
معاناة اليمن تتعاظم... القدرة الشرائية تنهار وشركات يترصّدها الإفلاس
رغم تدهور الأحوال الاقتصادية والاستثمارية في اليمن "السعيد"، تستمر الجهات المعنية، كما هو حاصل في صنعاء مثلا، في فرض حزمة من الضرائب والإتاوات متبوعة بسياسات تضيق الخناق على الأنشطة والأعمال الإنتاجية والتجارية والصناعية بطريقة مخالفة للقوانين المعمول بها في اليمن،
في حين أضافت الأحداث الأخيرة في اليمن وإغلاق مطار صنعاء وتراجع القدرات التشغيلية لميناء الحديدة، وسط المزيد من الضغوط المهددة لقطاع الأعمال، خاصة في شمالي البلاد، حيث وجدت مؤسسات كثيرة نفسها محاصرة بالركود وتراجع قدرات اليمنيين الشرائية والإتاوات والتضييق والحصار.
وترصد "العربي الجديد" في اليمن تدهور وضعية كثير من الأنشطة الاقتصادية والتجارية والأعمال المختلفة في صنعاء، حيث يلاحظ إغلاق كثير من المحال التجارية ومكاتب أعمال أبوابها،
فيما أنشطة ومشاريع أخرى في مرحلة تصفية أعمالها بسبب الخسائر التي تتكبدها مقابل الالتزامات الجبائية والتشغيلية والإيجارات وغيرها من التكاليف والتي عليها دفعها والذي يصل إلى فرض تحصيلها بالقوة والتهديد،
مقابل تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وركود الحركة التجارية ووصولها إلى ذروتها خاصة خلال الفترة الراهنة التي تأتي بعد الفترة الموسمية المناسباتية التي لم تكن بالمستوى التي كانت عليه من فترات سابقة.
وفي السياق، يشرح المستشار الاقتصادي للاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية منصور البشيري، في هذا الخصوص ما يجري بسبب الوضع الراهن ومنذ ثلاث سنوات على وجه التحديد هناك تراجع كبير في القطاعات والأنشطة الاقتصادية،
إذ فرض هذا الوضع العديد من التحديات أمام الأعمال والأنشطة والمشاريع التجارية والصناعية والإنتاجية الخاصة،
إضافة إلى أن بيئة الأعمال لم تشهد أي إصلاحات أو محفزات حقيقية حتى تجعل القطاعات بما فيها القطاع الخاص يوسع أعماله والوصول إلى الفرص المتاحة، وتسمح للمستثمرين ورجال الأعمال الخروج بأعمالهم من دائرة الركود الكبيرة الحاصلة، وهذا أدى إلى هجرة كثير منهم إلى خارج اليمن.
هذا الوضع في تدهور أنشطة الأعمال والركود وتبعاته وآثاره انعكس على فرص العمل والشباب الداخلين إلى سوق العمل ولجميع مكونات المجتمع وفق البشيري،
عدا أن ذلك طاول الوضع المعيشي ومستوى الدخل لليمنيين بشكل عام في كل المحافظات، ناهيك عن انعكاس هذا التراجع على القوة الشرائية وبالتالي أثر ذلك في مستوى نشاط المؤسسات والمنشآت والشركات والمصانع.
ومع بلوغ الأزمات مستويات عالية من التهديدات حيث تتجه المزيد من الأنشطة والمشاريع والأعمال إلى التوقف والانهيار والتصفية والإغلاق، أو تنعكس على المنتج النهائي بما يثقل كاهل المواطنين؛ تختلف الحلول المطروحة،
إذ يشير هذا المختص القانوني إلى أن المسالة برمتها تحتاج إلى قرار سياسي بمعالجة الانقسام النقدي، والتوقف عن إثقال كاهل التجار بالكثير من الجبايات لأن التاجر يعكسها في سعر السلع ويدفعها المواطن الذي يعيش أصلاً في وضع معيشي يرثى له.
يأتي ذلك مع تدني القدرة الشرائية للمواطنين بسبب فقدان فرص العمل وأزمة صرف الرواتب اضطراب العملة المحلية وحالة الانقسام النقدي في اليمن.
