
لجان البرلمان اليمني... محاولة افتعال دور وسط الأزمات
يُعد مجلس النواب المؤسسة الوحيدة المنتخبة في البلاد رغم مرور 22 عاماً على آخر انتخابات نيابية.
وعلى الرغم مما يمتاز به من سلطة بصفته السلطة التشريعية في البلاد، لا يمارس البرلمان اليمني مهماته نتيجة الغياب والتغييب الممارس عليه، إذ لم يعقد سوى جلستين فقط خلال أكثر من عشر سنوات.
والبرلمان الذي يعيش معظم أعضائه خارج البلاد، يعطل نشاطاته تحت مبررات يراها الكثيرون غير منطقية، من بينها منعه من الانعقاد في العاصمة المؤقتة عدن، من المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسيطر على عدن وعدد من المحافظات الجنوبية.
عقب إعلان الحوثيين عام 2015، حلّ البرلمان (انقسام البرلمان)، عُقدت الجلسة الأولى للبرلمان التابع للحكومة المعترف بها دولياً، في سيئون بمحافظة حضرموت في إبريل/ نيسان 2019، حين انتُخبت هيئة رئاسة جديدة للبرلمان، واختير رئيس الكتلة البرلمانية لحزب "المؤتمر الشعبي العام"، الشيخ سلطان البركاني رئيساً له.
أما الجلسة الثانية فكانت في إبريل 2022، بإعداد ودعم من دول التحالف العربي ، والتي خُصصت لمنح الثقة لـ"مجلس القيادة الرئاسي" المكوّن من ثمانية أعضاء بقيادة رشاد العليمي، خلفاً للرئيس السابق عبدربه منصور هادي.
تزايدت الخلافات أخيراً، داخل مجلس القيادة الرئاسي، بالتزامن مع تسريبات عن توجه لإعادة تشكيل المجلس من جديد، ما دفع البركاني، قبل نحو أسبوع، لتفعيل بعض الأنشطة المرتبطة بالبرلمان من خلال إصدار قرار بتشكيل لجان برلمانية.
قرار اعتبره متابعون مخالفاً، كونه صادراً عن رئيس مجلس النواب وليس عن المجلس نفسه.
وجاء قرار تشكيل اللجان البرلمانية بعد اجتماع هيئة رئاسة المجلس، مطلع الشهر الحالي، في العاصمة المؤقتة عدن.
وقالت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ"، إن الاجتماع خُصص لمناقشة الترتيبات اللازمة لعودة انعقاد جلسات المجلس، بعد تعذر محاولات عقدها لسنوات في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة، أو في غيرها من المحافظات المحررة.
وأشارت الوكالة، إلى أن رئاسة مجلس النواب ناقشت خطة عمل المجلس للفترة المقبلة وأقرت "تشكيل لجان خاصة للنزول الميداني إلى محافظات (عدن وتعز ولحج والضالع وحضرموت والمهرة وسقطرى وشبوة ومأرب وأبين)، بهدف فحص نشاط السلطة المحلية والتصرفات المالية والإدارية والموارد العامة المركزية والمحلية، وأعمال المؤسسات الإدارية".
تحريك المياه الراكدة
في هذا الصدد يقول عضو مجلس النواب، محمد ثابت العسلي، إن تشكيل اللجان البرلمانية من مهمات مجلس النواب، وفق مهمته التشريعية والرقابية.
ويوضح بالتالي أن "على مجلس النواب تنفيذ الموازنات المرصودة للجهات المختلفة، والميزانية العامة ومخاطبة الحكومة التي بدورها تخاطب الجهات المختصة التي ستنزل إليها اللجان، وذلك على أساس توفير البيانات للجان الرقابية، وتفعيل دور هذه اللجان في مثل هذا الوضع الذي لم ينعقد فيه المجلس، لظروف قاهرة".
وبرأيه، فإن "نزول لجان برلمانية إلى المحافظات أفضل من أن يظل المجلس صامتاً، على الأقل من باب تحريك المياه الراكدة، بحيث يشعر الشعب بأن هذه المؤسسة لا تزال موجودة وفاعلة".
