أداء سياحي قوي يسرع خطط التنوع الاقتصادي في الخليج
تشهد دول مجلس التعاون الخليجي طفرة ملاحظة في قطاع السياحة خلال العقد الأخير، مع حرصها على تعزيز دور القطاع ليكون أحد محركات النمو الاقتصادي، في إطار مساعيها إلى التنويع وتقليل اعتماد اقتصاداتها على النفط.
يشمل هذا التوجه تعزيز قطاع السياحة الداخلية والإقليمية والعالمية، إذ أصبحت السياحة أحد المحركات الاقتصادية الرئيسة لهذه الدول، بما فيها السعودية والإمارات والبحرين.
وشهدت دول المنطقة زيادة كبيرة في أعداد السياح، خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، إذ بلغت نسبة الارتفاع في عدد الزائرين الدوليين 26 في المئة، وفق تقرير حديث صادر عن موقع "ترافل أند تورز وورلد".
تضاعف أعداد الزوار
وقال المدير الإداري لاقتصاديات السياحة في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا ديف جودغر، للحضور خلال إطلاق تقرير السفر العالمي 2024 مطلع الشهر الجاري، إن أعداد الزوار الدوليين إلى الشرق الأوسط تضاعف في غضون خمس سنوات فقط، وذكر أن السياحة في المنطقة تقودها دول مجلس التعاون الخليجي.
ووفقاً لجودغر فإن دول الخليج لم تعد الآن وجهات قوية فحسب، بل أصبحت أيضاً مصادر للسياح، إذ أصبح السفر داخل دول مجلس التعاون الخليجي أكثر انتشاراً، وهذا الاتجاه في السفر داخل هذه الدول بارز الآن.
قطاع السياحة السعودي
وتركز السعودية على تطوير قطاع السياحة في إطار "رؤية 2030" التي تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تنمية السياحة من خلال مشاريع عدة كبرى، في مقدمها مشروع البحر الأحمر الذي يعد من أكبر المشاريع السياحية في البلاد، ويهدف إلى تحويل 28 جزيرة على ساحل البحر الأحمر إلى وجهات سياحية فاخرة، مع التركيز على السياحة البيئية والمستدامة.
ومن المتوقع أن يكون المشروع من أبرز وجهات السياحة العالمية بحلول 2030، وفق الخطط الحكومية المعلنة، ومن المتوقع أيضاً أن يشهد العام المقبل اكتمال المرحلة الأولى من مشروع البحر الأحمر، الذي سيضم 16 منتجعاً إلى جانب المطار، بحسب ما كشف عنه كبير الإداريين في شركة "البحر الأحمر الدولية السعودية" أحمد غازي درويش في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، على هامش معرض "سوق السفر العالمية" الذي أقيم في لندن بين الخامس والسابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، بحضور أكثر من 40 ألف متخصص في السفر في دورته الـ44.
ولفت درويش إلى أن إدارة المنتجعات والتوسع بها في المستقبل فرصة فريدة أمام "البحر الأحمر الدولية"، وفيها تحافظ الشركة على مستوى الخدمة مع تقديم شيء مميز للعالم، مضيفاً "بدأنا استقبال الزوار في أربعة منتجعات وسيضاف إليها منتجع خامس بعد شهرين، ولدينا 11 منتجعاً العام المقبل بإجمالي 16 منتجعاً في واجهة البحر الأحمر مع مطار دولي لإكمال هذه الوجهة العالمية بما تحتاج، وسيكون لدينا العام المقبل منصة رئيسة للاستشفاء في ثمانية منتجعات مع جزيرة خاصة لاستقبال الزوار أيضاً".
مؤشرات إيجابية
وحقق قطاع السياحة السعودي مؤشرات إيجابية قوية، إذ سجلت إيرادات السياحة الدولية في البلاد ارتفاعاً بنسبة 207 في المئة، وفقاً لتقرير الـ"باروميتر" الصادر عن الأمم المتحدة للسياحة في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وشهدت مختلف الوجهات السياحية في السعودية ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد السياح الدوليين، إذ بلغ عدد السياح الوافدين إلى البلاد من الخارج نحو 17.5 مليون سائح خلال أول سبعة أشهر من العام الحالي محققاً نمواً بنسبة 73 في المئة.
