
هل تنجح الطاقة الشمسية في إنقاذ عدن من أزمة الكهرباء؟!
في مدينة أنهكتها الانقطاعات المتكررة وأثقل كاهل سكانها صيف طويل لا يرحم، يلوح مشروع الطاقة الشمسية في عدن كفرصة لإنهاء واحدة من أعقد الأزمات وأكثرها إلحاحاً في حياة الناس: أزمة الكهرباء.
ومع تفاقم هذه الأزمة على مدار السنوات الماضية، واجهت الحكومة عجزاً متفاقماً في إنتاج الطاقة، وسط اعتماد شبه كامل على وقود الديزل المكلف والمستورد، ما استنزف المالية العامة وأبقى السكان رهائن جدول انقطاعات خانق.
واليوم، مع تدشين المرحلة الثانية من مشروع الطاقة الشمسية بالعاصمة المؤقتة عدن، تتجه الأنظار لمعرفة ما إذا كان بإمكان هذا المشروع إحداث فارق حقيقي في حياة مئات الآلاف من سكان المدينة.
ورغم هذه الطموحات، يبقى السؤال الأبرز في ذهن كل عدني: هل ستنير الشمس الجديدة مدينتهم، أم ستظل العتمة تسيطر؟ وبين أرقام "الميغاوات" الواعدة ووعود التحول نحو الطاقة النظيفة، يقف المواطن على مفترق الطريق، مترقباً لحظة الضوء التي طال انتظارها.
نقلة نوعية
يرى وزير الكهرباء والطاقة، مانع بن يمين، أن مشروع الطاقة الشمسية الجاري تنفيذه في العاصمة المؤقتة عدن يمثل نقلة نوعية وخطوة استراتيجية طال انتظارها لمعالجة أزمة الكهرباء المزمنة في المدينة.
وقال بن يمين إن المرحلة الأولى من المشروع أضافت 120 ميجاوات إلى الشبكة، فيما ستضيف المرحلة الثانية 120 ميجاوات أخرى ليصل الإجمالي إلى 240 ميجاوات عند استكمالها.
ولفت إلى أن أعمال هذه المرحلة تسير بوتيرة أسرع بفضل إنجاز خطوط النقل وتصريف الطاقة، التي اعتبرها بحد ذاتها "مشروعًا استراتيجيًا" أسهم في تهيئة البنية التحتية للطاقة المتجددة بعدن.
وبيّن الوزير أن الخطة الكاملة للمشروع تستهدف بلوغ قدرة إنتاجية تصل إلى 650 ميجاوات مع إدخال أنظمة تخزين متطورة في المراحل القادمة، وهو ما سيمكن من استدامة التوليد وضمان تغطية أكبر لاحتياجات المستهلكين.
وأضاف أن مدينة عدن تحتاج فعلياً إلى نحو 750 ميجاوات خلال فصل الصيف، وتنخفض احتياجاتها إلى حوالي 450 ميجاوات في الشتاء، مؤكداً أن المشروع سيسهم بشكل كبير في تقليص العجز وقد يحقق الاكتفاء خلال الشتاء، خاصة في فترات النهار.
وأكد الوزير أن للمشروع فوائد تتجاوز إنتاج الطاقة، أبرزها تخفيف الأعباء المالية على الدولة من خلال تقليص فاتورة استيراد وقود الديزل لمحطات التوليد التقليدية، إلى جانب تقليل الانبعاثات الكربونية والانتقال التدريجي نحو الطاقة النظيفة.
وشدد على أن الوزارة وضعت ضمن أولوياتها ضمان استدامة المشروع عبر تأهيل كوادر محلية متخصصة، وإنشاء مركز تدريبي للطاقات المتجددة بالتعاون مع الجامعات، بما يتيح تطوير المشروع وتعزيزه في المستقبل.
بطاريات ليثيوم
من جانبه يرى الدكتور مروان ذمرين الأستاذ في جامعة "أوساكا" وكبير الخبراء في شركة "تويو المنيوم" اليابانية أنه لا يمكن القول إن هذه المشاريع بحجمها المعلن عنه ستكون بديلًا كاملًا، لكنها ستخفف بصورة ملموسة من استهلاك الوقود المكلف نهارًا.
ويضيف "فإنتاج 240 ميجاوات شمسي يغطي نحو 9% من الاحتياجات، فيما تغطي 650 ميجاوات حوالي ربع الطلب اليومي في الصيف".
مشيراً إلى أن وجود محطات غازية وإضافة بطاريات ليثيوم عملاقة "يعتبر إجراءً ضروريًا لضمان استقرار الشبكة وتلبية الطلب".
