الحقيقة حول الهجرة: لماذا ترحّب المجتمعات الناجحة بالوافدين الجدد؟
قام بتأليف هذا الكتاب المؤلّف زيكي هيرنانديز، وقد ولد في أوروغواي، وعاش في كوستاريكا وغواتيمالا والأرجنتين، قبل أن يأتي إلى الولايات المتحدة. حصل هيرنانديز على درجة البكالوريوس والماجستير في جامعة بريغهام يونغ وحصل على درجة الدكتوراه في جامعة مينيسوتا. يشغل هيرنانديز حالياً منصب رئيس قسم الإدارة في وارتون بجامعة بنسلفانيا، وذلك منذ عام 2013.
يناقش هذا الكتاب قضية المهاجرين الجدد. ويزعم المؤلف أنّ المهاجرين يجلبون قدراً هائلاً من الاستثمار للدول المستضيفة، ويقول إنهم مغناطيس للاستثمار من بلدهم الأصلي، ويقول إن "المهاجرين هم أكثر عرضة بنسبة 80% لبدء شركات من الأفراد المولودين في البلاد. هذا النمط لا يؤثّر على حجم العمل. أيضاً، بل تخلق الشركات التي أسسها مهاجرون فرص عمل بمعدل أعلى من تلك التي أسسها مواطنون أصليون.
عناصر الكتاب:
الهجرة والاستثمار والوظائف
يشير المؤلّف الغواتيمالي الأصل في الفصل الأول من هذا الكتاب إلى تأثير الهجرة على الاستثمار المحلّي للدول ويضرب مثالاً على ذلك بالقول؛ إنّ ما قد يخطر ببال أيّ أميركي عادي هو أن يذكر أسرع سلسلة مطاعم نمواً في الولايات المتحدة على مدى العشرين عاماً الماضية، وسوف يخمن أغلب الناس أنها فايف جايز، أو تشيبوتلي، أو شيك فيل-إيه. وقليلون هم الذين قد يتصوّرون أنّ شركة غواتيمالية قد تكون منافساً.
يقول المؤلف إنه بعد تباطؤ النمو بسبب الأزمة المالية في عام 2008، وضعت الشركة الغواتيمالية، أعينها على أهداف نمو جديدة. في عام 2020، وظّفت محارباً مخضرماً في الصناعة وساعد في تنمية Dairy Quee وPopeyes وSonic لفتح ما لا يقلّعن 250 مطعماً على مدى السنوات الخمس المقبلة،وفي عام 2023 كان هناك تسعون مطعماً لكامبيرو في ثماني عشرة ولاية، بمتوسط مبيعات 2.2 مليون دولار، وهو رقم رائد في الصناعة. في العام نفسه، أعلنت عن افتتاح مطعم جديد في مدينة نيويورك بحملة إعلانية على إحدى لوحات الإعلانات الإلكترونية الشهيرة في تايمز سكوير. احتفل الرئيس التنفيذي للشركة بالوصول إلى المكان الأكثر شهرة ورمزية في مدينة نيويورك.
ويوضح المؤلف بهذه الطريقة أنّ لهذه الشركات تأثيراً كبيراً على النمو الاقتصادي. والواقع أنّ توسّع كامبيرو في الولايات المتحدة ليس سوى مثال واحد من أمثلة لا حصر لها على الجاذبية القوية التي يمارسها المهاجرون على الشركات من بلدانهم الأصلية والاستثمارات التي تخلق فرص العمل.
هل يسرق اللاجئون الوظائف؟
يتساءل المؤلف في هذه الفقرة عن السؤال الشائع ذكره في الدول المستقطبة للاجئين ومن بينهم الولايات المتحدة عبر نظام الهجرة المتداول، وذلك حول ما إذا كان اللاجئون ينهبون الوظائف في الدولة المستضيفة أم لا؟
يضرب المؤلف مثالاً حول هذا الأمر ويقول بأن مُصنّعي أميركا يواجهون مشكلة كبيرة هنا، فهم لا يستطيعون العثور على العمال والاحتفاظ بهم. وقد قدّرت الرابطة الوطنية للمصنّعين، في تقرير مشترك مع شركة ديلويت، أنّ أكثر من مليوني وظيفة من المرجّح أن تظلّ شاغرة بحلول عام 2030، والكثير من المرشّحين الذين يدعوهم المصنّعون لإجراء مقابلات عمل لا يحضرون. وأولئك الذين يحضرون يرفضون الرواتب الأولية، حتى عندما لا يكون لديهم سجل عمل سابق أو مهارات يمكن إثباتها، أو حتى عندما يعدهم صاحب العمل بأنهم يستطيعون الوصول بسرعة إلى مستوى الأجر المطلوب إذا أثبتوا موثوقيتهم. وقليلون هم الذين يفعلون ذلك،فمن بين أولئك الذين يقبلون عروض العمل، يكون التغيّب عن العمل منتشراً. ولا يمكنك إدارة عمل تجاري على هذا النحو. استقرار القوى العاملة هو القضية الأولى التي تبقي مديري الإنتاج مستيقظين طوال الليل.
