
هاشم الغيلي: سيرة رائد علمي من جبال حجة إلى العالمية
يصعب اختزال اليمني هاشم الغيلي بتعريف واحد. فهو عالم أحياء جزيئية، لكنه اكتسب شهرته من كونه منتج أفلام وصانعاً لها ومُبسطاً علمياً مقيماً في برلين، إذ اكتسبت صفحته الرئيسية "سيانس نيتشر" على "فيسبوك" أكثر من 35 مليون متابع، والرقم شبيه على قناته على "يوتيوب".
ونتيجة لهذا الشغف بالعلم وتبسيطه، بات تقديره عالمياً، إذ سبق أن ألقى محاضرة في الاتحاد الأوروبي، عن أهمية استخدام العلم في صناعة السياسات العامة،
بالإضافة إلى تلقيه دعوات مهمة لأداء محاضرات علمية، وكذلك إجراء نقاشات علمية مع شخصيات عالمية، مثل راندي شيكمان الحاصل على جائزة نوبل في الطب، وأيضاً التحدث في أربع فعاليات تيدكس، بعواصم أوروبية مختلفة، وفي مواضيع مهمة، كالحديث عن العلاج الجيني للسرطان، وعن مستقبل التعليم،
وكذلك أهمية العلم في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وعن فيروس كورونا، وكيف أدى انتشار المعلومات الخاطئة إلى وفاة عدد كبير من الناس.
في حديث مع "العربي الجديد" يوضح الغيلي أن بداياته في صناعة المحتوى، تعود إلى ما قبل دراسته، وتحديداً، عند امتلاكه لأول جهاز كمبيوتر في 2001، حين اتخذ منه فرصة لتعلُّم التصميم والمونتاج. أي إن شغفه كان في البدء بالمحتوى، ثمّ ذهب إلى باكستان للحصول على بكالوريوس في التقنية الحيوية، قبل أن يعود إلى اليمن فترة قصيرة، ومن ثم اتجه إلى ألمانيا لمواصلة تخصصه العلمي ذاته.
لكنه يحدد أنّ اللحظة الفارقة في حياته كان عند اكتشافه عالم السوشال ميديا، في عام 2008، فوجد فيها ملعباً بإمكانه أن يقدم عبره ما يريد.
لم تكن طريق الغيلي مفروشة بالورد، بل يقول إنّ انطلاقته الافتراضية كانت مخيبة، لأنه، وقتها، "حاولتُ الجمع بين خبرتي في التصميم الغرافيكي، ومعرفتي العلمية، وتوفر مواقع التواصل، لأجل تقديم ما أرغب فيه، لكني لم أجد المتلقي سريعاً،
فما إن بدأت في 2008، حتى اضطررت إلى التوقف بعد فترة قصيرة لأسباب عدة".
أبرز هذه الأسباب كان استخدامه اللغة العربية في محتواه، فيما لم تكن مواقع التواصل منتشرة بكثرة في الدول العربية، إلى جانب انقطاعه عن الإنترنت في فترة عودته إلى اليمن،
إلا أنه عاد فيما بعد، تحديداً في 2014، ونشر باللغة الإنكليزية، ليصبح بعدها واحداً من أشهر صنّاع المحتوى العلمي في العالم.
عام 2008 غادر هاشم الغيلي اليمن للدراسة، ولم يعد إليه إلا لأشهر قليلة في 2013، بين انتهاء البكالوريوس وبداية الماجستير.
يقول إنّ تلك العودة كانت "نقطة عبور"، مرحلة مؤقتة ينتظر فيها ردّ طلبه للدراسة في ألمانيا. وخلالها جرّب أعمالاً كثيرة: درّس اللغة الإنكليزية في أحد المعاهد، ثم التحق بالهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، بعد أن اشترطوا عليه العمل ثلاثة أشهر من دون مقابل للتجربة. قبل أن ينتهي الاختبار، تلقى بريداً إلكترونياً يخبره بقبوله في ألمانيا.
