
الغارات الأميركية المتواصلة تستنزف الحوثيين رغم التكتم على الخسائر
الرأي الثالث
تعيش الجماعة الحوثية حالة ارتباك متزايدة مع استمرار الضربات الأميركية على مواقعها العسكرية والأمنية ومخابئ أسلحتها في مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرتها، وإدراكها صعوبة المواجهة مع إدارة الرئيس دونالد ترمب التي يبدو نهجها مختلفاً وحاسماً، وإن لم تتضح بعد أهدافها الكاملة من العمليات ضد الجماعة.
ويزيد من ارتباك الجماعة الموقف الإيراني الذي رشحت نيات صادرة عنه للتخلي عن دعمها، دبلوماسياً وإعلامياً على الأقل، في هذه المرحلة الحرجة التي تتعرض فيه لاستنزاف قياداتها الوسطية، في عمليات تشبه ما جرى لـ«حزب الله» اللبناني عند بداية استهداف إسرائيل له، وتوجهها لتفكيك قدراته وشرذمته، لتسهل مهمة التصعيد ضده لاحقاً.
ونقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، الخميس، عن مصدر إيراني مسؤول أن بلاده أمرت بسحب عناصرها العسكرية من اليمن، في خطوة تهدف إلى تجنُّب مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، بعد القلق المتزايد في طهران من المواجهة المباشرة مع ترمب.
ولا يستبعد خبراء ومراقبون إمكانية تقديم إيران تنازلات، بما فيها تخفيف الدعم للجماعة الحوثية بسبب مشكلاتها الداخلية، واضطرارها للتعامل مع ملفات كثيرة ومعقدة داخلياً وخارجياً، والتجاذبات القائمة بين الإصلاحيين، الراغبين في التفاهم مع الغرب، والمحافظين الذين يبدو أن طريقة ترمب المتعالية والقاسية في التعامل مع خصومه، وحتى مع حلفائه؛ تدعم سرديتهم المتشددة.
ويتوقع المراقبون أن تدفع التطورات الجديدة المتصاعدة إلى حدوث حالة تفاهم بين النظام الإيراني والجماعة الحوثية لإعلان موقف بالتخلي عنها من أجل التخفيف من حدة التصعيد الأميركي، خصوصاً أن الجماعة نفسها تواجه ضغوطاً داخلية كبيرة،
بالإضافة إلى عجزها عن إحداث تأثير حقيقي في عملياتها العسكرية ضد البوارج الأميركية أو حتى الهجمات على إسرائيل.
ويرى خبراء ومراقبون أن العمليات الأميركية الأخيرة توحي بأن الجماعة ربما تكون في طريقها للانهيار بالطريقة نفسها التي تعرض لها «حزب الله»، أو الوصول إلى وضع مشابه لوضعه الحالي، وأن إيران تسعى من خلال موقفها إلى تجنيبها هذا المصير، خصوصاً أنها تدرك صعوبة المواجهة، وتعي أن خسارة نفوذها في اليمن يصعب تعويضه أكثر من تعويض نفوذها في لبنان.
مناورة إيرانية
وصلت الجماعة، وفق الخبراء والمراقبين، إلى مأزق حقيقي لم تواجه مثله منذ فترة طويلة، حيث وجدت نفسها تتعرض لاستهداف واسع يضرب قدراتها العسكرية وقادتها الميدانيين، في ظل أزمة قيادة تعاني منها، وظهر ذلك من خلال عجزها، طوال السنوات الماضية، عن تعويض عدد ممن فقدتهم المواجهات مع الجيش اليمني.
وبينما يرى فياض النعمان وكيل وزارة الإعلام اليمنية أن التسريبات بشأن قرار النظام الإيراني بالتخلي عن دعم الجماعة الحوثية يمكن تفسيره كخطوة براغماتية للتهرب من التهديدات والضغوط الأميركية، وتجنب المواجهة المباشرة معها؛
فإنه يسعى إلى الحصول على فرصة لإعادة ترتيب أولوياته في ظل واقع إقليمي معقد، دون أن يوقف نشاط إمداد وعم حلفائه.
