اليمن.. وطن ممزق بين الأطماع والدمار
اليمن، هذه الأرض التي كانت يومًا منارة للحضارة والتاريخ، تحولت اليوم إلى ساحة مفتوحة لكل أشكال العبث والدمار.
من مهد القوافل والتجارة والعراقة إلى بلد تتنازعه القوى الإقليمية والدولية، كل منها يعبث به كيفما شاء، وكل منها يغذّي صراعًا لا نهاية له.
كانت أرضه خصبة ومياهه متدفقة، وكان شعبه صامدًا رغم المحن، لكن المدن صارت ركامًا، والأرياف جبهات قتال، وأبناؤه بين جائع ولاجئ وأسير.
لم يكن اليمن بحاجة لمن يتدخل في شؤونه، لكنه كان دائمًا مغريًا لمن أراد أن يعبث به. التدخلات الخارجية لم تبدأ اليوم، بل هي امتداد لتاريخ طويل من الأطماع،
لكنها في هذا العصر اتخذت شكلاً أكثر بشاعة ودموية. القوى الكبرى تحرك الأذرع، والدول الإقليمية تنفذ الأجندات،
واليمن هو الضحية، ليس فقط في اقتصاده وأمنه، بل في نسيجه الاجتماعي الذي تمزق، وفي ثقافته التي شوهت، وفي تاريخه الذي يُعاد كتابته وفقًا لرغبات من يملك القوة.
أما الداخل فحدّث ولا حرج. لم يعد الولاء للوطن، بل لمن يدفع أكثر، لمن يوفر السلاح، لمن يمنح فرصة الصعود ولو على أنقاض شعبك. المرتزقة لم يعودوا مجرد أفراد، بل أصبحوا منظومة متكاملة، تديرها مكاتب وسماسرة وحكومات تتعامل مع الحرب كأنها تجارة، تبيع المقاتلين كما تُباع السلع، وتوزع الولاءات كما تُوزع صفقات السلاح.
لم يعد هناك فرق بين من كان يدّعي الوطنية وبين من جاء من أقاصي الأرض ليقاتل في معركة لا يفهم فيها سوى لغة المال.
وتجار الحروب؟ هؤلاء هم الوجه الآخر للمأساة، الوجه الخفي الذي لا يظهر في نشرات الأخبار، لكنه هو من يحدد مصير المدن، من يقرر من يموت ومن يعيش، من يحكم ومن يسقط. من يدير الحروب ليسوا الجنود في الميدان، بل أولئك الجالسون خلف الطاولات، من يوقعون العقود، من يحددون كلفة القذيفة وسعر النفط في السوق السوداء، من يساومون على أرواح البشر كما يُساوم على البضائع في المزادات.
هؤلاء لا يهمهم إن جاع طفل أو هُدم منزل، طالما أن حساباتهم البنكية تنتفخ، وطالما أن الحروب لا تتوقف.
اليمن اليوم ليس فقط بلدًا ممزقًا، بل هو وطن مخطوف. لا أحد يستطيع أن يدّعي أنه يسيطر عليه بالكامل، ولا أحد يمكنه أن يقول إنه يمثل صوته الحقيقي. كل طرف يرفع راية، وكل جماعة تدّعي أنها المنقذ، لكن لا أحد ينقذ أحدًا.
الجميع يريدون لليمن أن يبقى ساحة مفتوحة للصراعات، حقل تجارب للسلاح، مسرحًا للأجندات المتصارعة، وكأن اليمن ليس وطناً، بل مجرد ورقة على طاولة المفاوضات الدولية.
والشعب؟ إنه الشعب ذاته الذي تحمل عبر التاريخ كل الأهوال، لكنه اليوم منهك، مقهور، تائه بين الحروب والجوع والتشريد. من استطاع الفرار هرب، ومن لم يستطع عاش بين الطلقات وصور الضحايا.
من كان يحلم ببناء مستقبل، أصبح يحلم فقط بيوم بلا قصف، بلا جوع، بلا خوف. اليمني الذي كان سيدًا في أرضه، أصبح غريبًا فيها، يبحث عن وطنه في الركام، وعن تاريخه بين أكاذيب المتصارعين، وعن مستقبله بين أنياب المرتزقة والتدخلات والدمار.
بقلم: أ. عبدالله الشرعبي