الطفلة جنات... عار الحوثي الأكثر سطوعاً
فوق جراح الحرب المدمرة يكابد أطفال اليمن جراحاً أخرى أشد وحشية تنهش كرامتهم وتحيل أرواحهم الغضة إلى ركام ليس مثل ركام القصف، فركام الأرواح أبقى وقد لا تزيله السنين الطوال.
جنات، عنوان جديد دامٍ في دفتر الاغتصاب المرعب الذي بات يتهدد مزيداً من أقرانها الأطفال الإناث والذكور على السواء. وفقاً لمصادر حقوقية يمنية، تعرضت الطفلة ذات السنوات التسع للخطف والاغتصاب من شخص ينتمي إلى ميليشيات الحوثي منتصف يونيو (حزيران) الماضي في منطقة أرتل بمديرية سنحان في محافظة صنعاء.
عقب الكشف عن الجريمة وتداولها على نطاق واسع باتت قضية رأي عام، ورفض والد الطفلة سلسلة من الضغوط الحوثية التي تهدف إلى إجباره على التنازل مقابل صلح قبلي لتسوية القضية، خصوصاً أن الجاني يستند إلى دعم سلطات الحوثيين المطلقة لأنه شقيق مشرف (قيادي) في الجماعة المصنفة إرهابية.
والد الطفلة الذي أحال القضية إلى الأمن والقضاء، فوجئ ومعه أبناء قبيلته بالحكم الصادر عن المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة في العاصمة صنعاء برئاسة القاضي يحيى المنصور الذي ينتمي سلالياً إلى الجماعة الحوثية، "بسجن الجاني أحمد حسن نجاد لمدة 15 عاماً وتعويض مالي قدره ستة ملايين ريال (نحو 10 آلاف دولار) لأسرة الطفلة"، لكن والد جنات طالب بإعدام المغتصب كما جرى في أحكام سابقة وحالات مشابهة ومع قيادات حوثية أيضاً.
زواج الضحية والمغتصب
وفي حين يتمسك والد الطفلة بموقفه واستئنافه الحكم الابتدائي الذي صدر قبل أسبوعين، تسعى قيادات حوثية إلى إنهاء القضية عبر تسوية مع والد الطفلة، ضمن ضغوط قوبلت برفض الوالد محتجاً أمام المحكمة ومخاطباً القاضي بأن يعتبر الضحية ابنته، ليفاجأ باعتقاله من قبل الميليشيات وإيداعه السجن واختفائه حتى اللحظة.
الحكم الحوثي واعتقال والد جنات قوبلا باستياء شعبي واسع من قبل المواطنين الذين أطلقوا حملات إلكترونية تضامناً مع الضحية تحت وسم "جنات شرف كل اليمنيين".
وقبيل اعتقاله، ظهر الأب في مقطع فيديو متداول على منصات التواصل الاجتماعي ومعه عشرات المواطنين وأبناء قبيلته في تجمع احتجاجي أمام المحكمة الجزائية بصنعاء، يطالب بالإعدام للمغتصب وفقاً للقانون لأن الجميع متساوون أمامه، ويؤكد أن ما حكمت به المحكمة مخالف للقانون، متهماً القضاء بالفساد والتحيز للقيادي الحوثي.
وكشف عن أن قيادات ومشرفي الميليشيات الحوثية في منطقته وعلى مستوى القيادة المركزية للميليشيات يضغطون عليه بالترغيب والترهيب لتزويج طفلته من الجاني الحوثي، مناشداً كل اليمنيين الوقوف معه والانتصار لمظلومية طفلته البريئة.
وفي تأكيد على المسعى الحوثي، ظهر نشطاء وناشطات موالون للميليشيات الحوثية على مواقع التواصل يدعون أسرة الضحية إلى القبول بزواج المغتصب حفاظاً عليها وحماية لحقوقها، وهي الدعوات التي أثارت غضب الرأي العام الذي اعتبر هذه الدعوات نهجاً حوثياً يجري السعي إلى تكريسه في المجتمع.
تقول الناشطة الحقوقية سارة اليافعي إن حوادث اغتصاب الفتيات والأطفال في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون على يد عناصر تنتمي إليهم في معظمها زادت لمستويات مرعبة ومقلقة للمجتمع والمنظمات الحقوقية والإنسانية، وأوضحت أن رفع الأهالي هذه الحوادث إلى القضاء يدفع الحوثيين إلى الضغط والتلاعب بالأحكام، مستغلين سطوتهم المطلقة على أجهزة القضاء والأمن والنيابة، إضافة إلى ضعف نصوص القانون اليمني في ما يتعلق بمعاقبة المغتصب.