وعلى هذا النحو فإنّ المصانع والشركات في الولايات المتحدة تواجه نقصاً في العمالة، وهذا الأمر نفسه ينطبق على معظم دول الاتحاد الأوروبي، حيث الشيخوخة العالية ونقص العمالة هو المرض المزمن الأول في كلّ من أميركا والاتحاد الأوروبي، وبالتالي يقومون بفتح باب الهجرة للعمالة بشكل دوري، لسدّ هذه الفجوة الواضحة.
الأفكار النهائية حول الاقتصاد: ما هي المشكلة؟
عندما أعرض الفوائد الاقتصادية المذهلة للهجرة على الجمهور، من الشائع أن يشير أحدهم إلى أنّ الأمر يبدو جيداً لدرجة يصعب تصديقها، فالرأسمالية لها رابحون وخاسرون، فمن الخاسر إذاً بسبب الهجرة؟
ينتقد المؤلف واضع النص التمهيدي الرسمي للاقتصاد، وهو الحائز على جائزة نوبل "بول صامويلسون" الذي يقول "إنّ سياسة الهجرة تميل إلى إبقاء الأجور مرتفعة من خلال إبقاء العرض من العمالة منخفضاً". وكان يشير إلى قانون الأصول الوطنية لعام 1924، الذي أبقى مستويات الهجرة منخفضة لعقود من الزمن في أميركا.
يؤكّد المؤلّف أنّ أولئك الذين يخشون وجود نوع من الخلل في الأدلة المتعلقة بالهجرة والاقتصاد ما زالوا متجذّرين في النموذج الاقتصادي العتيق الذي بنى صامويلسون تفكيره عليه. ولكن عندما لا تتناسب الحقائق مع النظرية، يمكنك إما تحديث نظريتك أو تحريف الحقائق، ولكن ليس القيام بكليهما بخصوص الهجرة.
ولهذا السبب، فإنّ النصف الأول من هذا الكتاب لا يتناول الهجرة في حدّ ذاتها. بل يتناول نموذجاً مختلفاً تماماً للاقتصاد. ولكن ما هو الاقتصاد؟ إن كلمة "اقتصاد" تستحضر مفاهيم مثل المال، وسوق الأوراق المالية، والناتج المحلي الإجمالي، والعرض والطلب، وأسعار الفائدة. ولكن هذه الأشياء لا تمثّل الاقتصاد، تماماً كما لا يمثّل مقياس الحرارة صحتك. إنها مجرّد تجريدات ــ مؤشرات، تساعدنا أحياناً ولا تساعدنا أحياناً أخرى في فهم الشيء الحقيقي. إن جوهر الاقتصاد هو تفاعل الناس مع بعضهم البعض. هذا هو كلّ شيء، وكلّ شيء آخر سراب. لذا إذا كنت تريد أن تفهم الاقتصاد، فعليك أن تفهم الناس ومتطلّباتهم. فحركة الناس تشكّل جوهر الاقتصاد.
ينبّه الكتاب أنّ المهاجرين من بين أهم المساهمين في الاقتصاد على وجه التحديد لأنهم ينتقلون، ويحملون معهم شيئاً مختلفاً إلى الأماكن التي تستقبلهم. وأنّ النموذج الاقتصادي العتيق يرتكب خطأين في ما يفترضه عن المهاجرين. الأول هو التفكير بشكل ضيّق للغاية فيما يفعلونه. هناك تركيز مهووس على المهاجرين باعتبارهم عمالة، أشخاصاًيشغلون الوظائف ولكنهم لا يفعلون شيئاً آخر. والثاني، الاعتقاد بأنّ المهاجر غير دافع للضرائب، بل على العكس من ذلك فهو دافع ضرائب ومستهلك ومستثمر. وقد تكون لديه فكرة ويحوّلها إلى براءة اختراع أو منتج أو عمل تجاري. إنه لاعب متعدّد الأوجه في الاقتصاد.