ويضيف العسلي أنه "كان هناك اجتماع لهيئة رئاسة البرلمان اليمني مع رئيس مجلس القيادة على أساس تذليل الصعاب لانعقاد البرلمان"،
مشيراً إلى أنه "منذ عهد الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، والرئاسة بالدرجة الأولى والتحالف العربي بالدرجة الثانية هما اللذان يعرقلان انعقاد البرلمان،
لكن الآن أصبحت الجهة الرئيسية في تعطيل انعقاده هي المجلس الانتقالي (الجنوبي)".
ويوضح أن "المحافظات المحررة التي يفترض أن ينعقد البرلمان فيها، تحت سيطرة المجلس الانتقالي الذي يتشارك طبعاً مع الحكومة المسؤولية بدرجة رئيسية في عدم انعقاد البرلمان".
فوفق العسلي، من "واجب الحكومة توفير وتهيئة الأجواء المناسبة لانعقاد البرلمان وتحديد مكان انعقاده"،
مضيفاً أن "الحكومات المتعاقبة التي توالت على البلاد منذ الانقلاب الحوثي (2014) ساهمت بشكل كبير في عدم انعقاده".
ويشدد العسلي على أنه وفق الموقف الدستوري فإن "تعطيل البرلمان اليمني جريمة كبرى"، مستدركاً أنه "في الوقت الحاضر نحن سلمنا رقابنا للآخرين، لا يستطيع البرلمان أن يتصرف بمفرده كإحدى مؤسسات الدولة الرئيسية إلا بتوافق على الأقل من مجلس القيادة الرئاسي".
ويضيف أنه "حتى لو كان رئيس المجلس الرئاسي يريد انعقاد البرلمان، فإن معظم أعضاء المجلس غير راضين عن انعقاده".
تعطيل البرلمان اليمني
أما من الناحية القانونية، فيرى أستاذ القانون بجامعة صنعاء، عبد الرشيد عبد الحافظ، أنه "لا يحق لرئيس مجلس النواب أو هيئة رئاسة المجلس تشكيل اللجان، فذلك حق للمجلس وحده".
وبالتالي يقول إن "هذه اللجان التي شُكلت غير قانونية، ومن حق كل الجهات ألا تعترف بها وألا تتعامل معها،
أضف لذلك أن البرلمان اليمني يتخذ قراراته في جلسات عامة في مقر البرلمان، بحسب الدستور ولائحته الداخلية، ولا قيمة مطلقاً لأي قرار يتخذ في غير هذه الجلسات".
ومن الناحية السياسية، يقول عبد الحافظ، إن البرلمان اليمني "غيّب نفسه بإرادته، وعطّل سلطاته، فيما تتحمل مسؤولية هذا الوضع هيئة رئاسة البرلمان وأعضاؤه جميعاً،
إذ من الواضح تماماً أن انعقاد البرلمان كان ممكناً سواء في العاصمة المؤقتة عدن أو في أي مكان آخر في الأراضي اليمنية".
وبرأيه، فإن هذا البرلمان "اختار عدم الوفاء بالقسم الذي أداه الأعضاء بأن يحترموا الدستور والقانون، ويرعوا مصالح الشعب، متقاعسين عن أداء واجبهم الوطني، مفضلين العيش الرغيد، مستمتعين بحياتهم خارج الوطن على حساب دماء ومعاناة هذا الشعب المسكين الذي يدّعون أنهم يمثلونه".
ويلفت عبد الحافظ إلى أن "حكومات سابقة شُكّلت وانتهت دون أن تقدم برنامجها لتحظى بناءً عليه بالثقة من مجلس النواب، ولم تقدم للمجلس الموازنات العامة والحسابات العامة الختامية لسنوات عديدة، فيما المجلس صامت لا يحرك ساكناً".
