
Apocalypse 2025... الإنسان يمسي كائناً مهووساً
Apocalypse فيلمٌ وثائقي صدر عام 2025 للمخرج دانيال فيرنون (Daniel Vernon)، يأخذنا في رحلة إلى قلب جنون نظرية نهاية العالم التي بدأت تعود إلى الواجهة وبقوة بعد عودة دونالد ترامب إلى الحكم.
نجد أنفسنا في عالم تزداد فيه الخطابات الشعبوية والتهديدات الوجودية. فيرنون يكشف للمشاهدين عن عالم مليء بالبارانويا والعنف والاستعداد الدائم لنهاية العالم، وذلك من خلال شهادة ابن زعيم الحركة داكوتا آدامز، الذي انقلب على أفكار والده.
العمل وثيقة مرعبة عن تحول الإنسان إلى كائن مهووس بالدمار، مستعد لتدريب أطفاله على فنون البقاء والنجاة في الغابة، ومؤمناً بحتمية الحرب الأهلية. الفيلم الذي يُعرض على "نتفليكس"، مصمم بطريقتها التقليدية في صناعة الأفلام الوثائقية.
لا يكتفي الفيلم الوثائقي بتوثيق تحول ستيوارت رودس من محامٍ إلى زعيم مليشيا، بل يكشف عن أنثروبولوجيا مجتمع كامل يعيش على وَعْي نهاية العالم، ويحوّل الخراب إلى أيديولوجيا، والبارانويا إلى نمط حياة،
حيث تُعلَّب العدمية في خطابات شعبوية، وتُعبَّأ الأسلحة كحلٍّ وحيد للبقاء، يصبح السؤال: كيف تحوَّل الإيمان بالدستور الأميركي إلى إيمان بالرصاص؟
الجواب يأتي عندما يلقي المخرج نظرة داخلية على حركة "حافظوا العهد" (Oath Keepers)، المليشيا اليمينية المتطرفة التي ارتبطت بأحداث اقتحام الكابيتول في السادس من يناير/ كانون الثاني 2021.
بدأ رودس حياته محامياً متخرجاً من جامعة ييل لكن إيمانه بالتآمر الحكومي دفعه إلى تأسيس Oath Keepers في عام 2009، وهي مجموعة تدعو إلى مقاومة الحكومة الفيدرالية تحت ذريعة الدفاع عن الدستور الأميركي.
نتتبع خلال العرض تحول رودس من مثقف إلى شخصية عدميّة كارزميّة خطيرة. العدمية هنا ليست فلسفةً مجردة، بل ممارسة يومية، كحفر الأنفاق (تحسباً لهجوم الفيدراليين) وتخزين الطعام وتدريب الأطفال على القتال، وتكديس 60 سلاحاً من أنواع مختلفة في منزل عائلي.
المشهد الأكثر دلالة هو تحوُّل المنزل إلى قلعة محاصَرة، حيث يعيش الأبناء تحت تهديد أبٍ يُمارس العدمية بوصفها شكلاً من أشكال الحب.
يُظهر الفيلم كيف تحول هوس رودس بنهاية العالم إلى أفعال عنيفة، خاصةً خلال أحداث السادس من يناير،
حينها اتُّهم بدور رئيسي في التخطيط للاقتحام. المشاهد الأرشيفية لأعضاء المليشيا وهم يتقدمون بتشكيلات عسكرية نحو مبنى الكابيتول تثير الاستغراب، خاصةً مع تعليقات رودس اللاحقة التي كشفت أنه ندم على عدم إحضار المزيد من الأسلحة.
هذا الهوس بالانقراض ليس فردياً، بل ظاهرة جماعية تُغذِّيها نظريات المؤامرة. العدميون الجُدد لا يثقون في الحكومة ولا في الإعلام، ولا حتى في جيرانهم،
الشرطة بالنسبة لهم احتلال يجب مقاومته، وهو ما يفسر انضمام آلاف العسكريين السابقين لحركة Oath Keepers، حيث وجدوا في السلاح بديلاً عن الإيمان بالدولة.
مع الأسف، لا يركز الفيلم على الأحداث السياسية، بل يكشف الجانب الإنساني المظلم، وكأن القضية هي قضية فردية. من خلال شهادات زوجته السابقة تاشا آدامز وابنته سيدونا،
نرى كيف تحول المنزل إلى جحيم، فكانت العائلة تعيش تحت تهديد السلاح، بينما كان رودس يتباهى بدوره منقذاً أميركا.
يقول الابن داكوتا آدامز: "كُنتُ أعتقد أن نهاية العالم مُسلَّمة... لقد وُلدتُ في عالمٍ لم يكُن فيه مكانٌ للسلام". هذا الكلام أتى من شخص عاش طوال حياته في أميركا، التي لم تتعرض إلى أي حربٍ على أرضها.
الفيلم يُظهِر كيف تتحول الشعبوية إلى إرهاب منظم حين تلتقي بالسلاح. خطابات رودس ليست مجرد هتافات، بل استراتيجيا لتوظيف الخوف، العدو المشترك هو الحكومة واليساريون والغزو المكسيكي.
البطل المخلِّص هو رودس الذي يُقارن نفسه بنيلسون مانديلا. والمكافأة هي الوعد بالخلاص ولا يتحقق هذا الوعد من دون حرب أهلية ضرورية لتطهير أميركا.