
الحوثي وإسرائيل.. تصعيد أم رسائل سياسية و دعائية ؟
الرأي الثالث
قال مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، إن استهداف إسرائيل حكومة الحوثيين (غير معترف بها دوليا) بالعاصمة صنعاء في 31 أغسطس الماضي سيفتح مرحلة جديدة من الصراع.
وأضاف المجلس في تحليل أن الجانبين انخرطا في قتال متبادل على مدار ما يقرب من عامين، إلا أن تبادل إطلاق النار الأخير يشير إلى بدء تصعيد خطير على ما يبدو".
ويرى أن التصعيد الأخير يضع الطرفان على مسار صراع طويل الأمد، حيث يضرب الحوثيون كلما سنحت لهم الفرصة لإرسال رسائل سياسية ودعائية، وترد إسرائيل بقوة كلما سمحت الظروف والمعلومات الاستخباراتية بذلك.
وتابع "أصبح كلا الطرفين أسيرَ منطق التصعيد، حيث يجد كلٌّ منهما في أفعال الآخر دافعًا لمزيد من المواجهة. بين صاروخ حوثي يخترق سماء تل أبيب وغارة إسرائيلية تقصف صنعاء،
يبدو أن الحرب بين إسرائيل والحوثيين قد دخلت مرحلةً جديدةً يصعب التراجع عنها ما لم يتغير الوضع جذريًا".
وقال "تتداخل الحسابات الاستراتيجية مع الدوافع الأيديولوجية، ومن غير المرجح أن تهدأ نيران الحرب في المستقبل المنظور طالما بقيت جمرها مشتعلةً في كلٍّ من غزة واليمن".
وأكد أن إسرائيل تنتهك قواعد الاشتباك، ففي أواخر الشهر الماضي، شهد سكان صنعاء حدثًا جديدًا. فرغم أن تصاعد الدخان في سماء العاصمة اليمنية كان مألوفًا لمن عاشوا نصيبهم من الحرب،
إلا أن الفيلا التي انبعث منها كانت تستضيف اجتماعًا لوزراء حكومة الحوثيين (غير معترف بها دوليا). مما أسفر عن مقتل رئيس الوزراء الحوثي أحمد غالب الرهوي وعدد من الوزراء الآخرين.
وحسب المجلس فقد جاءت هذه الغارة الجوية غير المسبوقة ضد كبار المسؤولين السياسيين المدنيين تتويجًا لأيام من التصعيد المتبادل الذي بدأ في وقت سابق من الأسبوع،
عندما أطلقت جماعة الحوثي صاروخًا عنقوديًا باليستيًا جديدًا باتجاه إسرائيل، متجاوزًا نظام القبة الحديدية الدفاعي في البلاد وضرب أطراف تل أبيب.
من الصواريخ العنقودية إلى الهجوم على صنعاء
تضمن الهجوم الحوثي على إسرائيل في 22 أغسطس/آب أول استخدام موثق من قبل الجماعة لصاروخ باليستي مزود برأس حربي عنقودي.
جعل هذا الاعتراض مهمةً معقدةً حتى بالنسبة لشبكة الدفاع الإسرائيلية متعددة الطبقات. انطلقت صفارات الإنذار في عدة مناطق من البلاد عندما دخل الصاروخ مجالها الجوي، وأُغلق مطار بن غوريون الدولي لساعات. وفق التحليل.
وزاد "على الرغم من أن الصاروخ لم يُسبب أضرارًا جسيمة، إلا أن هذا الخرق النادر لمظلة الدفاع الإسرائيلية كان له أثرٌ رمزيٌّ ضارٌّ ودفع صناع القرار الإسرائيليين إلى الرد بقوة.
في 24 أغسطس/آب، هزّت انفجاراتٌ العاصمة اليمنية استهدفت مواقع حيوية، بما في ذلك المجمع الرئاسي ومحطة كهرباء ومنشأة نفطية اشتعلت فيها النيران. قُتل ما لا يقل عن 10 مدنيين وجُرح العشرات".
وأشار إلى أن الضربة الأكثر أهمية جاءت بعد أربعة أيام، عندما جمعت إسرائيل معلوماتٍ عن اجتماعٍ لحكومة الحوثيين.
وعلى الرغم من أن المخابرات الإسرائيلية لم تكن على درايةٍ جيدةٍ بالحوثيين قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلا أنهم عززوا قدراتهم في الأشهر الأخيرة.
خرق أمني أم استثمار في الهشاشة؟
يقول مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية إن نجاح الحوثيين الأخير في اختراق الدفاعات الإسرائيلية يثير تساؤلات جديدة حول التحولات في الديناميكيات العسكرية في المنطقة: هل كان مجرد هفوة مؤقتة، أم أنه يكشف عن هشاشة أعمق وأطول أمدًا؟
وأكد أن هذه ليست المرة الأولى التي تصل فيها نيران الحوثيين إلى قلب إسرائيل. فعلى مدار العامين الماضيين، أطلق الحوثيون عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه إسرائيل، والتي تم اعتراض معظمها أو سقط بعضها قبل أهدافه.
وتشمل الاستثناءات غارة بطائرة مسيّرة في يوليو/تموز 2024 أصابت مبنى بالقرب من السفارة الأمريكية في تل أبيب،
مما أسفر عن مقتل وإصابة مدنيين، وصاروخ باليستي في مايو/أيار 2025 سقط بالقرب من مطار بن غوريون، مما تسبب في أضرار وتعطيل الرحلات الجوية مؤقتًا.