وأوضح خبير الطاقة أن إنشاء محطات غاز عملاقة "سيتطلب بنية تحتيه لأنابيب الغاز من مناطق استخراج الغاز ومدها إلى عدن او استيراد الغاز المسال وكلها تعتبر حلول أساسيه ولكنها تتطلب خارطة طريق واضحة وفي ظل الظروف السياسية الحالية لا أعتقد أن الحكومة اليمنية قادرة على بناء مثل هذه المشاريع".
وبالتالي فإن خيار الطاقة الشمسية سيبقى هو المتاح حالياً وبقدرات اعلى من واحد جيجاوات طاقة شمسية مع اضافة 2 جيجاوات ساعة بطاريات حسب ما يرى الدكتور ذمرين.
وعن أبرز التحديات الفنية التي تواجه الاعتماد على الطاقة الشمسية بشكل واسع أوضح الدكتور مروان ذمرين أنها تتمثل في تحديد حجم التخزين ومدة التفريغ المناسبة لواقع عدن،
"إضافة إلى التكامل مع الشبكة من حيث ضبط الجهد والتردد، والظروف البيئية القاسية كالحرارة والملوحة والغبار التي تؤثر على كفاءة الأنظمة". مشيراً إلى تحديات تتعلق بالصيانة والاعتمادية وتوفير قطع الغيار، إلى جانب متطلبات السلامة العالية.
ويضيف خبير الطاقة رداً على أسئلة المصدر أونلاين "بالنسبة للعوامل الثلاثة، فهي أساسية: التخزين الليلي يرفع القيمة الموثوقة للطاقة الشمسية ويجعلها قادرة على تغطية جزء من الذروة، صيانة الشبكة تخفض الفواقد المرتفعة التي تستنزف جزءًا من الطاقة المنتجة، وتوزيع الأحمال يساعد على تسطيح الذروة وتقليل الحاجة للتخزين".
وعن الحلول يشير أستاذ الطاقة في جامعة "أوساكا" إلى أنه يمكن نقل بعض الأحمال القابلة للتأجيل (مثل تشغيل محطات التحلية أو مصانع الثلج أو أنشطة التبريد الصناعي) إلى منتصف النهار حيث يكون إنتاج الطاقة الشمسية في ذروته.
هذا الإجراء يقلّل الضغط على ساعات المساء، ويخفف من حجم أنظمة التخزين المطلوبة، ويجعل المنظومة أكثر استقرارًا. ناهيك عن أن المكيفات في عدن قديمة وتعمل دون كفاءة".
وشدد على أن هذه الحلول يجب أن تصاحبها جهود التوعية المجتمعية "بحيث يتم توعية المواطنين على ضرورة ضبط درجة الحرارة على 24 درجة مئوية كما حدث في اليابان في أول صيف بعد كارثة فوكوشيما وتجاوب الشعب الياباني جيداً مع طلب الحكومة ترشيد الكهرباء".
أزمة مزمنة
في عدن، تستمر أزمة الكهرباء في خنق حياة السكان، حيث يضطر المواطنون يومياً للتكيف مع ساعات انقطاع طويلة تصل حالياً إلى 10 ساعات متواصلة.
وبحسب مصادر عاملة في المؤسسة العامة للكهرباء، فإن الوضع يزداد سوءً مع اقتراب الليل، خصوصاً مع خروج محطات التوليد نتيجة نفاد الوقود، إذ يشير آخر تحديث إلى احتمالية ارتفاع العجز إلى 11 أو 12 ساعة، ما يجعل الكثيرين يقضون الليل في ظلام شبه كامل.
وأوضحت المصادر أن الأسباب الرئيسية لهذا العجز تتمثل في نفاد مادة الديزل عن محطات التوليد التقليدية، وهي مشكلة مزمنة تتكرر بين فترة وأخرى، ما يخفض القدرة التوليدية للشبكة بشكل كبير ويجعل كل ساعة إضافية من التشغيل مهمة للغاية.
وعلى الرغم من ذلك، يلوح بصيص أمل خلال النهار، حيث يساهم تشغيل محطة الطاقة الشمسية في تخفيف العجز جزئياً، ما يمنح المواطنين ساعات محدودة جداً من التيار الكهربائي.
ومع ذلك، تبقى هذه التحسينات المؤقتة غير كافية لتغطية الاحتياجات الحقيقية للمدينة، فالفارق بين الطلب الفعلي على الكهرباء وإمكانات التوليد لا يزال كبيراً، مما يجعل السكان يعيشون بين أمل الوصول إلى الضوء واستمرار العتمة الطويلة، في مشهد يومي يختبر صبرهم وقدرتهم على التكيف مع أزمة متكررة بسبب نفاد الوقود.
المصدر أونلاين