ويضيف أنه "مرّ حتى اليوم أكثر من شهر على تشكيل الوزارة الجديدة (أعلن مجلس القيادة الرئاسي، مطلع مايو/ أيار الماضي تعيين سالم صالح بن بريك رئيساً للوزراء)، ولم تقدم برنامجها لتحصل بموجبه على الثقة من البرلمان".
مع أن الدستور، وفق عبد الحافظ، يوجب على الحكومة أن "تقدم برنامجها خلال مدة أقصاها 25 يوماً من تاريخ تشكيلها لتحصل على الثقة"،
معتبراً أن "هذه الحكومات تمارس أعمالها بصورة غير دستورية، ودون الحصول على ثقة مجلس النواب، اعتماداً على حيلة سخيفة وغير صحيحة لا يصدقها عقل طفل، وفي ظل سكوت مفجع من مجلس النواب".
وباعتقاد عبد الحافظ، إن هناك "أخطاراً وجودية تهدد الوطن وسيادته ووحدة أراضيه، والمجلس الذي يفترض أنه يمثل الشعب غائب تماماً عن كل ذلك، وسط معاناة معيشية هائلة تئن تحت آلامها الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب ولم يعد بالإمكان تحملها، وصلت إلى الموت جوعاً، وانهيار تام للخدمات وغيرها".
ويشدد على أن "المجلس نائم في العسل، وتُفاجئنا هيئة رئاسة المجلس بهذه الحركات البهلوانية بتشكيل هذه اللجان التعيسة غير القانونية التي لن تقدم ولن تؤخر شيئاً-على فرض أنها أنجزت مهامها على أكمل وجه-
فمصير عملها معروف مسبقاً وهو نفس مصير نتائج أعمال لجان سابقة، لا شيء".
برلمان عمره 22 عاماً
ويعد البرلمان اليمني الأطول عمراً على مستوى العالم، إذ انتُخب أعضاؤه في آخر انتخابات نيابية شهدتها البلاد في إبريل 2003، ما يعني أن عمره حتى الآن 22 عاماً.
عُطل عقد انتخابات برلمانية بعد التمديد له في 2009، بفعل اتفاق فبراير/ شباط من ذلك العام، الموقع بين أحزاب البرلمان (المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك) والقاضي بتأجيل الانتخابات لمدة عامين، بهدف إقرار إصلاحات دستورية.
ومع الثورة الشبابية الشعبية عام 2011، مددت ولاية البرلمان اليمني على وقع المراحل الانتقالية، إذ مددت له المبادرة الخليجية عامين آخرين، على أن يُستبدل لاحقاً عبر انتخابات عقب صياغة دستور جديد للبلاد.
ليأتي انقلاب الحوثيين على الدولة في سبتمبر/ أيلول 2014 وما تلاه من حرب طاحنة، ليقضي على مجرد انعقاد جلسات البرلمان.
بفعل انقلاب الحوثيين، شهد البرلمان اليمني انقساماً في سياق انقسام النظام السياسي في البلاد، والذي تشظى إلى نظامين أحدهما نظام الانقلابيين في صنعاء، ونظام الحكومة المعترف بها دولياً في عدن.
بعد أكثر من 22 عاماً على انتخاب البرلمان اليمني المكوّن من 301 عضو،
فقد توفي أكثر من 62 عضواً، فيما يخضع حوالي 30 عضواً للإقامة الجبرية في صنعاء من سلطات الحوثيين.
أما الباقون فيتبعون للحكومة المعترف بها دولياً، ويعيش معظمهم خارج البلاد، ما يعني أن المجلس معطّل عن عمله بوصفه سلطة تشريعية ورقابية.
ويحظى مجلس النواب التابع للحكومة المعترف بها دولياً بشرعية يكتسبها من عدد أعضائه الذين يمثلون النصاب (يتطلب النصاب القانوني لانعقاد البرلمان اليمني أن يكون عدد النواب الحاضرين أكثر من نصف أعضائه)،
بالإضافة إلى الاعتراف الدولي الذي يحظى به باعتباره البرلمان الممثل للجمهورية اليمنية.
فخر العزب
صحافي يمني