تردّد في الرحيل، وفكّر في أن يُكمل فترة التدريب ليحصل على الوظيفة الرسمية والعائد المالي الذي قد يساعده لاحقاً في دراسته. لكنه في النهاية غادر. وما إن وصل إلى ألمانيا عام 2013 حتى اصطدم بالواقع: لم يكن قبوله الجامعي نهائياً. كان عليه دراسة اللغة أولاً، وخلال أربعة أشهر فقط إيجاد جامعة تقبله، وإلا فسيُجبر على المغادرة.
لكن الجامعات كانت قد أغلقت باب التقديم، لتبدأ رحلة معقدة من الرفض والمعاناة. عشرات الجامعات رفضت طلبه، قبل أن يُقبل أخيراً، ويبدأ الطريق الذي سيقوده لاحقاً ليصبح أحد أبرز صنّاع المحتوى العلمي العرب.
على المستوى المهني والشخصي، راكم هاشم إنجازات كثيرة، لكن حين يُسأل عمّا يعتز به أكثر، لا يختار الفيديوهات التي صنعها، ولا الأفلام التي أنتجها، ولا حتى وقوفه على المنصّات ليتحدث عن تجربته.
بالنسبة إليه، القيمة الحقيقية تكمن في الأثر الذي يتركه ما يقدّمه في الآخرين.
يقول إن أكثر ما يسعده هو الرسائل التي تصل إليه من متابعين حول العالم. بعضها يخبره: "كنت محتاراً في اختيار تخصّصي الجامعي، لكن أحد فيديوهاتك ساعدني على حسم القرار". رسائل كهذه تتكرّر كثيراً،
يضيف، وتمنحه إحساساً بأن المحتوى ليس مجرّد إنتاج رقمي، بل مساحة لتبادل الإلهام والمعرفة، وطريقة لمساعدة الناس على المضي في طريقهم أو تطوير ما يحبونه. "هنا تكمن القيمة الحقيقية للمحتوى"، يقول هاشم، "في أثره، لا في عدد المشاهدات".
يقدّم الغيلي محتوى متنوعاً إلى حدٍّ لافت، وغالباً ما يخرج عمّا يندرج ضمن تخصّصه الأكاديمي. إعداد هذا النوع من المواد ليس سهلاً بطبيعة الحال، لكن الخبرة التي راكمها جعلت التحدي أقل وطأة.
يقول إن سرّ تجاوز هذه الصعوبة يكمن في التعاون مع المختصين واستشارتهم، لأن دقة المعلومة هي الأولوية المطلقة، أما المونتاج والتقديم فباتا تفاصيل يسيرة، مهما كان مجال الفيديو أو طبيعته.
في ما يتعلق بالبحث، تغيّرت الأمور جذرياً مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي. "قبل ظهور الذكاء الاصطناعي، كان إعداد المحتوى يستغرق أياماً طويلة"،
يقول الغيلي، "أما الآن، فيمكن إنجاز ما كان يحتاج أسبوعاً في ساعات قليلة".
ومع ذلك، فإن العمل لم يتحوّل إلى مجهود فردي بالكامل؛ فالمحتوى الذي يقدّمه لا يزال نتاج عمل فريق متكامل يشرف عليه بنفسه.
صحيح أنّ الفريق تقلّص إلى النصف مقارنة بما قبل الثورة التقنية، لكنّ وتيرة النشر بقيت كما هي تقريباً، وهو ما يعكس مدى التحوّل الذي أحدثته التكنولوجيا في صناعة المحتوى.