وفي حال الطفلة جنات، تؤكد أن "الجريمة مركبة ارتكب فيها المغتصب المتزوج أكثر من جريمة في حق الطفلة، وهي خطف وتهديد بالقتل وممارسات شاذة، كما قام بترصدها منذ فترة، ثم الاعتداء على والد الطفلة في قاعة المحكمة حتى يتنازل عن القضية أو يقبل بتزويج طفلته بمغتصبها، إضافة إلى اعتقاله بعدها وحبسه للضغط عليه".
من يبيح الاغتصاب؟
وتكشف اليافعي عن سلوكيات حوثية دخيلة تتمثل في فرض فكرة "العفو عن المغتصب إن لم يكُن متزوجاً، وقد تم إطلاق سراح أحد المغتصبين من قبل بهذه الحجة"، قائلة "نخشى أن يجري تكريس هذا الأمر كظاهرة، لهذا نطالب بأن تطبق عقوبات أقصى على المغتصبين كما تم تطبيقها في حالات مماثلة، ونطالب أيضاً بتعديل قانون العقوبات أسوة بباقي الدول ومنها دول عربية تنص أحكامها على إعدام من يغتصب قاصراً".
وعلاوة على ما خلفته الحرب الدائرة منذ 10 أعوام، تزايدت خلال الآونة الأخيرة جرائم القتل والاغتصاب على نحو ملحوظ، وبين حين وآخر تتداول منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الكشف عن جرائم مروعة من هذا النوع غير المسبوق في مجتمع عرف بسلوكه المحافظ وتلاحمه الاجتماعي وتجريمه الشديد لتلك الممارسات.
ويعتقد مراقبون بأنه منذ الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران عام 2014 واشتعال الحرب، شهد اليمن على الصعيد الاجتماعي تزايداً ملحوظاً في مؤشرات اغتصاب الأطفال وحالات العنف الأسري.
وتقول منظمة إنقاذ الطفولة الدولية إن "الصراع المستمر في اليمن أفقد الأطفال كل شيء" وتتفاقم كذلك الأوضاع الإنسانية، خصوصاً مع التصعيد الحوثي في البحر الأحمر.
طفل رداع
مع تزايد حالات الاغتصاب نتيجة غياب العدالة، انتاب كثير من السكان الخوف والقلق على أطفالهم، وأرجعوا السبب إلى انهيار الدولة نتيجة الانقلاب الحوثي الذي تسبب بتفشي ظواهر لم يعهدها المجتمع اليمني من قبل.
ولعل أشهر الأمثلة ما جرى في مدينة رداع بمحافظة البيضاء (وسط اليمن) في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي من مواجهات مسلحة بين رجال قبائل قيفة وميليشيات الحوثي على خلفية قيام مشرف تابع للحوثيين باغتصاب طفل حضر إلى السجن المركزي لتقديم الطعام لشقيقه المسجون لدى الميليشيات.
لكن قبيلة الطفل هبت على الفور واقتحمت السجن لتحدث على إثرها مواجهات عنيفة، أدت إلى قتل عدد من حراس السجن، وأمام انتفاضة القبائل أرسلت الجماعة تعزيزات ضخمة من العتاد والمسلحين والدبابات وقصفت قرى قيفة، لكنها تراجعت عن تنفيذ حكم الإعدام بحق الجاني، ثم نفذت العقوبة عقب اشتعال المواجهات مجدداً مع القبائل ذاتها.
وأثارت الجريمة وقتها حالاً من السخط والغضب على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وفتح اليمنيون من خلالها ملف الاغتصاب المروع والمتزايد على يد العناصر الحوثية.
وكان تقرير فريق الخبراء الدوليين التابعين للأمم المتحدة أكد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 أن ميليشيات الحوثي تواصل احتجاز أطفال في صنعاء لا تتجاوز أعمارهم الـ13 سنة ويتقاسمون الزنازين نفسها مع السجناء البالغين.
وقال الخبراء إنهم تلقوا تقارير مؤكدة بأن "الأطفال المحتجزين في مركز شرطة الأحمر بمنطقة الحصبة في أمانة العاصمة يتعرضون بانتظام للاغتصاب"، موضحين أن "احتجاز ميليشيات الحوثي للأطفال يأتي بعد تلفيق تهم لا أخلاقية لهم، فهم (الأطفال) متهمون بارتكاب قضايا غير لائقة بسبب ميولهم المثلية المزعومة".
الرواية الحوثية
عقب انتشار قضية جنات، أعلنت شرطة صنعاء التابعة للميليشيات الحوثية، "اعتقال مغتصب الطفلة جنات بتهمة التحرش بطفلة ومحاولة اغتصابها".
