الخديعة الكبرى: إماميون بأقنعة حزبية
لا شيء يبدو على حقيقته في اليمن.
الصور تتغير، لكن الجوهر يبقى كما هو: إمامي متجذر في الماضي، متخف تحت أقنعة الحداثة السياسية. تارة يظهر في عباءة "الإصلاح"، وتارة في ثوب "الاشتراكي"، وأحيانا يتوشح بوشاح "المؤتمر"، وأحيانا أخرى ينادي بمبادئ "الناصرية"، لكن في نهاية المطاف، الجوهر واحد: عقلية كهنوتية تستبطن الحكم بالحق الإلهي، وإن لبست ألف قناع.
على إن هذه الخديعة المضمخة بالاختراقات ليست وليدة اليوم، بل هي فن متوارث، مارسته الإمامة منذ القدم باختراقها لكل محاولات اليمنيين للتحرر.
فعندما قامت الجمهورية، لم يمت المشروع الإمامي، بل دخل في سبات مؤقت، كالأفعى التي تغير جلدها بانتظار اللحظة المناسبة للانقضاض.
ولقد تسلل إلى كل التيارات، واستطاع أن يفرخ آلاف "الجمهوريين" المتصالحين مع الكهنوت، ومئات "الحداثيين" الذين يسبحون بحمد خرافة البطنين سرا وعلانية.
في الإصلاح، نجد من يحلف بالديمقراطية علنا ويؤمن بالحاكم بأمر الله سرا. في الاشتراكي، نجد من يصرخ ضد الرجعية نهارا ثم يقبل يد الإمام ليلا.
في المؤتمر، من يتغنى بالدولة الحديثة صباحا ثم يهتف للمسيرة القرآنية مساء. وفي الناصري، من يترحم على عبد الناصر بينما ينحني تحت راية سلالة تدعي الحق الإلهي.
إنها اختراقات ممنهجة، لم تترك حزبا إلا وزرعت فيه بذور التواطؤ، عبر مصطلحات " الديمقراطية التوافقية" "التوافق الوطني" و"الشراكة" و"المظلومية"، وكلها مصطلحات مطاطية، وظيفتها إفراغ الجمهورية من مضمونها الحقيقي وإعطاء شرعية لحكم السلالة.
فأي "توافق" يكون مع من يرى نفسه أرفع من الناس بنسبه؟ وأي "شراكة" مع من يرى الحكم ميراثا محصورا في أهله؟ وأي "مظلومية" مع جماعة تسلحت بالدماء والخراب لاستعادة ملكها؟
صدقوني لقد أجاد الإماميون لعبة الأقنعة، لكنهم يخطئون في كل مرة، لأنهم في النهاية يعودون إلى حقيقتهم .
فلا يستطيعون مقاومة غطرستهم، ولا إخفاء ازدرائهم للشعب.بل سرعان ما يظهر منهم الواعظ المتعجرف، والسياسي الذي يرى الناس "قطيعا"، والإعلامي الذي يبرر كل جريمة بآية أو حديث، والمثقف الذي يحاضر في "سيدنا" ويستلهم منه الحكمة، ثم يحدثك عن "الحداثة"!
على إن اليمنيون ليسوا سُذّجًا، وإن بدوا كذلك احيانا.
ذلك انهم أسقطوا الإمامة مرة وسيسقطونها ألف مرة. بل يعرفون أن الصورة قد تكون إصلاحية أو اشتراكية أو مؤتمريّة أو ناصرية، لكنهم باتوا يميزون الأصل جيدا.
وحين يحين الوقت، لن تنفع الإماميين أقنعتهم، لأن الشمس لا يحجبها غربال، ولأن الشعب الذي انتزع حريته بدمه لن يخدع طويلاً من سياسيين مراوغين ومنافقين يستعملون التقية الشيعية التي نعرفها جيدا.