
بعد نهاية حرب غزة... هل حان دور سوريا ولبنان؟
الرأي الثالث - وكالات
مع نهاية الحرب في غزة تتجه الأنظار إلى لبنان وسوريا، وسط توقعات بفتح مسار تفاهمات للبلدين مع "إسرائيل" ترسي استقراراً كاملاً في المنطقة.
إذ فتح وقف الحرب في غزة نافذة لإعادة ترتيب المشهد الإقليمي، لا سيما أن عدة عوامل تدفع نحو التفاهم بين سوريا ولبنان مع "إسرائيل"، أبرزها الإنهاك الداخلي، والضغوط الاقتصادية، والرغبة الدولية بالاستقرار.
لكن في المقابل، تبقى عدة عقبات بنيوية وسياسية قائمة، أهمها غياب الثقة مع الجانب الإسرائيلي رغم التطمينات الأمريكية.
واقع اليوم
يجد لبنان وسوريا نفسيهما أمام واقع إقليمي جديد، فلبنان الخارج من مواجهة مدمرة مع "إسرائيل" منذ أواخر 2024 يعاني من أزمات اقتصادية خانقة، ويحتاج إلى استقرار طويل المدى لتفادي الانهيار الشامل.
أما سوريا، التي أنهكتها الحرب الداخلية والعقوبات، فترى في أي تهدئة إقليمية فرصة لتحسين موقعها السياسي وإعادة الانخراط في الملفات الإقليمية.
الرئيس السوري أحمد الشرع أكد من جانبه، في مقابلة مع قناة "سي بي إس نيوز" الأمريكية، بثت (الاثنين 13 أكتوبر)، ضرورة انسحاب "إسرائيل" من أي نقطة احتلتها بعد 8 ديسمبر الماضي، تاريخ سقوط النظام السابق.
كما اعتبر أن استهداف "إسرائيل" للقصر الرئاسي في يوليو الماضي، "إعلان حرب"، إلا أنه أكد أن "سوريا لا ترغب في خوض الحروب"، موضحاً أن "سوريا لم تستفز إسرائيل منذ وصولنا إلى دمشق، ولا تريد أن تشكل تهديداً لها أو لأي دولة أخرى".
الرئيس اللبناني جوزيف عون من جانبه شدد على أنه "لا بد من التفاوض" مع "إسرائيل" بهدف حل المشكلات العالقة بين الطرفين، بالتزامن مع بدء تطبيق المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لإنهاء الحرب في غزة.
وقال عون، في تصريحات أمام وفد من الإعلاميين الاقتصاديين، وفق بيان عن الرئاسة (13 أكتوبر): "سبق للدولة اللبنانية أن تفاوضت مع إسرائيل برعاية أمريكا والأمم المتحدة، ما أسفر عن اتفاق لترسيم الحدود البحرية".
وتساءل الرئيس اللبناني: "ما الذي يمنع أن يتكرر الأمر نفسه لإيجاد حلول للمشاكل العالقة، لا سيما وأن الحرب لم تؤد إلى نتيجة؟
فإسرائيل ذهبت إلى التفاوض مع حركة حماس لأنه لم يعد لها خيار آخر بعدما جربت الحرب والدمار"،
مضيفاً: "اليوم الجو العام هو جو تسويات، ولا بد من التفاوض، أما شكل هذا التفاوض فيُحدّد في حينه".
واعتبر عون أنه "لا يمكن أن نكون نحن خارج المسار القائم في المنطقة، وهو مسار تسوية الأزمات، ولا بد أن نكون ضمنه، إذ لم يعد في الإمكان تحمّل المزيد من الحرب والدمار والقتل والتهجير".
استقرار المنطقة
الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يرفع لواء الاستقرار والسلام في المنطقة، ويشدد على ضرورة ترسيخ سلام أبدي يضمن الرفاه والتعايش المشترك في الشرق الأوسط.
وخلال كلمته في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) قال ترامب: إن "هذا هو العصر الذهبي لإسرائيل ولمنطقة الشرق الأوسط"، مؤكداً أن "الفوضى التي ابتليت بها المنطقة انتهت تماماً"، مطمئناً "إسرائيل" أن أمنها "لن يعود مهدداً بأي شكل من الأشكال".
كما أكد الرئيس الأمريكي دعمه لـ"الرئيس اللبناني في نزع سلاح الحزب وبناء دولة تعيش بسلام مع جيرانها".