وقال إن ما يميز الضربة الأخيرة هو استخدام رأس حربي عنقودي، وهو صاروخ ينفجر في الجو، مُطلقًا ذخائر صغيرة متعددة تُربك رادارات القبة الحديدية وصواريخ آرو، وتجعل اعتراضه شبه مستحيل.
ويُلامس هذا التطور التكنولوجي وفق التحليل نقطة ضعف حرجة في أنظمة الدفاع الإسرائيلية. من وجهة نظر الحوثيين،
يُمثل وصول الصاروخ إلى مشارف تل أبيب إنجازًا عسكريًا ودعائيًا، ورسالةً مفادها أن ذراعهم الطويلة قادرة على عبور المسافات وتجاوز التحصينات باستخدام التكنولوجيا المتقدمة.
في الخلفية، يشير التحليل إلى أن إيران تقف حاضنة هذه التكنولوجيا، مُشيرةً عبر حليفها إلى امتلاكها قدراتٍ غير مُعلنة يُمكن استخدامها في أي مواجهة مُستقبلية مع إسرائيل.
واستدرك "بالنسبة لإسرائيل، قد يُنظر إلى الحادث على أنه عطل فني عابر، نتيجة تهديدات مُتزامنة مُتعددة أو أعطال في النظام.
ومع ذلك، فإن تواتر وتنوع هجمات الحوثيين يُشير إلى مسار تصاعدي مُطرد في قدراتهم. كل ضربة ناجحة تمنحهم خبرة عملياتية ونفوذًا سياسيًا، مما يُجبر تل أبيب على إعادة النظر في استراتيجياتها الدفاعية".
واستطرد "هكذا تطور الصراع إلى معركة رمزية حول صورة إسرائيل كدولة قادرة على حماية جبهتها الداخلية. بالنسبة للحوثيين، يكفي سقوط شظايا على أطراف تل أبيب لإعلان الحدث نصرًا سياسيًا وأخلاقيًا بغض النظر عن حجم الأضرار المادية الفعلية".
من ناحية أخرى، فإن الضربة الإسرائيلية الأخيرة تترك مجالًا أضيق للتفسير. منذ بدء عملياتها ضد الحوثيين قبل نحو عام، اتبعت إسرائيل نمطًا ثابتًا نسبيًا: استهداف البنية التحتية والمرافق الحيوية، ومحاولة اغتيال قادة عسكريين بارزين في بعض الأحيان. كما جاء في التحليل.
ولفت إلى أن هذا النمط دفع الحوثيين إلى توقع أن تبقى الإجراءات الإسرائيلية ضمن حدود معينة. إلا أن هجوم 28 أغسطس/آب غيّر المعادلة. لم يقتصر الهجوم على المواقع العسكرية أو المدنية اللوجستية، بل صُمم لإسقاط الهيكل الإداري للحوثيين من أعلى هرمه.
وقال "بذلك، وجّهت إسرائيل رسالة مزدوجة. إلى الحوثيين، أشارت إلى خروج عن قواعد الاشتباك المفترضة. وإلى المنطقة الأوسع، أعلنت أنه لن يكون هناك أي تمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية، ولا خطوط حمراء في المعارك المستقبلية، ولا أفراد بعيدين عن متناول اليد.
وقد تأكد هذا التحول عمليًا بعد ذلك بوقت قصير مع غارة الدوحة، التي أكدت استعداد إسرائيل لتوسيع حملتها إلى ما يتجاوز الحدود التقليدية".
دوافع استمرار الصراع
وقال "كما كان متوقعًا، تحول التصعيد من كلا الجانبين إلى جولة أخرى من الصراع. بعد ساعات من تشييع جنازة رئيس وزرائه ورفاقه في صنعاء في الأول من سبتمبر/أيلول، أعلن الحوثيون استهداف ناقلة نفط في البحر الأحمر قرب ميناء ينبع السعودي، ردًا أوليًا على عملية الاغتيال.
ورغم أن السفينة كانت ترفع علم ليبيريا، إلا أنها كانت مملوكة لإسرائيل".
ردًا على ذلك، حسب التحليل توعدت إسرائيل بردٍّ أشدّ عنفًا، مؤكدةً أن أي هجوم حوثي سيُقابل بتصعيدٍ مضاعف. يعكس هذا الردّ المتبادل حلقةً مفرغةً من الانتقام: إذ تُثير ضربةٌ حوثيةٌ ردًّا إسرائيليًا أوسع، ثم يُصعّد الحوثيون من جديد.
وزاد "وهكذا، تحوّل الصراع من جبهةٍ داعمةٍ لغزة إلى حربٍ قائمةٍ بذاتها، يُغذّيها مزيجٌ من الانتقام والرمزية. وتجد قيادة الحوثيين نفسها الآن أمام حافزٍ ثانويٍّ للاستمرار: لم يعد مهاجمة إسرائيل مجرد مسألة إرضاء قاعدتها الشعبية، التي تُؤمن بإظهار الدعم لغزة، بل أيضًا بالانتقام المباشر لقادتها الذين سقطوا في صنعاء".
يضيف "من جانبها، تنظر إسرائيل إلى الحوثيين كوكيل لإيران في حرب إقليمية، مما يستدعي استراتيجية ردع مفتوحة قائمة على الرد على كل هجوم بعملية أشد ضراوة، على أمل كبح جماح الحوثيين للتصعيد".