من بين كل ما يُقال عن هاشم الغيلي، يبقى السؤال الأبرز: كيف أصبح العربي الأكثر متابعة على فيسبوك؟ الطريق لم يكن سهلاً، ولا سريعاً، بل احتاج إلى صبرٍ طويل، وإخلاصٍ في العمل، وتجريبٍ مستمر بين المحتوى العربي والإنكليزي، قبل أن يتحوّل في عام 2015 من حساب شخصي يضم سبعةً وعشرين ألف متابع فقط إلى صفحة عامة. كانت تلك اللحظة نقطة التحوّل الأولى.
تزامن هذا الانتقال مع بدء فيسبوك بتبنّي سياسة تروّج للفيديوهات أكثر، وهو ما شكّل فرصة مثالية. ومع نشر فيديو بسيط لشخص يسبح بين قارتين، حقّق هاشم أول قفزة حقيقية؛ ثمانية ملايين مشاهدة في أسبوع واحد.
شعر وقتها بأنه وجد طريقه، فقرّر أن يجعل صناعة الفيديوهات عمله الرئيسي. كثّف إنتاجه، ومع ازدياد التفاعل، بدأت الأرقام تتضاعف. خلال أسبوع واحد فقط، تخطّى أربعة ملايين متابع، ولم تمضِ ثلاث سنوات حتى وصل، في 2018، إلى أكثر من ستة عشر مليون متابع.
قد يُعد هذا النمو استثناءً في عالم المحتوى العلمي، الذي نادراً ما يحقق انتشاراً واسعاً رغم قيمته. لكن هاشم يفسّر النجاح ببساطة: جودة المحتوى أولاً.
ويضيف أن عوامل أخرى ساهمت في انتشاره، مثل مشاركة فيديوهاته من قبل حسابات مشهورة ومؤسسات علمية وجدت في ما يقدّمه قيمة حقيقية لجمهورها.
بهذه المعادلة – بين المعلومة والإبهار، والدقّة والجاذبية – حجز الغيلي مكانه بوصفه أحد أبرز صنّاع المحتوى العلميين في العالم العربي.
يُعدّ حساب هاشم الغيلي على فيسبوك المنصة الأكثر انتشاراً بين جميع حساباته، وهو ما يراه نتيجةً طبيعية لتركيزه على صناعة المحتوى خصيصاً لها.
يقول: "لكي تحقق الانتشار على أي منصة، عليك أن تفهم سياستها جيداً، وتنتج محتوى يتناسب مع خوارزمياتها".
يشرح الغيلي أن لكل منصة لغتها الخاصة؛ فـ"يوتيوب"، مثلاً، يتطلب نوعاً مختلفاً من المحتوى: ظهور شخصي أمام الكاميرا، أو رسوم أنيميشن أصلية، وجودة إنتاج عالية. "من دون ذلك لن تصل المشاهدات إلى المستوى المطلوب"، يضيف.
ورغم أن فيسبوك كان فضاءه الأوسع حتى الآن، إلا أن الغيلي يخطط للتركيز أكثر على يوتيوب في المرحلة المقبلة. فهدفه، كما يقول، ليس تحقيق العائد المالي، بل الوصول إلى جمهور أوسع.
أصبح هاشم اليوم ينتج الأبحاث والأفلام والمطبوعات إلى جانب المحتوى الرقمي، ما يثير سؤالاً طبيعياً: هل يمهّد ذلك لابتعاده عن صناعة المحتوى؟ يجيب بثقة: "المحتوى سيبقى، مهما أضفت إلى جانبه من مشاريع أخرى، فالرسالة واحدة: العلم وانتشاره".
هاشم الذي قدّم فيلم "المحاكاة"، ثم أصدر رواية تُكمل قصته، يرى أن السرد الأدبي منحه مساحة أوسع للتعبير. يوضح: "الفيلم كان قصيراً، مدته 24 دقيقة، ولم أستطع قول كل ما أردت فيه.
كثيرون كتبوا لي مطالبين باستكمال القصة، ولأن العمل السينمائي مكلف، فضّلت أن أتابعها بالسرد الروائي". وعن تفضيلاته بين الصورة والكلمة، لا يرى الغيلي فرقاً حقيقياً بينهما: "لا أفضلية بين العمل البصري والرواية.
