دول الخليج ودمشق.. مؤشرات إيجابية في أول أيام سوريا الجديدة
الرأي الثالث
صفحة جديدة في العلاقات بين سوريا ودول مجلس التعاون الخليجي تفتحها زيارة أول وفد خليجي لدمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد، وهي الزيارة التي سبقتها زيارات منفردة لمسؤولين خليجيين للقاء القيادة السورية الجديدة.
وفدٌ برئاسة وزير الخارجية الكويتي رئيس المجلس الوزاري الخليجي، عبد الله اليحيا، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، وصل إلى دمشق يوم الاثنين (30 ديسمبر)، والتقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشر؛ لتأكيد موقف المجلس الداعم لإرادة الشعب السوري.
الزيارة هي الأرفع والأكثر أهمية حتى اللحظة في جملة الزيارات العربية التي استقبلتها دمشق منذ سقوط الأسد، ولها -بلا شك- دلالة كبيرة؛ لكونها صادرة من منظمة يُنتظر منها أن تكون السند الأكبر لسوريا خلال المرحلة المقبلة.
زيارة مهمة
زيارة الوفد الخليجي برئاسة وزير خارجية الكويت، والأمين العام لمجلس التعاون، تأتي تأكيداً للتوصيات الصادرة عن المجلس الوزاري لمجلس التعاون، الذي عُقد يوم 26 ديسمبر، وأكد تمسُّك الدول الست بالمبادئ الأساسية التي تضمن سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، كما أنها تعد "رسالة مساندة لإرادة الشعب السوري".
وبحث الوفد الخليجي مع قائد الإدارة السورية الجديدة، ووزير الخارجية بالحكومة الانتقالية أسعد الشيباني، سُبل تعافي الاقتصاد في سوريا، بحسب تصريحات لوزير خارجية الكويت الذي أكد أن دول الخليج "ملتزمة بدعم الشعب السوري"، كما أنها ترفض "أي انتهاك لسيادة سوريا".
ومن دمشق دعا رئيس الوفد الخليجي، وزير خارجية الكويت، المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في العقوبات المفروضة على سوريا، في حين قال الأمين العام لمجلس التعاون، إن الزيارة تهدف إلى نقل رسالة دعم لسوريا سياسياً واقتصادياً وتنموياً، مشدداً على موقف الدول الخليجية من أن الجولان أرض سورية، وتدين توسع الاستيطان الإسرائيلي فيها.
خطوات سابقة
وسبق أن استقبلت دمشق وفوداً خليجية، أبرزها الوفد القطري برئاسة وزير الدولة بوزارة الخارجية محمد الخليفي، يوم 23 ديسمبر، على رأس وفد رفيع المستوى، وأجرى لقاء مع القيادة السورية الجديدة؛ لبحث احتياجات سوريا، وتأكيداً لموقف الدوحة المساند للشعب السوري.
وقبل ذلك بيوم واحد، وتحديداً في 22 ديسمبر، التقى وفد سعودي برئاسة أحد المستشارين بالديوان الملكي، قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع؛ لبحث "العلاقات الثنائية، وسبل التعاون الثنائي، والمستجدات على الساحة السورية".
ويوم 28 ديسمبر، استقبل الشرع وفداً بحرينياً برئاسة رئيس جهاز الأمن الاستراتيجي، الشيخ أحمد آل خليفة، وتم بحث العلاقات الثنائية والمستجدات.
الإمارات بدورها، فتحت خط تواصل مع الحكومة السورية الجديدة، ويوم 23 ديسمبر، أجرى وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، مباحثات هاتفية مع نظيره بالحكومة الانتقالية أسعد الشيباني؛ لبحث العلاقات الثنائية والمرحلة الانتقالية في سوريا.
ولم تتأخر عُمان في خطوة مشابهة، حيث أجرى وزير خارجيتها بدر البوسعيدي أول اتصال بالشيباني (1 يناير)، أكد خلاله موقف السلطنة "الثابت والداعم لاحترام إرادة الشعب السوري والحفاظ على سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها".
موقف خليجي
وفي الاجتماع الوزاري المصغر المنعقد يوم 26 ديسمبر، أكد وزراء خارجية دول مجلس التعاون دعم الجهود والمساعي كافةً العاملة على الوصول إلى عملية انتقالية شاملة وجامعة تحقق تطلعات الشعب السوري إلى الاستقرار، والتنمية والحياة الكريمة.
كما أكد الوزراء أن "أمن سوريا واستقرارها ركيزة أساسية من ركائز استقرار أمن المنطقة"، إضافة إلى الدعوة إلى تغليب المصلحة العليا والتمسك بالوحدة الوطنية، وإطلاق حوار وطني شامل.
الاجتماع ندد بالتوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الجولان المحتلة، مؤكداً أن ذلك يعتبر "انتهاكاً جسيماً لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة"، فضلاً عن الدعوة إلى رفع العقوبات عن سوريا وتقديم الدعم للشعب السوري.
ولا بد من الإشارة إلى أن أغلب دول مجلس التعاون - إن لم تكن جميعها- حافظت على وجود دبلوماسي في سوريا بعد سقوط الأسد، حيث أعادت السعودية والإمارات والأردن والبحرين وعُمان عمل بعثاتها الدبلوماسية،
رؤية سورية
وتولي الإدارة السورية الجديدة دول مجلس التعاون أولوية كبرى، وتعتبر أن سقوط الأسد نصر ومكسب كبير لدول الخليج، بعد أن تحولت سوريا إلى معمل ضخم لإنتاج وتصدير الكبتاغون لها خلال حكم الرئيس المخلوع، ومنصة لتصدير الخطر الإيراني إلى المنطقة، والخليج في المقدمة.