ويضيف النعمان أن موقف إيران ليس جديداً إلا في مناسبته وخطورتها، وهي التي دأبت على إنكار دعمها العسكري والمالي للحوثيين في الوقت نفسه الذي أيدت فيه خطابهم وتوجهاتهم، ولن تنخدع إدارة ترمب بهذه التصريحات؛
لأنها تملك من المعلومات الاستخباراتية ما يكفيها للتحقق من صدق نيات طهران.
وفي ظل شح المعلومات، فإن أي خسائر تتلقاها الجماعة من قيادتها وعتادها العسكري، لن تكون كافية لهزيمتها، بحسب باحث سياسي يقيم في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء.
ويذهب الخبراء والمراقبون، إلى أن الجماعة تمتلك بناءً تنظيمياً معقداً يصعب اختراقه، ولن يكون سهلاً تنفيذ اغتيالات لصف قيادته الأعلى بوسائل تعتمد على المعلومات الاستخباراتية، كما تصعب هزيمته بالضربات الجوية من دون حرب على الأرض.
وبحسب الخبراء ، فإن الجماعة اتخذت منذ وقت مبكر، وبمساعدة إيرانية، وسائل حماية بالغة التعقيد للصفين الأول والثاني من قيادتها، خصوصاً بعد الاغتيالات التي طالت قيادات «حزب الله» اللبناني،
بينما كانت قد استفادت من البنية التحتية للجيش اليمني في حماية أسلحتها، وراكمت عليها، إلى درجة أن الأسلحة الذكية الأميركية لا تستطيع الوصول إلى مخابئ محفورة في الجبال على أعماق تصل إلى أكثر من 60 متراً.
مقتل قيادات بالجملة
خلال الأيام الماضية تطورت الهجمات الأميركية، وبدأت باغتيال قيادات حوثية في الكثير من المناطق، بما في ذلك استهدافهم داخل سياراتهم خلال عمليات تنقلهم، وهو ما يشير إلى دقة المعلومات الاستخباراتية التي يملكها البيت الأبيض،
إلا أنه لم يتضح بعد مستويات القيادات التي يجري اغتيالها، في ظل السرية المشددة التي تتبعها الجماعة.
ونشر الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقطع فيديو التقطته طائرة خلال تنفيذ غارة استهدفت معسكراً تدريبياً، تظهر فيه مجموعة حوثية يقارب عدد أفرادها 70 فرداً يقفون في شكل شبه دائري، متهماً إياهم بالاجتماع للتخطيط للهجوم على السفن.
وأظهرت مقارنة أجرتها مصادر صحافية يمنية أن الهجمة التي نقلها الفيديو وقعت في مديرية التحيتا جنوب محافظة الحديدة بالقرب من الساحل، حيث أنشأت الجماعة معسكرات تدريبية، وجعلتها أحد أهم تجمعاتها، وتعرضت خلال الأسابيع الماضية لسلسلة من الغارات.
ولم يعلن ترمب أو الجيش الأميركي عن تاريخ الفيديو، إلا أن مصادر مطلعة رجحت أن يكون الهجوم حدث خلال زيارة قادة حوثيين للمعسكر خلال أيام عيد الفطر، إذ دأبت الجماعة على دعم معنويات مقاتليها خلال الأعياد الدينية بإلزام قيادييها بتنفيذ زيارات لهم وتوزيع الهدايا والأموال عليهم.
ولم تنكر الجماعة الحوثية الواقعة، إلا أن عدداً من ناشطيها وقيادييها ادعوا أن من ظهروا في الفيديو كانوا مدنيين في وقفة قبلية، ولم يكونوا مقاتلين.
إلا أن اللافت أن الجماعة لم تتحدث في أي وقت عن استهداف عشرات المدنيين في تجمع قبلي واحد، وهي التي تعلن باستمرار عن سقوط المدنيين في غالبية الهجمات، ما يشير إلى أنها حاولت التستر على مقتل مجموعة كبيرة من قيادييها، ولم تتوقع أن يتم نشر تصويراً لعملية استهدافهم.
