
ترمب يخنق الحوثيين مجددا بـ"لائحة الإرهاب"
بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عهده الثاني بإجراءات تضييق خناق إضافية على ميليشيات الحوثي تمثلت بتصنيف الجماعة المدعومة من إيران "منظمة إرهابية أجنبية"، عقب أعوام من التحفظ المتبوع بالمحاولات الدبلوماسية الرامية للتوصل معها إلى صيغة تفاهمات سلمية، تضمن العيش المشترك مع اليمنيين.
وحمل القرار السريع لترمب خلال الأيام الأولى لولايته الثانية عدداً من الدلالات والاحتمالات التي تؤكد أن الذراع الإيرانية في اليمن ليست بعيدة من حسابات المجتمع الدولي، في إطار التعامل مع الأذرع الإيرانية بالمنطقة التي باتت تتهاوى في معاقلها التاريخية واحدة تلو الأخرى.
وأمس الأربعاء وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً يعيد تصنيف المتمردين الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية" وفق ما أعلن البيت الأبيض، وذلك على خلفية الهجمات الكثيرة التي نفذوها على عدة أطراف في المنطقة.
وبدوره، عدَّ المكتب السياسي لـ"أنصار الله" الحوثيين هذا "التصنيف بأنه تضليل أميركي ومحاولة فاشلة لتشويه سمعتنا وسمعة الشعب اليمني"، مبدياً عدم اكتراثه به لأن "لا قيمة عملية للتصنيف وواشنطن هي من تقف وراء معاناة اليمن".
وكان الرئيس ترمب صنف الحوثيين خلال ولايته الأولى (2017-2021) منظمة إرهابية أجنبية لكن خلفه الرئيس السابق جو بايدن فور توليه منصبه عام 2021 ألغى هذا التصنيف، استجابة لمخاوف منظمات إغاثية من اضطرارها لمغادرة اليمن باعتبار أنها ملزمة بالتعامل مع الحوثيين الذين يسيطرون على مناطق واسعة من البلاد، بينها العاصمة صنعاء.
مع اندلاع الحرب داخل قطاع غزة خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بدأ الحوثيون شن هجمات استهدفت السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، وأعلنوا أن المصالح الأميركية والبريطانية تشكل "أهدافاً مشروعة" لهم، مما دفع دولاً عدة من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل لشن سلسلة ضربات مفترضة للميليشيات المنقلبة، قلل قطاع واسع من اليمنيين من جدواها كونها لا تصل إلى عمق الحركة الطائفية ولا تستهدف قادتها وتحركات عناصرها.
بين قرارين
وعقب تصعيدها في المياه الدولية داخل البحر الأحمر التي تسيطر على مئات الكيلومترات لشريطها الساحلي، أعادت إدارة بايدن العام الماضي إدراج الحوثيين في قائمة "الإرهابيين العالميين المصنفين خصوصاً"، وهو تصنيف أقل درجة وحزماً كونه يتيح لها التحرك ويسمح بدخول المساعدات والتعامل مع الوفود الأممية والدولية في المناطق التي يسيطرون عليها، باعتبارهم سلطة أمر واقع.
بينما التصنيف في لائحة "المنظمات الإرهابية الأجنبية" يعد الأعلى ويفرض تقييدات على الجماعة وأنشطتها ويعزلها دولياً.
من جانبه، يرى الباحث السياسي فارس البيل أن هذا الإجراء مؤشر إلى أن ترمب وإدارته الجديدة ملتزمون بمواجهة إيران وماضون في قطع أذرعها بصورة واضحة وعلى نحو يبدو متسارعاً، على رغم حال السلام التي أطلقها في خطاب التنصيب.
وبالعودة إلى حديث ترمب خلال تنصيبه عن إصراره على إنهاء الحروب وصناعة السلام، قال البيل إن "القضاء على الأذرع الإيرانية تمهيد حقيقي لصنع السلام الذي جاء قرار أمس ليعزز فرضيته المتوقعة أصلاً منذ ما قبل تنصيبه، كون ترمب صاحب موقف حازم من إيران وأدواتها".
الأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب فنَّد حيثياته بالقول إن الحوثيين "شنوا هجمات كثيرة على بنى تحتية مدنية بينها هجمات عدة على مطارات مدنية في السعودية"، إضافة إلى إطلاقهم "أكثر من 300 مقذوف على إسرائيل منذ أكتوبر 2023".
