
كتابة التاريخ على حدود بيزنطة وبغداد
يضمّ كتاب "عباسيون وبيزنطيون.. رجال ونساء: كيف حَكموا وكيف حُكموا وكيف عاشوا بين الحدّين؟
(قراءة في نصوص الأقدمين)" مجموعة مختارة من دراسات الباحثة اللبنانية ناديا ماريا الشيخ في مجالَي دراسات العصر العباسي المبكر والتاريخ البيزنطي المعاصر للإسلام، مركزةً في أبحاثها على مواضيع تتعلق بالسياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية وبشؤون المرأة والجندرية في الخلافة الإسلامية والامبراطورية البيزنطية.
تتابع هذه المختارات، التي ترجمها الباحث السوري نجيب جورج عوض، وصدرت عن الدار العربية للعلوم ناشرون، لتتابع تعريف الباحثين والأكاديميّين العرب بمجموعةٍ من دراسات عن العصر العباسي المبكر والتاريخ البيزنطي، والتي سبق لناديا الشيخ أن نشرتها في دوريات وأنطولوجيات صَدرت باللغة الإنكليزية في الأعوام الماضية.
أبعد من فصول الحرب والعداوة
تُقدِّم الباحثة، وفقاً لمقدمة المترجمِ، تطبيقاً تاريخولوجياً وهرمنيوطيقيّاً (تأويلياً) مباشراً للإسلام بصفته سيرورة تاريخية أنثروبولوجية سوسيولوجية تفرض ضرورة التعاطي مع تاريخه وإرثه علمياً بصفته إكمالاً واستمراراً تاريخياً وحضارياً لحضارات العهد العتيق المتأخّر وبصفته حضارة عاشت في تفاعل وتواصل متعدّد الأوجه ومتنوع الأبعاد مع العالم البيزنطي.
ولم تكن قصة هذا التلاقي بين الطرفين محصورَةً بِفُصول الحرب والعداوة والتنافس الوجودي والرغبة في القضاء على الآخر والحلول محلّه وهي تَفعَلُ هذا من خلال استحضار أدلّة بلا حصر من أُمهات النصوص الإسلامية والبيزنطيَّةِ القَديمَةِ العائِدَةِ لتلك الحقبة التاريخية، مستعينةً على التوازي مع نصوص التراث العربية والإسلامية واليونانية بنصوص ودراسات خيرة علماء الدراسات التاريخية والفيلولوجية والأدبية والجندرية والتثاقفية والسوسيولوجية وتاريخ الفنون التي نجدها في حقول البحث الأكاديمي المعاصرة.
تذهب دراسات الشيخ إلى القول إنّ العلاقة بين الخلافة العباسية والإمبراطورية البيزنطية كانت أعقد بكثير وأكثر تشعُّباً وتنوّعاً وعُمقاً من تصوراتها في المخيال الشعبي العربي،
وإن مُقاربة شبكة العلاقات تلك من زاوية منهجية مُقارنة يساعدنا على إعادة فهم تاريخ الخلافة الإسلامية العربية المُبكِّرة (العباسية والأُموية على حدّ سواء) بوصفه جُزءاً لا يتجزأ، وفصلاً حاسماً ومحورياً، في سيرورة وصيرورة التاريخ العتيق المُتأخّر في منطقة الشرق الأوسط.
التاريخ في مقاربة جندرية
يتوزّع الكتاب على ثلاثة أقسام: "دراسات في تاريخ البلاط"، و"دراسات في تاريخ النساء"، و"دراسات في التاريخ البيزنطي". تتناول موضوعات القسم الأول: "أن تكون أميراً في بلاط الخلافة العباسية في القرن الرابع للهجرة/العاشر للميلاد"، و"عن تنظيم مراسم الاحتفال الرسمية للخلافة العباسية"، و"البلاطان العباسي والبيزنطي".
وتُعالج دراسات القسم الثاني: "تاريخ النساء دراسةٌ في نصوص المُحسّن بن علي التنوخي"، و"في البحث عن الشريك المثالي"، و"جندرة الموت في كتاب العقد الفريد"، و"العنف ضد النساء في العصر الإسلامي المُبكر"،
أما أبحاث القسم الثالث فتشمل: "دخول قسطنطين الكبير في المسيحية: قراءة للمصادر العربية-الإسلامية"، و"القادة البيزنطيون في النصوص العربية-الإسلامية"، و"ابن خلدون: مؤرخٌ متأخّر لتاريخ بيزنطة".
ناديا ماريا الشيخ باحثة متخصصة في الخلافة العباسية والبيزنطية. نالت شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد عام 1992. في العام نفسه، انضمت إلى هيئة التدريس في الجامعة الأميركية في بيروت وترقّت إلى رتبة أستاذة عام 2006.
شاركت في تحرير العديد من الدوريات وهي عضو في مجالس تحرير مجلات أكاديمية من بينها Journal of Abbasid Studies،
من مؤلفاتها: "بيزنطة كما رآها العرب" (2004)، والذي تُرجم إلى التركية واليونانية والعربية، و"النساء والإسلام والهويّة العبّاسيّة" (2020).