وتوقعت المصادر أن يكون غالبية الذين ظهروا في الفيديو من القادة الحوثيين المنتمين إلى المحافظات الشمالية بسبب الملابس التي يرتدونها.
70 قيادياً حوثياً بين قتلى الغارات الأمريكية
شنَّ الطيران الأمريكي، مساء الأحد، غارات عنيفة على العاصمة صنعاء، وجزيرة كمران ومحافظة الحديدة، أدت إلى مقتل العشرات، بينهم 70 من القيادات في مليشيا الحوثي.
وذكرت قناة "المسيرة" أن الغارات أدت إلى سقوط 4 قتلى، بينهم امرأتان، و23 جريحاً، 11 منهم نساء وأطفال، بمديرية شعوب بصنعاء.
وأضافت أن جزيرة كمران الواقعة في البحر الأحمر استهدفت بتسع غارات أمريكية.
وأشارت إلى أن الطيران الأمريكي شنّ أيضاً غارات أخرى على شارع الخمسين في مدينة الحديدة غربي البلاد، بالإضافة إلى ثلاث غارات طالت منطقة الجبل الأسود في مديرية بني مطر بمحافظة صنعاء.
من جهتها نقلت قناة "العربية" عن مصادر - لم تسمها - أن إحدى الغارات الأمريكية استهدفت منزل قيادي حوثي بمديرية شعوب، وتسببت بمقتل وجرح 25 شخصاً.
وأوضحت المصادر أن الطيران الأمريكي نفذ غارة جوية مركزة على تجمع لقيادات حوثية بمحور التحيتا بمنطقة "السقف" جنوب الجبلية، مشيرين إلى أن الاجتماع الذي استهدفه الطيران الأمريكي كان يحضره قادة ميدانيون كبار.
وأضافت أن "نحو 70 عنصراً من الحوثيين وقيادات ميدانية حساسة قتلوا في الاستهداف الأمريكي".
ولفتت المصادر إلى أن دقة الضربة الأمريكية تشير إلى اختراق عميق في الدوائر الحوثية، مشيرة إلى أن نوعية الشخصيات المستهدفة بالغارة الأمريكية تكشف أن الهدف شل محور التحيتا بالكامل.
وقالت المصادر إن الغارة الأمريكية أدت إلى انهيار قيادة محور التحيتا مؤقتاً، كذلك أدت إلى إرباك بالاتصالات والتمويل بسبب مقتل مسؤول المعلومات والمالية.
وأوضحت أن الغارة الأمريكية على التحيتا قد تؤدي لتغييرات بأنماط الحركة والتواصل في صفوف الحوثي، كاشفة عن أبرز قتلى الغارة الأمريكية وهم:
- نجيب كشري (أبو لقمان) وهو قائد محور التحيتا، ويعد من الشخصيات الأمنية شديدة الصلة بمكتب زعيم جماعة الحوثي.
- عبد الله سهيل، مساعد قائد المنطقة العسكرية الخامسة، وعنصر رئيسي في عمليات الحوثيين بالساحل.
- فايز الكشري، مسؤول صيانة المحور الجنوبي، وهو شقيق نجيب كشري.
- حسن المتوكل، مسؤول الملف المالي.
- رؤوف شرف الدين، وهو عنصر حوثي مهم في العمليات البرية.
- عقيل الشهاري (صفوان)، مسؤول المعلومات والاستخبارات في المحور الجنوبي.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نشر، مساء الجمعة، على حسابه في منصة إكس، مقطع فيديو يظهر إحدى الغارات التي تشنها المقاتلات الأمريكية واستهدفت مقاتلين في صفوف جماعة الحوثي خلال الأيام الماضية.
وأرفق ترامب تعليقاً على الفيديو بالقول: "هؤلاء الحوثيون تجمّعوا للحصول على تعليمات بشأن هجوم. عفواً، لن تكون هناك هجمات من جانب هؤلاء الحوثيين. لن يُغرِقوا سفننا مرة أخرى".
وفي 15 مارس الماضي بدأت إدارة ترامب شنّ غارات جوية تستهدف المحافظات الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثيين؛ وذلك عقب أربعة أيام من إعلان المليشيا استئناف عملياتها العسكرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.