وخلال الأسابيع الأولى من عمر الدولة السورية الجديدة، انطلقت تصريحات إيجابية من القادة في دمشق، تجاه دول الخليج، في حين أكد الشرع أن سوريا بحاجة لدول الخليج والسعودية وقطر تحديداً.
ويوم الاثنين 30 ديسمبر، تلقى وزير الخارجية بالحكومة السورية الانتقالية، أسعد الشيباني، دعوة رسمية لزيارة المملكة العربية السعودية، وهي أول دعوة خارجية يتلقاها.
ويبدو أن قدرة القيادة السورية الجديدة على تطمين دول مجلس التعاون الخليجي ستكون المحطة الأكثر أهمية في طريق بناء الدولة، ففي الوقت الذي تحتاج فيه دمشق للدعم الخليجي، تطمح دول المجلس إلى سوريا آمنة وموحدة وخالية من المليشيات، وهو ما أكده قادة سوريا ما بعد الأسد.
ويُنتظر من دول الخليج مواقف مساندة لسوريا في مجالات عدة، أبرزها الاقتصاد والتنمية والطاقة وإعادة الإعمار، وأيضاً السياسة، من خلال الضغط لرفع العقوبات عن دمشق، ووقف التوغلات الإسرائيلية المستمرة في الأراضي السورية.
رسائل إيجابية
ويرى رئيس جمعية الصحفيين العُمانية الدكتور محمد العريمي، أن هناك عديداً من الرسائل المتبادلة بين دمشق والعواصم الخليجية خلال الأيام القليلة الماضية، مؤكداً أن جميعها "مؤشرات إيجابية"، وتعكس نوايا صادقة للعمل والشراكة مستقبلاً.
وقال العريمي : "تابعنا الرسائل الإيجابية التي صدرت من دمشق، تجاه العواصم الخليجية في المجموع، والرسائل الإيجابية أيضاً من عموم دول الخليج تجاه ما حدث في سوريا،
وكذلك الزيارة التي أجراها الأمين العام لمجلس التعاون برفقة وزير الخارجية الكويتي لدمشق، والتقاءهم مع الشرع، وتأكيدهم أن مجلس التعاون ودولة الكويت داعمَين للأمن والاستقرار ولدولة حديثة تعمُّها التشاركية السياسية، والتشارك مع العالَم العربي والخليجي".
ولفت إلى أن هذه الزيارة، والرسائل الإيجابية المتبادلة، وكذلك نية وزير خارجية سوريا التوجه إلى الرياض، في أول زيارة خارجية، جميعها "مؤشرات إيجابية، وتدل على أن هناك نوايا صادقة، للعمل مستقبلاً على تعزيز العلاقات سواء كانت سياسية أو غير سياسية، بين دمشق والعواصم الخليجية في المجموع".
اقتناص الفرصة
وأضاف العريمي، أن دول الخليج "سوف تقتنص الفرصة، خاصة بعد خروج النظام الإيراني ومؤسساته من دمشق، ورجوع سوريا ودمشق إلى الحضن العربي والخليجي، وإلى جامعة الدول العربية"، مؤكداً أن هذا المطلب لم يكن ليتحقق خلال 13 سنة مضت.
واستطرد قائلاً: "أعتقد أنه من المناسب الآن أن يُبنى على هذه المعطيات الإيجابية، سواء بالنسبة لسوريا أو دول الخليج، سوريا هي عمق الأمة العربية، ومن المناسب، والجيد الآن وخلال الفترة القادمة، تعزيز هذه العلاقة في كل المجالات".
وتابع: "أرى أن المعطيات إيجابية، وإيجابية جداً، وما نتمناه لسوريا الآن هو الاستقرار وبناء الدولة الحديثة، كما أعلن عنها الشرع الأسبوع الماضي، ومن ثم هذه الرسائل الإيجابية حقيقية، رسائل لم تكن موجودة خلال السنوات الماضية".
وأشار العريمي إلى المبادرات الخليجية، كالمساعدات القطرية والكويتية التي وصلت إلى دمشق، مؤكداً أن هذه المبادرات "يمكن البناء عليها لعلاقات جيدة، مبنية على الاحترام المتبادل بين دمشق والعواصم الخليجية"،
مؤكداً أن "المطلوب الآن هو أن يعم الاستقرار والأمن في عموم سوريا، وأن تنجح الإدارة السورية الجديدة في مهمتها لبسط الأمن".
وأكد أن "ما نتمناه في دول الخليج هو التوفيق للسوريين وقيادتهم الجديدة، وللمؤسسات السورية، وأن تصل إلى ما تصبو إليه خلال المرحلة المقبلة، لا سيما بعد ما حدث خلال السنوات الماضية من تمزيق وتدهور وانهيار في كل المجالات"،
مبيناً أن سوريا الآن "تحتاج إلى جهد كبير وإلى لملمة هذه الأمور وصياغتها من جديد، خاصةً في ما يخص الدستور السوري، والمؤسسات السورية المعنية بالشأن الخارجي".