وواصلت السعودية تصدرها قائمة دول مجموعة الـ20 في مؤشرات نسبة نمو عدد السياح الدوليين ونمو إيرادات السياحة الدولية، وفق أحدث البيانات المتوفرة لأول سبعة أشهر من العام الحالي مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2019.
وحققت السعودية نمواً بنسبة 56 في المئة في أعداد السياح الدوليين خلال عام 2023 مقارنة بعام 2019، إذ وصل عدد السياح إلى 27.4 مليون سائح،
وبذلك تصدرت قائمة الأمم المتحدة للسياحة في مؤشر نسبة نمو عدد السياح الدوليين في عام 2023 للوجهات الكبرى سياحياً، وسجل حساب السفر في ميزان المدفوعات فائضاً تاريخياً بلغ 48 مليار ريال (12.78 مليار دولار) خلال عام 2023 بزيادة سنوية قدرها 38 في المئة، ومن المتوقع أن تستقطب السعودية نحو 100 مليون سائح بحلول 2030 وفقاً لـ"رؤية 2030".
استثمارات سياحية في الإمارات
وفي الإمارات يواصل القطاع السياحي تسجيل أرقام استثنائية على صعيد أعداد السياح الدوليين والحجوزات الفندقية، بما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية للسياحة، الهادفة إلى جذب استثمارات سياحية بقيمة 100 مليار درهم (27.22 مليار دولار)، وزيادة إسهام القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 450 مليار درهم (122.5 مليار دولار) بحلول عام 2031،
فيما يتوقع أن يرتفع إسهام قطاع السياحة بنسبة 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بما يعادل 236 مليار درهم خلال 2024، بحسب مجلس السفر والسياحة العالمي.
تطورات في البحرين
وتشهد البحرين تطورات في السياحة بصورة ملاحظة في السنوات الأخيرة، مع التركيز على تطوير القطاع ليواكب الاتجاهات العالمية، كما أنها تحرص على تحسين خدمات السياحة بصورة مستمرة، من خلال تحديث البنية التحتية في المطارات وتسهيل إجراءات الدخول للزائرين من خلال التأشيرات الإلكترونية.
وشهد القطاع السياحي في البحرين نمواً بنسبة 10.7 في المئة في الربع الأول من العام الحالي، وارتفع عدد السياح خلال أول سبعة أشهر من 2024 بنسبة 45 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام ما قبل كورونا 2019.
وينصب تركيز البحرين حالياً على الترويج لها على أنها وجهة سياحية متكاملة مع دول الخليج الأخرى، مشيرة إلى أن التطور الملاحظ بالقطاع بالدول المجاورة يفتح فرصاً نوعية لبلادها.
ومع زيادة التركيز على السياحة الرياضية والثقافية يتوقع أن تواصل البحرين تحقيق نمو مستدام في هذا القطاع، إذ توقع تقرير لمجلة "ترافل أند وورلد" أن تجتذب البحرين ما يقرب من 14 مليون زائر بحلول عام 2028، مرجحاً ارتفاع إيرادات السياحة بالبلاد إلى 3.6 مليار دولار بحلول العام ذاته مقارنة بإيرادات سياحة محققة بنحو 3.1 مليار دولار في عام 2023.
وجهة سياحية
وكشفت الرئيس التنفيذي لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن أن مركز البحرين العالمي للمعارض يعد ركيزة أساسية في تطوير السياحة، إذ يلعب دوراً محورياً في جذب الفعاليات والمعارض الدولية والمحلية، مما يسهم في تعزيز جاذبية البلاد كوجهة سياحية.
وأوضحت أنه جرى إطلاق استراتيجية السياحة 2022-2026 كجزء من خطة التعافي الاقتصادي، التي تتضمن أهدافاً طموحة مثل زيادة عدد الزوار إلى 14.1 مليون زائر بحلول عام 2026.
وأكدت أن بلادها تركز على تحسين البنية التحتية السياحية، سواء من خلال تحديث المرافق أو تقديم خدمات سياحية مميزة تلبي احتياجات الزوار.
وأكدت أيضاً تتطلع البحرين إلى توسيع نطاق الدول المستهدفة من خلال الترويج للبلاد في أسواق جديدة مثل الصين وألمانيا وبريطانيا، إضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي والدول المجاورة.
