
"وداعًا مؤرخ اللحظة الإنسانية".. وفاة الأديب المصري صنع الله إبراهيم
مواقف عديدة رسمت صورة الروائي المصري صنع الله إبراهيم (1937-2025)، الذي رحل عن عالمنا اليوم عن عمر يناهز 88 عاماً، في أحد مستشفيات القاهرة، إثر إصابته بالتهاب رئوي حاد.
مواقف جعلت الراحل أقربَ إلى الضمير الثقافي، بوضوح الموقف، واقتصاد التعبير، وهدوء الحضور.
وُلد صنع الله إبراهيم في القاهرة عام 1937، وبرز اسمه ضمن جيل الستينيات بوصفه أحد أبرز كتّاب الواقعية.
تعرّض للاعتقال بين عامي 1959 و1964، على خلفية نشاطه السياسي في فترة حكم جمال عبد الناصر، حيث اعتُقل بسبب انتمائه إلى "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني"، ضمن حملة شنّها السلطة على التنظيمات الشيوعية المستقلة.
وقد انعكست تجربته في السجن في روايته الأولى "تلك الرائحة".
عُرف إبراهيم بأسلوب يمزج الوثيقة بالروائي، مع إدراج مقتطفات من الصحف والنشرات والتقارير داخل المتن السردي، في مقاربةٍ جعلت الرواية التي كتبها أقرب إلى وسيلة مساءلة للواقع السياسي والاجتماعي.
وتُعد روايته "بيروت-بيروت" مثالاً لهذا الأسلوب في رصد الحرب الأهلية اللبنانية.
قاربت أعماله تحوّلات المجتمع المصري وأسئلته الاقتصادية والسياسية والثقافية، كما في رواية "اللجنة"، التي تناول فيها البيروقراطية والفساد وتبعية السياسات الاقتصادية لمصالح خارجية في حقبة الانفتاح الاقتصادي في عهد السادات.
وقبلها في رواية "نجمة أغسطس"، حيث يروي حكاية مشروع السد العالي بوصفه أسطورة يصوغها الخطاب الرسمي، بينما تكشف الرواية تناقضات تلك الحقبة بين التعبئة الوطنية والقمع السياسي.
ساهمت روايات صنع الله إبراهيم في تفكيك الدعاية الرسمية عبر أدواتها نفسها، باعتماده المصادر الصحافية التي يعيد توظيفها في نصوصه.
ومن أبرز المحطات في مسيرته مثقفاً وروائياً موقفه في أكتوبر/تشرين الأول 2003، حين رفض في حفل رسمي تسلّم "جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي"، التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، مبرراً رفضه بأسباب سياسية وأخلاقية تتعلق بواقع الحريات وسياسات الدولة.
يحضر صنع الله إبراهيم في الذاكرة الثقافية العربية بوصفه نموذجاً للمثقف المستقل، الذي صاغ أدواته السردية في تماس مع التاريخ والسياسة والواقع اليومي، وبقدرٍ من الانضباط الأسلوبي، والاقتصاد في اللغة.
ومن أبرز أعماله "شرف"، و"وردة"، و"ذات"، و"أمريكانلي" و"نجمة أغسطس".