كما أن للمحتوى الرقمي جمهوره، فإن للقراءة جمهوراً واسعاً أيضاً".
"ثورة الذكاء الاصطناعي ستغيّر الحياة البشرية"، يقول هاشم الغيلي بثقة تامة، مؤمناً بأن هذه التكنولوجيا ستضيف الكثير ليس فقط إلى مجاله، بل إلى كل المجالات.
يكشف أنه يخطط لتحويل روايته إلى مسلسل كامل، وأنه سيواصل إنتاج أفلام ومسلسلات جديدة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
ويضيف: "ما زلت أنتظر أن تتقدّم التكنولوجيا أكثر، وأحلم بأن تصل إلى المرحلة التي أريدها. فحتى الآن، مع كل ما تحقق، لم نصل إلا إلى عشرين بالمئة من المستوى الذي أطمح إليه".
لكن لماذا يحتاج الغيلي إلى السينما والدراما، ما دام قادراً على إيصال أفكاره عبر المحتوى الرقمي؟ يجيب بأن الرسالة تبقى واحدة، لكنها تتخذ أشكالاً مختلفة. فالأفلام بالنسبة إليه وسيلة لتقديم العلوم بطريقة قصصية وتوعوية غير مباشرة، تكشف الجانب الإنساني من العلاقة مع التكنولوجيا. "التكنولوجيا سلاح ذو حدين"، يقول، "يمكن أن تنتج أشياء عبقرية تخدم البشرية، أو أخرى غير ضرورية".
يقول هاشم الغيلي إن عمله قبل ظهور الذكاء الاصطناعي لم يكن يشبه ما يقدّمه اليوم. فالتكنولوجيا، كما يصفها، غيّرت إيقاع يومه بالكامل. يستخدم الذكاء الاصطناعي في كل خطوة تقريباً، وكل يوم، ما وفر له ساعات طويلة من العمل اليدوي، ورفع جودة المحتوى وخفّض التكاليف بشكل ملحوظ. حتى فريقه، الذي كان يوماً مضاعفاً في العدد، أصبح اليوم أقل من النصف، من دون أن تتأثر وتيرة الإنتاج أو مستواه.
ومع ذلك، يرى الغيلي أن هذه مجرد بداية. "سأستخدم الذكاء الاصطناعي أكثر في المستقبل، لأنه بدوره يتطور باستمرار"، يقول، مؤكداً أهمية استيعاب هذا التحول بدلاً من مقاومته. "من المهم جداً أن نستغل هذه الأدوات في أعمالنا المهنية، لأنها ليست تهديداً، بل فرصة".
ويتوقع الغيلي أن المجتمع بأكمله سيتجه خلال سنوات قليلة إلى اعتماد شامل على الذكاء الاصطناعي، وأننا سنشهد عبره إنتاجات غير مسبوقة.
رافقت بعض أعمال هاشم الغيلي ضجة إعلامية واسعة، يوضح تفاصيلها هنا، مفنّداً ما أثير حولها. يبدأ بما عُرف بـ"الفندق الطائر"، موضحاً أن الفكرة لم تكن من ابتكاره بالكامل، إذ كانت في الأصل تصوّراً رسمه الفنان توني هولمستن، عبارة عن صورة فقط.
يقول هاشم: "أعطيته كل التفاصيل؛ كيف يمكن أن يشتغل، وما هو شكله، وكيف يطير، وماذا بداخله، وما التكنولوجيا المطلوبة لتحقيق الفكرة". ويضيف: "قدمت الفكرة مكتملة، كانت أشبه بهيكل عظمي، بينما أنتجت شخصاً كاملاً، إضافة إلى أنني جعلتها مرئية".