فكل ذلك جعل التاجر عاجزا عن الإيفاء بالتزاماته المتزايدة بصورة أثقلت كاهل الكثيرين في ظل ركود شديد يخيّم على الأسواق المحلية في مختلف مدن ومناطق اليمن.
ويرى المستشار الاقتصادي للاتحاد اليمني للغرف التجارية والصناعية، أن البيئة الإنتاجية تفتقد المرونة في الظرف الراهن، فالبنية الإنتاجية الصناعية والزراعية وغيرها لا تتمتع بالمرونة، وليس لديها فائض في الإنتاج تستطيع استغلالها للتعامل مع هذا الوضع وهذه الظروف،
إذ يشير البشيري إلى أنها تنتج بالحّد الأقصى بالنظر إلى البيئة الصعبة التي تعمل فيها والقيود الإنتاجية الكبيرة، وفي ظل تكاليف إنتاجية عالية مقارنة بالمستورد، لذا فإن ما نشهده من وضعية وإجراءات يساهم في تعميد الركود.
لكن تطبيق القوانين في ظروف اقتصادية صعبة وبمخالفة اللوائح التنفيذية للقوانين لا يخدم الاقتصاد بحسب القرشي، ويؤثر على المشاريع الخاصة وقطاعات الأعمال والأنشطة التجارية التي تعاني من حالة الركود الاقتصادي.
ويشدد المحامي والمختص القانوني معاذ القرشي، على أن تجاوز القوانين واللوائح التنفيذية لها وفرض القرارات والجبايات دون النظر إلى الواقع الاقتصادي ساهم في توقف كثير من النشاطات التجارية للتجار اليمنيين ومن لا يزال يزاول نشاطه التجاري يقوم بذلك للوفاء بالتزاماته قبل نفسه وأسرته والعاملين معه،
فيما يرى الخبير الاقتصادي البشيري، أن الجهات المعنية تستطيع تلافي هذا الوضع وإحداث انفراجة إذا ترافقت سياستها وإجراءاتها مع إصلاحات في بيئة الأعمال، أهمها في الجوانب التي تسمح للقطاعات الاقتصادية الإنتاجية والصناعية بتخفيض تكاليف الإنتاج،
وهذا يأتي من خلال تخفيض الجبايات، والسماح للقطاع الخاص باستيراد الطاقة الرخيصة بالذات الغاز.
وتدل المؤشرات على عمق الأزمة اليمنية، فبالنسبة لتدهور العملة المحلية وارتفاع التضخم، انخفض الريال اليمني بنسبة 26% خلال عام 2024، و71% خلال السنوات الخمس الماضية،
مما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار الوقود وزيادة تكلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء بنسبة 21%. وتوقع البنك الدولي انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5% في عام 2025، مع تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الاسمي بنحو 19%، وسط تفاقم أزمة السيولة.
وفي ما خص ارتفاع تكاليف المعيشة، احتل اليمن المرتبة الثانية عربياً والـ36 عالمياً في مؤشر تكلفة المعيشة لعام 2024، مما يعكس حجم الانهيار المعيشي في البلد.
كما انخفض نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 58% منذ عام 2015، مما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر.
وتشهد البلد أيضاً انقطاعاً مزمناً للمرتبات مع تدهور الخدمات، حيث توقف صرف المرتبات في مناطق الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، مما زاد من معاناة المواطنين وأدى إلى احتجاجات شعبية في عدد من المدن.
وكل هذا أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث أفاد البنك الدولي بأن انعدام الأمن الغذائي يؤثر على نصف السكان، كما ارتفعت معدلات الوفيات بين صفوف الشباب.
في غضون ذلك، يشهد الاقتصاد اليمني تحديات إضافية مع استمرار التوترات الإقليمية في البحر الأحمر في تعقيد الوضع الاقتصادي، حيث سجل عام 2024 أكثر من 450 حادثاً وهجوماً بحرياً، ما تسبب في تعطيل حركة التجارة عبر مضيق باب المندب ورفع تكاليف الشحن، الأمر الذي انعكس سلباً على أسعار السلع الأساسية وتوفرها.
محمد راجح