التكامل الاقتصادي وليس الاستيعاب
يكتب المؤلف مقالاً لصحيفة التايمز وهي قصة توم سيت، الذي فرّ من الثورة الثقافية العنيفة في الصين عام 1968. وبعد إقامته في هونغ كونغ، هاجر إلى نيويورك عام 1974. ومثله كمثل العديد من مواطنيه، وجد عملاً في طهي الطعام الصيني. وفي نهاية المطاف اشترى مطعمه الخاص، الذي يديره حتى يومنا هذا. وفي سن السادسة والسبعين، لا يزال يعمل ثمانين ساعة في الأسبوع. "لكن بناته البالغات، اللائي حصلن على درجات جامعية ووظائف ذات رواتب جيدة، لا ينوين تولّي الأمر".
ينبّه المؤلف أنّ مصير المطاعم الصينية وعائلة سيت هو قصة التكامل الاقتصادي للمهاجرين في جميع أنحاء أميركا. إنّ الخبيرين الاقتصاديين ران أبراميتزكي وليا بوستان ــ وهما اثنان من الباحثين الذين قاموا بتحليل كلّ بيانات التعداد السكاني ــ يرويان هذه القصة في كتابهما "شوارع من ذهب"، الذي يلخّص العمل الذي نشراه في مجلات محكمة على مدى سنوات عديدة (11 سنة)، والنتيجة النهائية لأبحاثهما هي أنّ الأسر المهاجرة تحقّق باستمرار وبنجاح الحلم الأميركي في الصعود على السلّم الاقتصادي.
التكامل السياسي
يضرب المؤلف مثالاً على التكامل والترابط بين اللاجئين الجدد والسياسة، ويوضح أنّ من بين هؤلاء المناضلين "خار هلاونشينغ". فقد اضطرّ إلى الفرار من موطنه ميانمار في عام 2003. وينتمي خار إلى أقلية عرقية مسيحية في بلد يغلب عليه البوذيون. وعلى مدى عقود من الزمان، أخضعت الأنظمة الاستبدادية شعب شين لاضطهاد شديد في سلسلة من جهود الاستيعاب القسري.
غادر خار ميانمار بعد وقت قصير من مصادرة مزرعة عائلته. وهو يعيش الآن في ميدلاند بولاية تكساس، مع زوجته ماري نجون ثا سوي، وأطفالهما الثلاثة. ويكسب خار رزقه كسائق شاحنة، ينقل حمولات من الرمال التي تستخدمها شركات التكسير الهيدروليكي في غرب تكساس. وقد استقرّ نحو ألفي شخص من شين في ميدلاند ويعملون في وظائف مرتبطة بالنفط.
تروي كاري ماكين قصتهم في مقالة بارزة في مجلة Texas، كانت لديها فكرة مسبقة عن الميول السياسية لشعب الصين: "نظراً لموقف الرئيس ترامب تجاه المهاجرين، وتدميره لبرنامج إعادة توطين اللاجئين، والذي أدى إلى فصل بعض عائلات شعب الصين، فقد افترضت أنّ شعب الصين سيحتضن الرئيس بايدن بسهولة، لكنني كنت مخطئة".
لقد فوجئت ماكين بأنّ خار وماري، اللتين كانت صديقة لهما، صوّتتا لصالح ترامب في عامي 2016 و2020، ولم تكونا حالة معزولة. وكما أخبرها أحد زعماء مجتمع الصين، في الانتخابات الأخيرة، "أعتقد أنّ أكثر من 90 في المئة من شعب تشين صوّتوا لصالح ترامب".
ويتساءل المؤلف حول دعم مجموعة من اللاجئين مرشحاً غير ودود تجاه اللاجئين؟ يوضح ماكين أنه "على الرغم من أنّ شعب الصين هم من سكان غرب تكساس الجدد نسبياً، فإنّ المنظور السياسي السائد لمجتمعهم يتماشى مع القيم المحافظة التقليدية في المنطقة: "الأخلاق الاجتماعية المسيحية الإنجيلية، والاحترام للرأسمالية الريادية، وانعدام الثقة في الحكومة".
خاتمة
وهكذا، فإنّ الحجة الكاملة لصالح الهجرة، تستند إلى أفضل الأدلة المتاحة. وكما هي الحال مع الحقائق المتعلّقة بالقضايا الاقتصادية، فإنّ الحقائق المتعلّقة بالقضايا الاجتماعية تبدو وكأنها جيدة للغاية بحيث لا يمكن تصديقها. فهل المهاجرون لا يسبّبون لنا أيّ ضرر؟ كلا، إنهم لا يفعلون ذلك. فكما تفيدنا اختلافاتهم اقتصادياً وتثري ثقافتنا، فإنّ أوجه التشابه بينهم تساعد في الحفاظ على نسيجنا الاجتماعي.
الكاتب: محمد نبيل الغريب