
«هدنة غزة»: حرب «استنزاف» و«إخلاءات» تهددان سبل إحياء المفاوضات
الرأي الثالث - وكالات
مع تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار، تتزايد الضغوط الإسرائيلية عبر استمرار سياسة إخلاءات المناطق وتفريغها من سكانها، مقابل حرب «استنزاف» تقول «حماس» إنها مستمرة فيها، وتطالب بإبرام صفقة شاملة ترفضها حكومة بنيامين نتنياهو.
ذلك المشهد، بحسب خبراء ، يحمل تهديدات لفرص إحياء المفاوضات المتعثرة منذ نحو 3 أشهر، مؤكدين أن التصعيد سيكون مسار الأيام المقبلة، لحين وجود ضغوط أكبر على إسرائيل لدفعها لمسار تفاوضي جديد.
وانهارت الهدنة الثانية في 18 مارس (آذار) الماضي بعد شهرَيْن من انطلاقها، ولم تحقق مفاوضات مباشرة بين «حماس» وواشنطن في الدوحة مؤخراً أي اختراق.
وأضيف إلى هذا المشهد التفاوضي المتعثر، استخدام واشنطن حق النقض (الفيتو)، الأربعاء، ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يطالب «بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار» في غزة، بعد تصويت 14 دولة في المجلس لصالح مشروع القرار.
وأفادت «حماس»، في بيان مساء الأحد، بأن «المقاومة تُدير حربَ استنزافٍ ردّاً على الإبادة ضدّ المدنيين، وتُفاجئ العدوّ يومياً بتكتيكاتٍ ميدانية متجددة»،
مؤكدة أن «تصعيد الاحتلالِ عمليته العسكرية يُفاقم خسائره، ويدفع أسرَاه نحو المجهول، ولا حلَّ إلا عبر صفقة شاملة».
وكان الجيش الإسرائيلي، أعلن في بيان الجمعة، مقتل أربعة جنود وإصابة آخرين خلال اشتباك في قطاع غزة، وذلك بعد مقتل وإصابة أعداد أخرى قبل يومين، واعتبر نتنياهو، عبر منصة «إكس» مقتل الأربعة، بمثابة «يوم صعب جداً في إسرائيل».
ويعتقد المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، بمركز «الأهرام للدراسات السياسية»، الدكتور سعيد عكاشة، أن الحديث عن «حرب استنزاف» متوقع من «حماس» في ظل تعثر المفاوضات ومحدودية أوراقها،
متوقعاً أنها «لن تستمر طويلاً»، خاصة ونتائجها الأيام الماضية «ليست مؤثرة ولن تجعل إسرائيل تحول مسارها أو الذهاب للتفاوض».
بالمقابل، يرى المحلل السياسي الفلسطيني نزار نزال، أن «تمسك المقاومة بالصفقة الشاملة يعني استراتيجياً التأكيد على وقف الحرب، وتكتيكياً أن الباب مفتوح للتفاوض، وإمكانية إبرام هذه الصفقة»،
مؤكداً «قدرة (حماس) وفصائل المقاومة في استنزاف طويل الأمد يحمل ضغطاً على الشارع الإسرائيلي، غير المستعد لموجة من التوابيت لجنوده، في ظل قتلى وإصابات متواصلة في صفوف جيش الاحتلال».
ويتوقع نزال أن «تواصل (حماس) حرب استنزاف وستكون مؤثرة، خاصة أنها تفهم أن إسرائيل لا تريد وقف الحرب، وأن نتنياهو يريد المضي في استراتيجية الهدن المؤقتة التي لا تمنعه من الحرب وتجرد المقاومة من نقاط قوتها».
بالمقابل، وسّعت إسرائيل عمليات الإخلاء من رفح إلى مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وتقدّمت قواتها في مناطق بوسط المدينة،
وطلب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، عبر حسابه بمنصة «إكس»، الاثنين، من سكان شمال ووسط قطاع غزة، التوجه إلى المناطق الآمنة في مدينة غزة.