فتح الاحتمالات
وأضاف البيل أن "اللافت في هذا القرار لغته المتشددة التي لم تأخذ الاعتبار للحجج التي جرى سوقها في السابق ومثلت عائقاً لصدوره، التي منها المحاذير الإنسانية وعمل المنظمات الإنسانية، وهو ما ظلت الأمم المتحدة تتعلل به وتدافع عنه وأجرت ماراثوناً دبلوماسياً طويلاً لمنع صدوره".
وأوضح أن "هذا القرار بلغته المتشددة ينفتح على كثير من الدلالات والتأويلات منها إمكانية ذهاب هذا التصنيف إلى مدى بعيد كمعاقبة من يتعامل مع الميليشيات وحتى استخدام العمل العسكري واستهداف قيادات الجماعة، لأنه يدرج الميليشيات الحوثية مع ’داعش‘ و’القاعدة‘ ولهذا فتح القرار مثل هذه الاحتمالات وبقوة".
غلق قنوات الدبلوماسية
مع حديث المجتمع الدولي والأمم المتحدة عن العودة إلى تنفيذ خريطة الطريق المقترحة للسلام في اليمن، يتوقع أن القرار دفن خريطة الطريق أو في الأقل أزاحها عن المشهد وأزاح كل جهود الوساطة والمفاوضات، وأغلق كل أبواب وقنوات التواصل مع الميليشيات الحوثية كونها منظمة إرهابية".
وهذا يعني "حصار ميليشيات الحوثي وعزلها تماماً من الناحيتين السياسية والاقتصادية والإجراءات التي ستتم ومعاقبة كل من له صلة مادية أو اقتصادية بالميليشيات".
أما عسكرياً "فسيفتح المجال لخيارات القوة لضرب الجماعة والقضاء عليها، وهذا يعني أن كثيراً من الدول ربما تذهب هذا المذهب بما فيها الأمم المتحدة، وهذا ما تحمله مؤشرات التصنيف الذي جاء خلال الأيام الأولى لولاية ترمب الثانية".
قوة في الأفق
وأشار البيل إلى أن هذه المعطيات "دليل واضح على وجود تفاهمات من المجتمع الدولي للتعاطي مع الميليشيات الحوثية بلغة مختلفة، وهي لغة القوة بعد أعوام طويلة من محاولات استيعابها في إطار سياسي وإزاحة كل الأعذار السابقة التي كانت تتعلل بها كل الأطراف، ومنها الحديث عن السلام الذي لم يعد مقنعاً بعد هذا القرار الذي سينقل اليمن إلى سيناريوهات مختلفة".
وعن هذه السيناريوهات، يرى "اقتراب الخيار العسكري الجاد والسريع وإشراك الحكومة الشرعية بتنسيق عال أو في الأقل تشديد الخناق والحصار على الميليشيات مقابل تنازلات كبيرة، ممكن أن تفتح الآفاق نحو استعادة المناطق التي تحت يدها بالقوة تالياً".
طال انتظاره
ومن ناحية أخرى، رحبت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً اليوم الخميس بالقرار.
وقال رئيس المجلس الرئاسي اليمني رشاد العليمي مُعلقاً على قرار تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية أجنبية، إن اليمنيين "انتظروا القرار طويلاً".
وأشار إلى أن اليمنيين رحبوا بالقرار "خصوصاً أولئك الذين فارقوا الحياة أو عُذبوا أو اعتُقلوا ظلماً أو فُجرت منازلهم وشُردوا في أصقاع الأرض، الإنصاف ومعاقبة الإجرام الحوثي بقرار التصنيف الإرهابي، كمدخل لإحلال السلام والاستقرار في اليمن والمنطقة".
دعم الشرعية
وأضاف العليمي عبر صفحته على منصة "إكس"، "نشكر الرئيس ترمب على هذا القرار التاريخي"، مؤكداً "إننا نرحب بتعهداته لإنهاء الحروب وردع التنظيمات الإرهابية، ونؤكد التزام الحكومة بالتعاون مع الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي لتنفيذ قرار التصنيف، وتقديم الضمانات اللازمة لتدفق المعونات الإنسانية من دون أية عوائق".
واختتم العليمي حديثه بتأكيد تعزيز هذا المسار نحو السلام المنشود، هناك حاجة ملحة إلى نهج جماعي عالمي لدعم الحكومة اليمنية، وعدم التسويف في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية خصوصاً القرار 2216، لأن التساهل مع أعداء السلام يعني استمرار الأعمال الإرهابية لهذه الميليشيات الأبشع في التاريخ".
توفيق الشنواح
صحافي يمني