الواقع العربي وظلاله فـي كأس العرب
تابعنا بطولات سابقة في كأس العرب وكم كانت المشاعر القوميَّة متوهِّجة متدفِّقة بهذا الملتقى الرياضي العربي الَّذي نستشعر من خلاله أهميَّة الاتِّحاد والتَّضامن والعمل العربي،
لا سِيَّما وأنَّه يضم دول الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، فهي البطولة الوحيدة الَّتي تجمع عرب آسيا وعرب إفريقيا.
ولا ننسى أيضًا ذلك التَّجمُّع الفريد لمنتخب العرب الموحَّد في الثمانينيَّات عِندَما جمع نجوم الكرة العربيَّة في منتخب واحد لنستشعرَ من خلاله قوَّة العرب على الصعيد الرياضي.
ولكن التَّاريخ السياسي العربي يتفاوت بمتغيِّراته لِيُلقيَ بظلاله على بقيَّة المجالات الأخرى الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة والرياضيَّة وغيرها.
وما يشدُّنا هنا اليوم محاولة للاستئناس بهذه البطولة الكرويَّة الَّتي تجمع أعلام الدول العربيَّة مُجتمعة لِنسجِّلَ بعض الانطباعات الَّتي يُمكِن أن يسقطها الواقع السياسي على الرياضي من خلال بطولة كأس العرب الَّتي تقام الآن في دولة قطر الشَّقيقة.
وكم أحسنَتْ دولة قطر صنعًا باستعادة هذه البطولة لِتنظمَ سنويًّا بهذا التَّاريخ علَّ وعسى أن يتآلف الأشقاء، ويستشعروا معاني الوحدة وأهميَّة التَّضامن العربي،
في ظل حالة من التَّشرذم على الواقع السياسي تخلَّى فيه العرب عن أوراق الوحدة والقوَّة العربيَّة، واستجابوا طوعًا لمطامح الأعداء، معتقدين أنَّه ليس في قدرتهم المجابهة واستخدام أوراق القوَّة العربيَّة.
لا نَوَدُّ أن نعكرَ المزاج الرياضي والأجواء بنسيمها العليل في دوحة قطر، ولكن نلفت النظر إلى واقع هذه البطولة في سنوات سابقة تابعنا وشاهدنا بطولة كأس العرب تختلف عن بقيَّة البطولات الرياضيَّة من حيثُ النتائج والأحداث الَّتي صاحبتها..
فمن ذكريات هذه البطولة كانت أحداث صاخبة شهدتها نهائيَّات سابقة لم تخلُ من الشَّغب والمواجهة على أرضيَّة الملعب في أواخر الثمانينيَّات،
ولا نوَدُّ هنا أن نشير إلى تلك المنتخبات الَّتي شهدت مواجهات وأحداث شغب، لكنَّها قد تكُونُ إسقاطًا للواقع السياسي الَّذي لم يخلُ من مواجهات أيضًا، سواء على الأرض أو في القمم العربيَّة.
فجاءت البطولة تجسيدًا لذلك الواقع العربي المأزوم للأسف الشَّديد، كما أنَّ نتائج بطولات كأس العرب جاءت بنتائج مغايرة عن المستوى والتَّصنيفات العالميَّة،
وقد غابت البطولة لفترة زمنيَّة طويلة أيضًا معبِّرة عن غياب عربي بَيْنَ الأشقاء، وكأنَّ البطولات الكرويَّة تُعَبِّر عن حالة سياسيَّة لِتُلقي بظلالها على أرضيَّة الملعب وفي المستطيل الأخضر.
اليوم تشهد البطولة في بداياتها نتائج مفاجئة تقدِّم أسماء عربيَّة على الواجهة كما هو شأنها على صعيد السياسة والإعلام،
فهناك فوز لمنتخب فلسطين على منتخب الدَّولة المنظِّمة، وفوز منتخب سوريا على ثالث أو رابع منتخب عربي تصنيفًا وكأنَّ واقع الحال يقول هناك تقلُّبات في الواقع العربي يبرز على الواقع الرياضي لِتُقدِّم هذه المنتخبات نفْسها على أرضيَّة ملاعب الدوحة في كأس العرب،
وأظن أنَّ نتائج مباريات كأس العرب لن تكُونَ كما يتوقعها النقاد الرياضيون، بل ستقدم منتخبات عربيَّة جديدة إلى الواجهة وإن ذهبت في نهاية المطاف إلى المنتخبات المتصدرة في التَّصنيف العربي والدولي،
لكن سيكُونُ هناك نصيب لمنتخبات أخرى مغمورة، لكن بالمقابل نتمنَّى أن لا تشهد البطولة ما شهدته بطولات سابقة من مواجهات وأحداث عنف خارجة عن الروح الرياضيَّة،
بل تخرج البطولة بصورة حسنة ومشرِّفة تؤكد أنَّ ما لم تستطع السياسة تحقيقه سوف يتحقق بالرياضة؛ وذلك كما يهدف المنظِّمون والشَّعوب العربيَّة عمومًا.
آملين أن تشهد أُمَّتنا العربيَّة تجمعًا عربيًّا وحدويًّا آخر يجمع أوراق القوَّة العربيَّة لِتنصبَّ في اتِّجاه واحد بإذن الله.
* إعلامي وكاتب عُماني
khamisalqutaiti@gmail.com