أما عن تعليق إيلون ماسك على فيلم "الهرم المقلوب"، فيوضح هاشم أن تعليق ماسك كان إشادة بالفكرة، وليس انتقاداً لها: "قوله إن الأمر يحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة لا يعني أن الفكرة مبالغ فيها، بل أن الكائنات الفضائية في الفيلم، التي تصنع أهرامات مقلوبة، قد سبقتنا، ويتطلب منا تكنولوجيا متقدمة للحاق بها".
ويضيف أن ماسك أكمل حديثه قائلاً إن أول هرم مقلوب يجب أن يكون في واشنطن. ويشير هاشم إلى أنه يختلف في التوجه التكنولوجي مع ماسك، لكنهما يتفقان في بعض الأفكار،
مشيراً إلى أن ماسك سبق أن أشاد بفكرة الرحم الاصطناعية، قائلاً: "بلد مثل اليابان إذا انقرضت ستكون خسارة للبشرية، لذا يجب أن تبقى عبر مواليد الرحم الاصطناعي".
ويختتم الغيلي بالقول: "المحتوى موجه للجميع، لكن اهتمام بعض الشخصيات يسعدني، لأنه يمنح الفكرة رواجاً، ويحوّلها إلى خبر على وسائل الإعلام".
وفي ما يخص البيان الذي نشره ضد فيسبوك، يوضح هاشم أنه جاء احتجاجاً على اعتراض الموقع بعض ما ينشره، رغم امتلاكه حقوق المحتوى بشكل واضح. ويقول إن الهدف من البيان كان مراجعة النظام،
مضيفاً: "نتيجة لذلك، تواصل معي فيسبوك، تحدثت معهم، واستجابوا، والمشكلة حُلّت، وقاموا بتغييرات كبيرة نتيجة للحديث معهم".
يقول هاشم الغيلي إن القاعدة الهندسية التي ترى أن الأهم من الخيال هو تجسيده واقعياً، تنطبق تماماً على عمله. يوضح: "كل ما نشرته مبني على أشياء يعمل عليها علماء، وقمت بتجميعها وتقديمها.
مثلاً، مجموعة علماء يفعلون خطوة، ومجموعة أخرى تقوم بخطوة مختلفة، وثالثة تجري دراسة متصلة؛ أنا أجمع كل ذلك وأدمجه وأصنع محتوى عنه".
ويضيف أن هذه الخطوات دراسات علمية، وإذا كان فيها تقصير، فهذا طبيعي ويمكن حله مستقبلاً، لكن الأهم أن الفكرة الأصلية موجودة وحقيقية وقابلة للتطبيق، والأهم أنها تدفع نحو نقاش علمي عميق حول أحداث ستقع في المستقبل.
لدى هاشم أبحاث في مواضيع معقدة مثل علاج السرطان بالجينات، وتعديل مناخ المريخ، والرحم الاصطناعية. وعن طبيعة هذه الأبحاث، يوضح أنها تصورات يصنعها أو يطوّرها، ويعود فيها دائماً إلى المتخصصين، وهي مثبتة علمياً،
مؤكداً أنه سينشرها قريباً كأوراق علمية خاصة به.
أما أكثر ما أسعده من أثرٍ واقعي لصنعه، فيحكي عن فيديو صمّمه حول مكان في أفريقيا يقطع فيه الناس مسافات طويلة لجلب الماء، وكيف استخدموا تصميماً بسيطاً لجرّ الماء على الأرض بدلاً من حمله. حقق الفيديو أربعين مليون مشاهدة،
ويقول: "طلب كثيرون رابط الجهة التي تعمل على المشروع، وذهبوا للتبرع له، وأصبح يستفيد منه أكثر من 11 ألف شخص". ويضيف أنه سعيد بهذا لأنه صنع أثراً واقعياً.