وبينت أن المعارض الدولية تسهم بصورة كبيرة في رفع معدلات الإنفاق السياحي من خلال جذب السياح والمستثمرين وتنمية القطاع السياحي والقطاعات الأخرى كالمطاعم والضيافة، مما يدعم الانتعاش الاقتصادي وتنوع مصادر الدخل بالبلاد.
وأضافت أن هذه الفعاليات تعمل على تعزيز مكانة البحرين كمركز استثماري وتجارى، مما يسهل إقامة شراكات تجارية مع شركات ودول أخرى، وخلق فرص عمل جديدة من خلال زيادة الطلب على خدمات الإقامة والنقل والاستضافة.
وأشارت إلى أن التنافس الإقليمي في السياحة يعد تحدياً مثيراً للاهتمام، إذ تنظر إليه البحرين كفرصة لتعزيز التحسين والابتكار في الخدمات المقدمة والارتقاء بمستوى السياحة وجودة الخدمات المقدمة، ومن بينها عقد شراكات مع الدول الشقيقة التي كان من ضمنها مذكرة التفاهم التي وقعت مع السعودية العام الماضي للترويج للبلدين كوجهة سياحية موحدة، مما يعزز من قدرة كلتا الدولتين في استقطاب الزوار.
استراتيجية قطر
وفي قطر سجل إجمالي عدد الزوار مستوى قياسياً جديداً حتى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وصل إلى 4 ملايين زائر، مما يعادل إجمالي عدد الزوار الذي سجل خلال عام 2023 بأكمله.
ويمثل إجمالي عدد الزوار خلال الأشهر الـ10 الأولى من العام الحالي زيادة بنسبة 26 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، وتعد هذه النسبة مؤشراً إيجابياً على تحقيق أرقام قياسية جديدة نهاية عام 2024، خصوصاً مع بداية فصل الشتاء ووجود رزنامة غنية ومنوعة من الفعاليات التي أعدت خصيصاً لهذا الموسم.
ورجح المجلس العالمي للسفر والسياحة أن يسجل قطاع السياحة والسفر في قطر أداء قوياً خلال الفترة بين عامي 2024 و2034، متوقعاً أن يضخ قطاع السياحة والسفر 135.2 مليار ريال (34.5 مليار دولار) في الاقتصاد القطري بحصة توازي 12.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لقطر بحلول عام 2034 مقارنة مع مستوى بلغ 90.8 مليار ريال (25.2 مليار دولار) في عام 2024، أي ما يوازي 11.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024.
السياحة محرك للنمو الكويت
ويعد قطاع السياحة في الكويت أحد المحركات الرئيسة للنمو الاقتصادي في البلاد، فهو يوفر فرص عمل متنوعة للسكان المحليين، ويجذب الاستثمارات الأجنبية، ويسهم في تطوير البنية التحتية والخدمات السياحية.
ويلعب القطاع دوراً حيوياً في الاقتصاد الكويتي، إذ يسهم بنحو ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتشير التقديرات إلى أن عدد السياح الذين يزورون الكويت سنوياً يتجاوز 300 ألف زائر.
ووفقاً لتوقعات مجلس السياحة والسفر العالمي من المتوقع أن يصل عدد السياح إلى 440 ألف سائح خلال عام 2024 وستكون الزيادة في الطاقة الاستيعابية هي المحفز الأساس لمكاسب القطاع ونموه، إذ من المتوقع نمو الإنفاق السياحي الترفيهي بنسبة 6.2 في المئة سنوياً حتى 2025.
تحديات كثيرة
وعلى رغم الطفرة السياحية تواجه دول الخليج هناك عدة تحديات أبرزها التغيرات المناخية كحرارة الصيف المرتفعة التي قد تؤثر في جاذبية الخليج كوجهة سياحية، إلا أن عدداً من المشاريع يأخذ هذا في الاعتبار ويطور مرافق مكيفة ويضمن راحة الزوار.
ومن تلك التحديات التنافس العالمي، إذ إن المنافسة المتزايدة من وجهات سياحية أخرى مثل تركيا ومصر وماليزيا قد تحد من الحصة السوقية لدول الخليج، ويضاف إلى تلك التحديات الاستدامة، إذ إن الحفاظ على التوازن بين النمو السياحي والاستدامة البيئية يمثل تحدياً مستمراً، خصوصاً مع المشاريع الكبيرة التي تؤثر في البيئة المحلية.