وفي السياق ذاته، تطرح أيضاً أفكاراً لتضييق الخناق على «حماس»، حيث دعا الصحافي الإسرائيلي إيهود يعاري في مقال له في القناة «12» إلى استغلال الانقسامات الداخلية في الحركة الفلسطينية، والتفاوض مباشرة مع المقاتلين على الأرض، واستغلال «الفجوة الكبيرة» مع قيادات الحركة بالخارج.
إلى ذلك، أسفر قصف إسرائيلي، الاثنين، على عدة مناطق بالقطاع إلى مقتل 32 فلسطينياً، حسبما أفادت وسائل إعلام فلسطينية.
وسياسة الإخلاءات التي تنتهجها إسرائيل، بحسب عكاشة، هي استكمال لمسار التصعيد، وتشي بأنه لا فرص لإحياء المفاوضات، خاصة وأن كلا الطرفين غير راغب في التنازل، مشيراً إلى أن الحركة في حالة ضعف بالتأكيد،
وهناك خوف من أن انقسامها يحولها لتنظيم انتحاري أكثر من تنظيم قادر على الحل؛ وفي كل الأمور التفاوض مع قيادات الداخل معقد للغاية.
ويرى نزال أن التصعيد الإسرائيلي الذي يواصل القصف وتوسيع الإخلاءات ستكون تكلفته مرتفعة على نتنياهو سياسياً مما سيفاقم فرص إحياء المفاوضات، مؤكداً أن الرهان على انقسام «حماس» خطير على إسرائيل؛ لأنها ستجد ألف «حماس»، وليس «حماس» واحدة، وبالتالي تعقيدات أكبر.
ولا تزال الأوضاع الداخلية في إسرائيل تسير على غير ما يرغب نتنياهو، حيث يعتزم حزب «شاس» الحريدي في إسرائيل، التصويت، الأربعاء، لصالح حل الكنيست، بسبب ما وصفه بالخيبة من نتنياهو، رغم كون الحزب شريكاً في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، وفق ما ذكره إعلام إسرائيلي الاثنين.
ودخل الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو في أزمة الأسبوع الماضي، عندما بدأت الأحزاب الحريدية (نسبة إلى الحريديم المتشددين دينياً في إسرائيل) يهودوت هتوراة وشاس، بإصدار تهديدات بالانسحاب من الائتلاف وحل الكنيست إذا لم تمرر الحكومة مشروع قانون يعفي «الحريديم» من الخدمة العسكرية.
وكذلك خارجياً تتواصل الانتقادات ضد إسرائيل، واستدعت وزارة الخارجية الإسبانية القائم بالأعمال الإسرائيلي في مدريد، دان بوراز، احتجاجاً على اعتراض السفينة «مادلين» التابعة لـ«تحالف أسطول الحرية»، بينما كانت في طريقها إلى غزة ليلاً، بحسب ما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.
وأوقفت القوات الإسرائيلية سفينة المساعدات التي كانت تحمل على متنها 12 ناشطاً من بينهم ناشطة المناخ السويدية غريتا تونبرغ، وحولت مسارها إلى إسرائيل، وذلك في إطار الحصار طويل الأمد الذي تفرضه على القطاع الفلسطيني.
ويعتقد عكاشة أن أي حل للكنيست قد يحدث لن يكون في صالح «حماس»، خاصة أنه سيقود لانتخابات مبكرة، وحكومة انتقالية برئاسته لمدة 3 أشهر، ما سيزيد من تصعيده للحفاظ على مكاسبه السياسية وتهديد أي مسار لإحياء المفاوضات.
ولا يعتقد نزال أن إسرائيل تتجه لحل الكنيست وانتخابات مبكرة، مؤكداً أن هذه ضغوط من الأحزاب الدينية من أجل مكاسب أكبر، ولا تأثير لها على عودة المفاوضات، مشيراً إلى أن الضغوط الدولية ستتزايد على إسرائيل، لا سيما بعد منع سفينة المساعدات الإنسانية.