض الأطفال إلى شاشات الأجهزة الإلكترونية ساعات طويلة يومياً وفي مقدمها الإدمان، كما أنها تجعل الطفل انطوائياً وخجولاً وتزيد خوفه وقلقه وتعزله عن محيطه الاجتماعي، وتضعف ذاكرته وتؤثر على مستواه الدراسي وقدراته الذهنية،
كذلك قد تجعله عدوانياً ولا مبالياً، وتتسبّب له في مشكلات مثل نوبات فزع وتبول لاإرادي واكتئاب واضطراب في السلوك قد تجعله يميل إلى تلك الخاطئة مثل الكذب والسرقة".
وترى أنه "من واجب المدارس والأسر إعادة إحياء الألعاب الشعبية التي تنمّي مواهب وقدرات الطفل، ولها فوائد اجتماعية وصحية ونفسية للأطفال تمهيداً لتعزيز السلوك الاجتماعي الجيد المناسب، خصوصاً أنها جماعية وتشاركية وتنمّي لديهم مهارات بدنية وذهنية، وتُضفي عليهم أجواء من المرح تساعدهم في تحسين مزاجهم.
كما تنمي هذه الألعاب مهارات القيادة والذكاء وتعزز ثقتهم بنفسهم وتكسبهم التقدير الذاتي والقدرة على اتخاذ القرار، وتجعلهم مشبعين في الجانبين العاطفي والأخلاقي خصوصاً حين يلعبون مع الوالدين والأقارب".
فخر العزب
صحافي يمني،