
ترامب وإيران: حرب أم حوار؟
مع رد إيران على كتاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخصوص مشروعها النووي، تجدد الحديث عن المآلات التي قد ينتهي إليها هذا الملف والتي تتراوح بين صفقة أو مواجهة أو دخول في بازار المساومة ولو أن الإدارة تستبعد هذا الخيار الأخير.
ومن المتوقع أن يقفز هذا الموضوع إلى الواجهة خلال الأسبوع القادم، بعد اطلاع الإدارة على رد طهران الذي يفترض أن تكون قد تسلمته أمس الجمعة.
سبق ذلك تصعيد في خطاب وخطوات البيت الأبيض ضد "إيران وأذرعها" في المنطقة.
شمل ذلك تكثيف الضربات الجوية ضد مواقع الحوثيين في اليمن ونقل قاذفات بي 2 الاستراتيجية إلى قاعدة دياغو غارسيا القريبة من إيران وعودة إسرائيل إلى استهداف "مواقع عسكرية" لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت.
رافق ذلك الإعلان عن عقوبات إضافية ضد طهران. وأمس الجمعة، أضافت وزارة الخارجية عقوبات جديدة ضد "خمسة عناصر وثلاثة كيانات ذوي علاقة بحزب الله، يساعدون إيران في بيع النفط عن طريق التهرب من نظام العقوبات".
تسارع هذه الخطوات مع إعطاء مهلة شهرين لإيران للرد على كتاب الرئيس بموقف واضح، بدا بمثابة مقدمات "أثارت مخاوف جديّة (في واشنطن) من اندلاع حرب مع إيران".
الخارجية الأميركية تقول إن الغرض كان "رفع منسوب الضغط إلى حدوده القصوى على طهران"، لحملها على القبول بصفقة نووي بشروط الإدارة، وإلاّ فإن "الخيار العسكري هو البديل" كما جاء في رسالة الرئيس ترامب إلى القيادة الإيرانية.
المتوقع أن تكشف الإدارة الأسبوع القادم عن موقفها من العرض الإيراني. سبق لها أن لمّحت لشروط بسقف عالٍ غير مسبوق.
مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي مايك والتز أشار مؤخرا إلى وجوب "تخلي" إيران عن برنامجها النووي بحجة أنها تعمل على تسريع تخصيب اليورانيوم بدرجة 60% القريبة من النسبة المطلوبة للأغراض العسكرية، 90%.
إشارته جرى تفسيرها بأنها تنطوي على مطلب تفكيك إيران برنامجها على غرار ما فعلت ليبيا في 2003.
وهناك جوّ مشجع لمثل هذا التوجه في صفوف المحافظين والمؤيدين للرئيس ترامب، مفاده أن إيران الآن في وضع "ضعيف جداً جداً"، على حد تعبير نائب رئيس الأركان سابقاً الجنرال المتقاعد جاك كين.
يشاركه في هذا التقدير دبلوماسيون ومسؤولون سابقون، من بينهم السفير جون بولتون، والذين أخذوا على الرئيس بايدن "ضعف موقفه" من إيران.
وقد تعزز هذا الاعتقاد مؤخراً بعد تطورات جنوب لبنان وانهيار النظام السوري، فضلاً عما تناقلته التقارير عن "تدمير إسرائيل الدفاعات الجوية الإيرانية" في هجماتها الأخيرة على عدة مواقع عسكرية داخل البلاد.
وتلقى هذه الأصوات، خاصة من أمثال الجنرال كين، آذاناً صاغية في إدارة ترامب التي تطمح للتوصل إلى حلّ "حاسم" للنووي الإيراني.
من البداية، تطلّع الرئيس ترامب إلى إنجاز دبلوماسي من العيار الثقيل، مثل وقف حرب أوكرانيا أو تحقيق التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
لكن مساعيه في الملفين بقيت بين التعثر والمراوحة، لأسباب أهمها أن مفتاح الانجازين بيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
الأول عقدة صعبة لا يتعامل بحسابات الصداقة و"المونة" كما زعم ترامب.
والثاني حليف لا تتعاطى معه واشنطن بلغة الفرض والحزم. بقي ملف النووي الايراني الذي يراهن الرئيس على تحقيق إنجازه الخارجي فيه.
لكنه برفع سقف شروطه مسبقاً وحصر خياراته في اثنين وضمن مهلة محددة، وضع إدارته أمام وجوب اتخاذ قرار حاسم لو رفضت طهران هذه الشروط، أو حتى لو جاءت موافقتها رمادية.
لكن هل يقوى على فتح مواجهة عسكرية من هذا النوع في اللحظة الراهنة المثقلة بمتاعبه المحلية؟ مشروعه لتقليص حجم الجهاز الإداري يواجه اعتراضات متزايدة بدأت تظهر انعكاساتها السياسية على وضع الجمهوريين.
كذلك الحال بالنسبة لموضوع رفع الرسوم الجمركية الذي وعد الرئيس بالبدء في تنفيذه يوم الأربعاء القادم على الواردات، والقلق الذي أثاره في الأسواق (خاصة أسواق الأسهم) وحركة الاستثمارات واحتمالات تزايد معدلات التضخم وغيرها من الاشكالات والهموم الاقتصادية والقانونية - القضائية والادارية والتربوية - التي تواجهها إدارته في ظل الجدل الدائر حول مشروعه لإعادة هيكلة الجهاز الوظيفي الفيدرالي.
ثم جاءت فضيحة "سيغنال غيت" التي كشفت خطة لضرب الحوثيين يوم 15 الجاري بصورة ما زال يلفها الغموض، لتزيد من المتاعب والإحراج الذي لم يخف الرئيس ترامب ضيقه، ولو مداورة، من حصولها.
ثم أضيف إليها اليوم إحراج جديد بانكشاف خبر مفاده أن وزير الدفاع بيت هيغسيث، الذي يقوم الآن بجولة في شرق آسيا، أحضر معه زوجته إلى اجتماع رسمي مع المسؤولين في الفيليبين، وذلك خلافاً للأعراف والأصول.
لكن بقدر ما تكون هذه الظروف مانعة عملاً عسكرياً في الخارج، فقد تكون أيضاً محفزة على خطوة من هذا النوع، علّ الانشغال الطاغي بها يحجب الأضواء عن هموم الداخل الثقيلة، ولو لوقت يسمح بالتقاط الأنفاس.
فالإدارة الأميركية مضغوطة ومتاعبها فائضة وهي لم تنه بعد المئة يوم الأولى (بعد ثلاثة أشهر) من سنواتها الأربعة. ما لا جدال فيه أن النووي الإيراني صار على نار حامية وأن العامل الإسرائيلي وازن في تسخينه ودفعه إلى ذروته.
فكتور شلهوب