
هل تنجح دمشق في استعادة الضامن الروسي للجنوب السوري؟
قال مصدر سوري لـ"رويترز"، اليوم الأربعاء، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يطرح على نظيره السوري أحمد الشرع، خلال لقائهما في موسكو، مسألة إعادة نشر الشرطة العسكرية الروسية في الجنوب السوري، ضماناً ضد أي تعديات إسرائيلية جديدة.
وبحسب الوكالة، فإن من المتوقع أن يضغط الشرع على بوتين للحصول على دعم موسكو في مواجهة المطالب الإسرائيلية بإنشاء منطقة منزوعة السلاح أوسع نطاقاً في جنوب البلاد.
وفي السياق، قال الخبير في العلاقات السورية - الإسرائيلية خالد خليل، إنّ "فكرة نشر الشرطة الروسية في الجنوب السوري ليست جديدة، إذ طُرحت خلال الأشهر الماضية، في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، أكثر من مرة، خصوصاً مع تصاعد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية وتوغلاتها المتكررة التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق".
وأشار خليل إلى أن "الضامن الروسي يشكل بديلاً يخلق نوعاً من استراتيجية التوازن التي تحاول دمشق اعتمادها، خاصة مع بروز التنافس الجديد بين إسرائيل وتركيا على النفوذ في المنطقة، وتذرّع الإسرائيليين بتنامي الدور التركي على جبهتهم الشمالية".
وأضاف خليل أن "روسيا لعبت سابقاً دور الضامن في منطقة الجنوب، في ظل التنافس العبري - الإيراني، ولا سيما في عامي 2017 و2018 بعد اتفاقيات خفض التصعيد، حين توصل الإسرائيليون والروس في حقبة الأسد إلى اتفاقيات أمنية غير معلنة،
تعهدت بموجبها موسكو بإبعاد المليشيات الإيرانية، وخصوصاً الحرس الثوري، لمسافة تزيد عن 80 كيلومتراً، فيما خضعت المنطقة الجنوبية آنذاك لرقابة الشرطة العسكرية الروسية والفيلق الخامس".
ويرى خليل أن إعادة إحياء هذه الفكرة "قد تكون خطوة جيدة تحقق توازناً استراتيجياً يعزز قدرة دمشق على نسج علاقاتها الإقليمية، وكبح الاعتداءات الإسرائيلية التي تتذرع بتنامي النفوذ التركي".
وفي وقت سابق اليوم، عقد الرئيس السوري، أحمد الشرع، أول لقاء له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في زيارة رسمية إلى موسكو هي الأولى له منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وأكد الشرع خلال اللقاء أنّ "استقرار سورية مرتبط بالاستقرار الإقليمي والعالمي"، مضيفاً: "نحن في سورية الجديدة نعيد ربط العلاقات مع كل الدول الإقليمية والعالمية".
وشدد الرئيس السوري على أن بلاده "ستحاول إعادة ضبط علاقاتها مع روسيا، والأهم هو تحقيق الاستقرار في البلاد والمنطقة"، مطمئناً بوتين بأن سورية ستلتزم بجميع الاتفاقيات السابقة.
من جانبه، أعرب بوتين عن استعداد موسكو لتعزيز العلاقات مع دمشق، مؤكداً أنّ "مصالح الشعب السوري هي التي تحركنا دوماً".
تفاؤل أم مخاوف من زيارة الشرع لروسيا
يرى الخبير الاقتصادي الدكتور زياد عربش أن زيارة الشرع تشكل فرصة لإعادة دمج سورية في الاقتصاد الدولي عبر روسيا.
وقال عربش ، إن "روسيا تمتلك قدرة تمويلية كبيرة وعلاقات دولية واسعة، وهذا يعني أن الاتفاقيات المحتملة قد توفر تمويلات لمشاريع إعادة الإعمار، خصوصاً في البنى التحتية والطاقة، التي تحتاج إلى استثمارات عاجلة".
وأضاف أن تدفق الاستثمارات الروسية قد يساهم في استقرار سعر الصرف وتحفيز النمو الصناعي والزراعي وخلق فرص عمل جديدة، وبالتالي تحسين المستوى المعيشي للطبقة الوسطى،
وأشار إلى أن الأرقام قد تعكس هذا التفاؤل إذا نجحت الاتفاقيات الروسية، حيث "يمكن توقع زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة تراوح بين 15% و20% خلال السنة الأولى، وخفض معدل التضخم السنوي بمقدار ما بين خمس وسبع نقاط مئوية، وتحقيق نمو اقتصادي يراوح بين 3% و4% في الناتج المحلي الإجمالي".
في المقابل، يرى الاقتصادي مالك عبد القادر أن الاعتماد على موسكو يحمل مخاطر عميقة قد تفاقم تعقيدات الاقتصاد السوري.
وأوضح الخبير الاقتصادي ، أن "التمويل والاستثمارات الروسية غالباً ما تأتي ضمن شروط سياسية محددة، وقد تركز على مشاريع استراتيجية كبيرة، بينما تُترك القطاعات الصغيرة والمتوسطة في وضع هش دون دعم حقيقي".
وحذر عبد القادر من أن أي اعتماد مفرط على روسيا قد يؤدي إلى تبعية اقتصادية طويلة الأمد، ويقلل قدرة الحكومة السورية على اتخاذ قرارات مالية مستقلة،
مشيرًا إلى أن التأثير على التضخم قد يكون محدودًا، وربما لا يتجاوز خفضاً طفيفًا بمقدار ما بين نقطتين وثلاث نقاط مئوية،
بينما يبقى النمو الاقتصادي ضعيفًا عند ما بين 1% و2%، مع استمرار البطالة في مستويات مرتفعة، خصوصًا بين الشباب والخريجين الجدد.
وتحمل زيارة الشرع لموسكو تأثيراً متفاوتاً على مختلف القطاعات الاقتصادية في سورية، ففي قطاع الطاقة والنقل من المتوقع أن تستفيد المشاريع الكبرى من التمويل الروسي،
مثل إعادة تأهيل محطات الكهرباء وشبكات النقل، ما قد يعزز قدرة الصناعة والخدمات على العمل بكفاءة أكبر.
في المقابل، تواجه الزراعة والصناعات الصغيرة تحديات أكبر، إذ إن التمويل الروسي غالباً ما يركز على المشاريع الاستراتيجية الكبيرة، تاركاً القطاعات الصغيرة والمتوسطة في وضع هش دون دعم ملموس، وهو ما قد يزيد الفجوة الاقتصادية ويحد من قدرة الاقتصاد على تحقيق نمو شامل ومستدام.
أما مشاريع إعادة الإعمار الكبرى، فهي على الأرجح ستستفيد مباشرة من التمويل الروسي، لكنها قد تظل بعيدة عن تحسين معيشة المواطنين بشكل ملموس إذا لم تصاحبها برامج لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل النواة الحقيقية للنمو الاقتصادي المحلي وخلق فرص العمل.