وعن اختياره اللغة الإنكليزية لتقديم المحتوى، يقول إنه جرّب النشر بالعربية، ولم يجد تجاوباً، موضحاً أن بعض الأشخاص ترجموا أعماله لفترة ثم توقفوا. أما جمهوره، فأغلبه من أوروبا وأميركا، بينما تمثل نسبة العرب أقل من عشرة في المئة.
ويشير إلى أن أعلى فترات الصعود كانت بين عامي 2016 و2017، معتبراً إياهما عامين جيدين، لكنه يرفض وصفهما بالذروة، قائلاً: "كل يوم هو ذروة، وما سيأتي هو الذروة أيضاً".
ويضيف أن الفارق الأهم هو أنه كان يصنع محتوى عن أعمال الآخرين، بينما اليوم الآخرون يصنعون محتوى عن أعماله. ويقول: "المحتوى الذي أنشره من تصورات وأفكار، يصبح أخباراً عالمية بمختلف اللغات".
أما عن خلوّ صفحته الشهيرة على فيسبوك من التفاصيل الشخصية، فيوضح أنه يفضّل التركيز على المحتوى العلمي، لأن الناس يأتون من أجله. يقول إنه لا يحب مشاركة أنشطته الخاصة، التي تتنوع بين محاضرات علمية وأخرى عن النجاح وتجربته،
مشيراً إلى أنه يحاول تقليص نشاطاته في الفترة الأخيرة للتركيز على عمله ومشاريعه، لأنها تتطلب سفراً وتنقلاً مستمرين. ويكشف عن انتقاله حديثاً إلى دبي بدلاً من برلين، مبرّراً ذلك برغبته في حرية أكبر للعمل مع الذكاء الاصطناعي، لأن في أوروبا قيوداً كثيرة،
إضافة إلى إمكانات أوسع للشراكات في دبي، حيث الشركات وصنّاع المحتوى كُثر. ويختتم: "أي مكان فيه إمكانية للنمو، أذهب إليه". ويستبعد عودته إلى اليمن حالياً بسبب الأوضاع، لكنه يؤكد أنه سيعود مستقبلاً، لارتباطه بأسرته وأرضه وذكرياته.
أما عن الملهمين في مسيرته، فيذكر هاشم عدداً من الأسماء، على رأسهم كارل ساغان، عالم الفلك الذي بسط العلوم عبر برنامجه عن الكون، وديفيد أتينبارا، صانع الوثائقيات الشهير، إلى جانب أشخاص آخرين، منهم أفراد عائلته.
يقول إنه يدين بالفضل لأسرته التي شجعته على الاطلاع، وللبيت الذي كانت تدور فيه نقاشات فكرية ومعرفية ألهمته كثيراً. والمقولة التي يؤمن بها هي: "في النهاية، كل شيء سيكون على ما يرام، وإذا لم يكن كذلك، فهي ليست النهاية".
وحين يُسأل عن حلمه الأول بكونه شاباً يمنياً صعد من قرية نائية في محافظة حجة (شمال غربي صنعاء) إلى الحديث عن "المحاكاة"،
يقول إن الطموحات تتطور وتتغيّر مع الوقت. "كنت أحلم بأن أصبح مخترعاً، أقدّم ابتكارات مفيدة للبشرية، لكنني الآن أجد أن نشر المحتوى والمعلومات العلمية بالأهمية نفسها، وأعتبره أفضل تعويض".
ويؤكد أنه لم يتخلّ عن حلمه بعد، فبعض تصوّراته وأفكاره في المحتوى تتضمّن مشاريع لتلك الابتكارات.
ويختتم الغيلي رسالته إلى الشباب، قائلاً: "الشغف، والعمل بما تحب، والجهد؛ ثلاثية لتحقيق النجاح".
ويضيف: "على الشباب أن يستفيدوا من الذكاء الاصطناعي، وأن يهتموا باللغة الإنكليزية، لأنها تصنع فارقاً، ومن دونها لن تصبح جزءاً من هذا العالم".
عمران مصباح
صحافي يمني.