وأضافت في بيان أن السلطات بدأت بجمع الأدلة وأخذت أقوال الطفلة جنات ووالدها، وذكرت أنها "تواصلت مع النيابة لتكليف طبيبة شرعية فحص الطفلة والتأكد من صحة البلاغ المقدم من والدها".
ثم قالت إنها "أحالت المتهم إلى الإجراءات القانونية تمهيداً لإحالته إلى الجهات القضائية بعد استكمال ملف القضية".
واعتبرت الحكومة اليمنية من جانبها أن قضية الطفلة جنات السياغي نموذج صارخ للظلم والقهر اللذين تمارسهما ميليشيات الحوثي الإرهابية بحق اليمنيين في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها، وكيف تستخدم القضاء أداة لشرعنة الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها قياداتها وعناصرها.
وقالت الحكومة الشرعية على لسان وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني إن "ميليشيات الحوثي الإرهابية تدّعي كذباً وزوراً منذ انقلابها الغاشم أنها تدافع عن شرف اليمنيين، وتناصر المظلومين من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فيما ممارساتها لا تختلف عن ممارسات إسرائيل، وجرائم وانتهاكات مشرفيها تؤكد أنها مظلة للقتلة والمجرمين وشذاذ الآفاق".
وأشار الإرياني إلى أن قضية الطفلة جنات كشفت عن فساد الجهاز القضائي الخاضع لسيطرة ميليشيات الحوثي وأنه صار أداة لحماية مرتكبي الجرائم الجنائية، من قتل ونهب للمنازل والأراضي والممتلكات، وقضايا الاغتصاب التي تصاعدت أخيراً في ظل الانفلات الأمني وسياسات التجهيل والإفقار التي تتعمد الميليشيات فرضها في مناطق سيطرتها، مطالباً اليمنيين كافة في الداخل والخارج بالتضامن مع أسرة الطفلة وتحويل الأزمة إلى قضية "رأي عام".
إدانة حقوقية واسعة
وكانت للقطاع الحقوقي وقفته التي لم يعُد لها من حضور مؤثر في أرض الواقع سوى عبر البيانات المنشورة، نتيجة للقمع والسطوة الحوثية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
التحالف الحقوقي "رصد" دان اختطاف والد الطفلة جنات التي تعرضت للخطف والاغتصاب بعد رفضه العروض المالية والضغوط التي مارستها جماعة الحوثي للتنازل عن القضية.
وعبّر التحالف في بيان له عن استنكاره لهذا الاعتقال الجائر، قائلاً إن "هذا التصرف يأتي كصورة مرعبة لتجاوزات القانون وغياب الحماية لمن يسعون إلى تحقيق العدالة في اليمن"،
وأكد أن اعتقال والد الطفلة جنات تطور مؤسف وصادم بعد تحوله إلى سجين في صنعاء فقط لأنه رفض العروض المالية وضغوط جماعة الحوثي للتنازل عن حق ابنته.
وتفاعل قطاع من الكتاب والناشطين مع القضية، وأخذت مساحات كثيرة من صفحاتهم التي تنشر وتشارك كل ما يتعلق بمستجدات الجريمة وحيثياتها،
وقال الكاتب الصحافي فتحي بن لزرق "خلال تسع سنوات من الحرب في اليمن وقفت أمام كثير من المظالم التي دمرت أناساً كثراً وقضت على مستقبل أشخاص، لكن هذه المظلمة هي الأشد والأكثر إيلاماً".
وأضاف أن "هذه الطفلة البريئة النقية اسمها جنات في صنعاء، شاءت الأقدار أن تقع بين يدي ذئب بشري لم يأبه لحالها الفقيرة ولا حال أسرتها ولا لوضع البلاد ولا لجراحنا الكثيرة كرمل الطريق، وأبى إلا أن يضيف جرحاً غائراً باغتصابه لهذه الفتاة".
ولفت إلى أن "والد هذه الطفلة ذهب الى القضاء، الضائع التائه المسيّس الخاضع للأجندات والطوائف، وبدلاً من إدانة المغتصب ذهب القضاء إلى إصدار حكم باهت لا روح له ولا طعم ولا رائحة، ولم يكتفِ القاضي بذلك بل ذهب إلى سجن والد الفتاة المطالب بحق ابنته وشرفها وعزتها التي هي عزتنا جميعاً".
وتابع "وأنتم تقرأون هذه المقالة طالعوا صور فتياتكم الصغار في المنازل، وتذكروا جنات ووالدها، وتضامنوا بالكلمة في الوطن الذي لم تبقَ منه إلا كلمته".
توفيق الشنواح
صحافي ومراسل يمني عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية