من يخاف من السلام؟
في بلد أنهكته الحرب حتى صار الموت خبز الناس اليومي، يظل السلام في اليمن فكرة بعيدة المنال، ومشروعا مؤجلا لا يجرؤ كثيرون على الإيمان به، فما الذي يجعل السلام مستحيلا في وطن مزقته النيران من أقصاه إلى أقصاه؟ ومن المستفيد من بقاء جرح اليمن مفتوحا؟.
السلام في اليمن ليس مجرد وقفٍ لإطلاق النار؛ بل هو إعادة توزيع للسلطة، وإعادة تعريف للنفوذ، وتفكيك لشبكات اقتصادية وأمنية ترسخت خلال سنوات الحرب، ولهذا، فإن قوى الداخل والخارج معا تتعامل مع السلام كتهديد وجودي لمصالحها!.
فمنذ اندلاع الحرب، تحول الصراع إلى اقتصاد مواز: موارد منهوبة، وتهريب منظم، وشركات تتغذى على الدمار، ونخب سياسية وجماعات مسلحة اكتشفت أن الحرب تدر ذهبا، بينما السلام لا يدر سوى المساءلة والشفافية..
السياسة والأخلاق… حين يتواطأ الجميع
السياسة في اليمن تحولت إلى سوق مفتوح للولاءات، الجميع يرفع شعارات الوطن بينما يمارس صفقات على حسابه، أما الأخلاق، فقد غابت تحت ركام الشعارات والدماء،
السلام اليوم يحتاج إلى شجاعة أخلاقية أكثر من حاجته إلى اتفاقيات سياسية، يحتاج إلى كسر صمت النخبة التي تساومت مع الألم، وإلى مساءلة أولئك الذين حولوا الحرب إلى رصيد في حساباتهم البنكية..
الإعلام والفكر… الغائب الأكبر
لماذا غاب الإعلاميون والمفكرون عن بناء الوعي الجمعي تجاه السلام؟
لأن أغلب المنابر الإعلامية تحولت إلى أدواتٍ في يد الأطراف المتحاربة تموّل، وتوجّه، وتخنق فيها أي محاولة مستقلة لقول الحقيقة، فبدل أن يكون الإعلام ضميرا عاما ورافعة للوعي، صار جزءا من آلة التحريض والتزييف..
أما الفكر، فقد انكمش أمام سطوة المال والسلاح، الجامعات صامتة، والمثقفون موزعون بين المنافي أو المنابر الممولة، وهكذا، سلب المجتمع بوصلته الأخلاقية والفكرية، فصار يستهلك خطاب الكراهية بدل أن يصنع خطاب المصالحة!.
استنهاض الوعي… من أين نبدأ؟
السلام لا يمنح، بل ينتزع، وأول خطوة في طريق انتزاعه هي كسر حاجز الخوف من التفكير المختلف، على اليمنيين أن يدركوا أن الحرب ليست قدرا، وأن السلام ليس ضعفا، بل شجاعة الوعي ومقاومة الاستغلال،
إن إعادة بناء الوعي الجمعي تبدأ من المدرسة، ومن الإعلام، ومن الفن، ومن كل منبر يستطيع أن يعيد إلى الإنسان اليمني ثقته بكرامته وحقه في الحياة..
خاتمة: من يخاف من السلام؟
يخاف من السلام كل من بنى مجده على ركام الحرب، وكل من يخشى عدالة تعيد توزيع الكلمة والثروة، أما الذين حلموا بوطنٍ لا يقصف، فهم لا يخافون السلام، بل ينتظرونه، لا كهدنة عابرة، بل كولادة جديدة لليمن..