وعلى هامش كلمة ترامب قال يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية، إنه "بعد عامين من الحرب، يجب على شعوب المنطقة أن تتساءل: من هو أفضل حالاً؛ من اختار طريق السلام أم طريق الحرب؟
من استثمر في الناس وتعليم الأطفال والعلوم والتكنولوجيا، أم من استثمر في الكراهية والعنف".
كما دعا "الدول الإسلامية وجيران إسرائيل، لا سيما السعودية وسوريا، إلى الحوار"، قائلاً: "نحن هنا لنقول إننا قادرون على إنجاز أمور عظيمة معاً".
وفي أكثر من مناسبة أبدى الرئيس الأمريكي رغبة واضحة في استثمار وقف إطلاق النار في غزة كفرصة لإحياء وتوسيع ما يُعرف باتفاقيات "أبراهام"، التي وضعت عام 2020 إطاراً لتطبيع العلاقات بين "إسرائيل" ودول عربية وإسلامية.
ترامب يرى أن لحظة نهاية الحرب توفر "زخماً دبلوماسياً" يمكن أن يبنى عليه لتشجيع مزيد من الدول العربية على الانضمام إلى هذه الاتفاقيات، وهو ما يسهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي وتقليل احتمالات تجدد الصراعات.
لكن هذا الطموح لن يكون سهلاً، فالدول العربية والإسلامية التي لم تطبع بعد تلتزم بشرط إقامة دولة فلسطينية وضمانات لحقوق الفلسطينيين، وهو ما يضع الكرة في ملعب "إسرائيل"، الواقعة تحت هيمنة حكومة نتنياهو المتطرفة والتي لا تخفي أطماعها التوسعية.
ما القادم؟
لكن أمام الواقع الداخلي والإقليمي الجديد والمساعي الأمريكية لإرساء الاستقرار، يجد لبنان وسوريا أن مرحلة "الانغلاق والجمود" مع "إسرائيل" وصلت إلى نهايتها.
إذ تعكس تصريحات قادة البلدين إدراكاً بأن استمرار الجمود لم يعد مجدياً، وأن تسويات محدودة أو تفاهمات أمنية جزئية قد تشكل مدخلاً لتقليل التوترات، وربما لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع "إسرائيل"، وسط ترحيب دولي وإقليمي أيضاً.
وفي هذا السياق يشير موسى قرقور، الباحث في علم المخاطر والصراعات، إلى أن "غزة كانت ساحة حرب مفتوحة، بينما سوريا ولبنان لا تزالان ساحة حرب محدودة ولم تمتد لمواجهة شاملة"، مضيفاً ..
- في غزة كانت المواجهة حتمية، أما في سوريا ولبنان فالحسابات دقيقة والرسائل ترسل من دون ضجيج.
- في الحالة السورية، يبدو الحديث عن اتفاق أمني مع "إسرائيل" حتى الآن أقرب إلى التمنّي منه إلى الواقع.
- ميزان القوى لا يزال مختلاً بوضوح، والحكومة الإسرائيلية الحالية لا تُظهر أي استعداد لتفاهمات متكافئة.
- سوريا رغم محاولاتها المستمرة لاستعادة حضورها الإقليمي، ما زالت تركّز على تثبيت الاستقرار الداخلي، وإعادة بناء توازنها الوطني قبل الانخراط في أي مفاوضات شاملة مع "إسرائيل".
- في لبنان الصورة أكثر تشابكاً، فـ"حزب الله" ما زال القوة الأبرز في المعادلة اللبنانية، يحتفظ بسلاحه ونفوذه، ولا تملك الدولة اللبنانية الوسائل الفعلية لفرض قرار بنزع سلاحه.
- لذلك فإن الحديث عن اتفاق أمني لبناني–إسرائيلي يبقى نظرياً في المدى المنظور، ما لم تتدخل قوى خارجية كبرى لرعاية تفاهم يضمن مصالح جميع الأطراف، ويجد قبولاً من "إسرائيل" نفسها.
في المجمل، يمكن القول إن سوريا ولبنان اليوم يعيشان حالة من الهدوء الحذر، لا حرب مفتوحة، ولا سلام معلن، بل مساحة رمادية بين الردع والتريث، تحكمها الحسابات الإقليمية الكبرى أكثر مما تحكمها قرارات داخلية.
- قد يستمر هذا الوضع طويلاً إلى أن تنضج صفقة إقليمية أوسع تعيد رسم خرائط الأمن في الشرق الأوسط بعد غزة، وتحدد فعلاً ما إذا كان الدور القادم سيكون لسوريا ولبنان أم لا.