العقد الثامن ونبوءة زوال الصهيونية
الحديث عن لعنة العقد الثامن ليست فقط في إطار النظريَّات ونبوءات الحاخامات وأسفار التلمود والتوراة، أو في سياق تحذيرات العديد من حكام «إسرائيل» أمثال إيهود باراك الَّذي كتب في الذكرى الـ(74) لصحيفة «يديعوت أحرونوت» تحذيراته حَوْلَ لعنة العقد الثامن: «في فترتين قامت لبني «إسرائيل» سيادة كاملة في أرضه،
وبشَّر العقد الثامن في الحالتين بتفكك السيادة، وككيان سيادي وصلنا اليوم إلى العقد الثامن، ونحن، كمن استحوذ عليهم الهوس، بتجاهل لتحذيرات التلمود، «نعجّل النهاية»
والفترتان اللتان يقصدهما باراك هما دولة داؤود الَّتي استمرت (76) عامًا ودولة الحشمونائيم الَّتي قامت عام (140) قَبل الميلاد، وزالت من الوجود عام (63) قَبل الميلاد، وكلتا الدولتين زالتا في العقد الثامن لم تتجاوزاه.
هناك مَن يتحدث أنَّ هذا السياق الصهيوني يدغدغ مشاعر رعاة الحركة الصهيونيَّة وقوى الاستعمار الَّتي تكفلت بالحفاظ على أمن «إسرائيل»، لكن هذه الرعاية والحماية الَّتي استمرت (77) عامًا حتَّى الآن فإلى متى ستستمر؟
طالما أنَّ مؤرخي الكيان أنفسهم وصنَّاع القرار في كيان الاحتلال عَبَّروا عن تلك المخاوف بطريقة أو بأخرى وكُلُّهم يحذِّرون من مسألة الانقسام الداخلي، وهو ما لمسناه من خلال تغيير حكومات الاحتلال المستمر كدلالة قطعيَّة على وجود خلل بنيوي في الكيان الصهيوني، وهذا ملحوظ بشكلٍ كبير، ممَّا يؤكد تلك المهدِّدات بزوال الكيان الصهيوني،
وأخيرًا ما خلَّفه طوفان الأقصى من إرث ثقيل على الحركة الصهيونيَّة والأزمة الكبرى الَّتي ستظل جاثمة على صدر الكيان بعدم الاستقرار، وعدم القدرة على تغيير الواقع وحتَّى العدوان والتدمير لم يجلب للدولة الصهيونيَّة إلَّا المزيد من العزلة والتعرية، وانكشاف السرديَّة والأزمة الداخليَّة، فإلى أين يتَّجه هذا الكيان المعزول؟!
قدَّم الكثير من الباحثين الفلسطينيين والعرب دراسات عديدة تؤكد وتدلُّ دلالة قاطعة بزوال هذا الكيان..
وبلا شك فإنَّ هذه الدلائل أكَّدت حقيقة الزوال ولم تحدِّد التوقيت، لكنَّ المؤشِّرات الَّتي يتخوف منها الصهاينة واضحة للعيان، سواء ما يتعلق بالانقسام الداخلي أو الديمغرافيا أو تجذُّر المقاومة والمشهد الفلسطيني الداخلي المقاوم،
مع العِلم أنَّ مؤرخي «إسرائيل» كُلَّهم مصابون بهذه الفوبيا ولعنة العقد الثامن، لا سِيَّما أنَّ تاريخ كيانات بني «إسرائيل» كُلِّها لم تتجاوز هذا العقد الـ(8) الَّذي يعيش فيه الاحتلال الصهيوني الآن، وكُلُّ ما هو قائم على باطل فهو باطل.
فالاحتلال «الإسرائيلي» قام على اغتصاب حقوق الغير، وشكَّل كيانه نتيجة التهجير القسري وعمليَّات الترهيب والمجازر الَّتي ارتكبت منذ بداية تأسيس كيانهم اللقيط، وارتكبوا مجازر جماعيَّة كما حدَث في دير ياسين وغيرها من المجازر..
واستمر الصهاينة يحتفلون بتلك المجازر يدفعهم بروتوكولات زعماء الحركة الصهيونيَّة وحكماء صهيون وحاخامات يدعون إلى قتل العرب،
هذه المرحلة الصهيونيَّة استمرت (40) عامًا منذ 1947 وحتَّى انطلاق انتفاضة الحجارة عام 1987م.
ومن هناك بدأ حراك شَعبي فلسطيني بالحجارة في بداية الجيل الثاني ال(40) سنَة الحاليَّة الَّتي شهدت انتقال زمام المبادرة إلى يد المقاومة الفلسطينيَّة، مرورًا بانتفاضة الأقصى، ثم الانسحاب من غزَّة والاجتياحات «الإسرائيليَّة» الَّتي حدثت في السنوات الماضية، والَّتي جوبهت بمقاومة فلسطينيَّة عنيفة آخرها طوفان الأقصى،
وكُلُّ هذه الجولات تؤكد معادلة التحرير، وأنَّ ما أُخذ بالقوَّة لا يُستردُّ إلَّا بالقوَّة، وقد كرَّست سياسة العين بالعين والسِّن بالسِّن؛
فكُلُّ ممارسة همجيَّة من الاحتلال يأتي الردُّ بَيْنَ عشيَّة وضحاها من أبناء فلسطين في المدن الفلسطينيَّة الَّتي ملأها الأبطال الفدائيون ولن تخفتَ وتيرتها، وقد شاهد العالم أنَّ القدس تنتفض ونابلس وجنين وغزَّة،
فهذه هي أرض الرباط تؤكد أنَّ المقاومة تتجذر في الجينات الفلسطينيَّة وما أفرزته المعاناة خلال عامين من العدوان على غزَّة كفيلة بتأسيس جيل فلسطيني مقاوم لن يتراجع عن هدفه وهو التحرير الكامل، وأنَّ كُلَّ قطرة دماء وكُلَّ شهيد سيعمد عليه مشروع التحرير.
إذًا نحن أمام مشهد من القوَّة والمقاومة وصواريخ الشرف والكرامة، ومسيَّرات الوعد الصادق، وهجمة طوفان الأقصى كُلُّها محطَّات في سبيل القضيَّة والتحرير، وأبناء فلسطين على يقين بأنَّ دماء الشهداء والاعتماد على المقاومة هي الطريق الأوحد للتحرير،
ولن يفيد الكيان المحتل قدراته وقببه الحديديَّة ولا حتَّى شجر الغرقد عندما تحين لحظة الكرامة والمقاومة، وعندما تنطلق صواريخ العزَّة والكرامة «وسيعلم الَّذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون»
فهناك رجال في فلسطين «رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلًا»
هؤلاء الشبَّان الَّذين نذروا أرواحهم فداء لفلسطين وأقسموا بالله والوطن أن تحررَ بلادهم من النهر إلى البحر وما ذلك على الله بعزيز، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله،
فطوبى لكم أيُّها الأبطال لقد اصطفاكم الله لهذا الابتلاء العظيم، شَعب نصفه شهداء ونصفه الآخر مقاوم، أنتم اليوم تقدِّمون ملاحم الفداء والتحرير، نصر من الله وفتح قريب.
* إعلامي وكاتب عُماني
khamisalqutaiti@gmail.com