
زمن النهب المقدس!!
لم تكد سلطة الحوثي تنفك عن ترديد وعودها بمحاربة الفساد منذ أن كانت سلطتها محصورة في جبال صعدة، حتى ظهر اليوم أن الغول الذي كانوا يصطادونه خيالا صار شريكهم في الوليمة، يلتهمون معا جسد الدولة الهش، بعد أن تحولت شعارات الشراكة الوطنية في الحكم هي الأخرى إلى امتياز إلهي حصري.
لسنا هنا من أجل جدل لاهوتي حول الحق الإلهي في الحكم، رغم أن حكومة الله يفترض أن تكون بلا لصوص، ولسنا أيضا أمام محكمة لإثبات فساد الحوثي فحتى أدلة الفساد سيق أصحابها إلى السجون والمعتقلات.
القضية الأعمق هي: هل أخفقت الجماعة في حربها ضد الفساد، أم أن الفساد نفسه صار سلاحها الأنجع لترسيخ النفوذ؟
تتحول المناصب وفق سياسة سلطة صنعاء إلى عهود للولاء المطلق، فحين لا تعتمد السلطة على خدمة الشعب، بل على تطييعه بآلة قمع، فلن تجد إلا "المؤمنين" الذين يتحولون بين ليلة وضحاها إلى أمراء ظلام. شبكات تنمو في السراديب، تلتهم المال العام، وتلغي الحقوق الأساسية للشعب.
لنأخذ الموازنة العامة كمثال صارخ: في أي دولة محترمة، تعد الموازنة العامة وثيقة شفافة تُعلن للشعب، وتبين أين تذهب أمواله، وكيف تُنفق، وما هي أولويات الدولة.
لكن في دولة الحوثي، تحولت الموازنة إلى لغز محير، كأنها مخطوطة سرية لا يفك رموزها إلا الأولياء. لا تُنشر أرقام واضحة، ولا تُعلن تفاصيل المصروفات، ولا تُحدد الأولويات.
بل يدار المال العام بعيدا عن أعين الشعب، وكأنه ملكية خاص لا يحق للعامة الاطلاع عليه. فكيف يمكن لدولة أن تدعي محاربة الفساد وهي تخفي حتى أرقام موازنتها؟!
يدرك الشعب، وتدرك السلطة، أن الحاضنة الشعبية التي تتباهى بها ما هي إلا سيطرة أمنية. وها هي (التغييرات الجذرية) تظهر واضحة: إحلال خريجي الدورات العقائدية في كل مفاصل الدولة، وكأن إدارتها تحتاج إلى وردات دينية لا إلى خبراء. فما قيمة مهندس أو طبيب حين يكون التعظيم للولاية هو الشهادة الوحيدة المطلوبة؟!
هل يعقل أن تكون حكومة الله عاجزة عن دفع نصف رواتب موظفيها؟
أم أن هذه هي النتيجة الحتمية لدولة تدار بالخفاء، بلا موازنة واضحة، وبلا رقابة؟
حتى في حال استطاعت سلطة الحوثي الوفاء بصرف نصف راتب قبل دخول رمضان بساعات، فإن ذلك لن يكون إلا مثالا آخر على الفشل والفساد الذي لم تصل إليه أي حكومة.
نحن أمام مسرحية مأساوية يكتبها الفساد، ويخرجها العجز، ويمثلها من يسمون أنفسهم أنصار الله؟!