الاقتصاد الرقمي يغيّر قواعد اللعبة.. الخليج في قلب الثورة الوظيفية
تشهد دول مجلس التعاون الخليجي تحولات جذرية في أسواق العمل نتيجة للإصلاحات الاقتصادية الكبرى، التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط، والانتقال إلى اقتصاد رقمي قائم على المعرفة.
هذه التحولات أحدثت طفرة في الطلب على المهارات الوظيفية المرتبطة بالتكنولوجيا والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والروبوتات، وهو ما يجعل دول الخليج وجهة مفضلة للكفاءات التقنية العالمية، ويدخلها في ثورة بسوق العمل.
لماذا هذا التحول في سوق العمل؟
تعمل دول الخليج على تقليل اعتمادها على النفط، والتركيز على تنويع الاقتصاد من خلال تعزيز القطاعات المعرفية والرقمية مما خلق طلباً كبيراً على الوظائف التقنية.
وتقود تقنيات الذكاء الاصطناعي، والبلوكتشين، والأتمتة، وإنترنت الأشياء سوق العمل في المنطقة خاصة أن هذه القطاعات لم تعد تقتصر على الصناعات التكنولوجية فقط بل دخلت في قطاعات حيوية مثل الصحة، والتعليم، والطاقة، والخدمات الحكومية.
وكل هذا أدى إلى ظهور وظائف جديدة مثل محللي البيانات، ومطوري البرمجيات، وخبراء الأمن السيبراني، وهو ما يتطلب مهارات حديثة لا تتوفر بالضرورة في القوى العاملة التقليدية.
أهم الوظائف المطلوبة
الأمن السيبراني
بسبب التهديدات المتزايدة للهجمات الإلكترونية، أصبح الأمن السيبراني أولوية.
السعودية وحدها بلغ حجم سوق الأمن السيبراني فيها 3.54 مليارات دولار حتى أغسطس الماضي، مع توقع زيادة فرص العمل في هذا القطاع بنسبة 20% سنوياً حتى عام 2030، وفق تقرير نشرته صحيفة الاقتصادية المحلية.
الذكاء الاصطناعي
يعد الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة أحد الركائز الأساسية للتحول الوظيفي في دول الخليج، حيث تستخدمه الحكومات والشركات لتحسين الكفاءة وخفض التكاليف.
وتتصدر السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة موجة ثورة الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية.
وتوقعت شركة البيانات الدولية "آي دي سي" (IDC) أن يتجاوز الإنفاق على الذكاء الاصطناعي وحده في المنطقة 3 مليارات دولار هذا العام، بزيادة 32% عن عام 2023.
وتشير الشركة إلى أنه توجد رغبة واضحة في الاستثمار بالذكاء الاصطناعي بشكل عام والذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل خاص، وفق تقرير نشرته بالأول من نوفمبر الجاري.
وفي هذا السياق، ذكر تقرير صادر في أكتوبر الماضي عن وزارة الاقتصاد الإماراتية تحت عنوان "المواهب التقنية المستقبليّة في الإمارات 2024"، أن هناك نمواً كبيراً في استخدام أدوات التوظيف القائمة على الذكاء الاصطناعي، مع ارتفاع معدلات الاستخدام بنسبة 90 بالمئة منذ عام 2022.
وذكر التقرير أن كلاً من شركات التكنولوجيا الكبرى والشركات الناشئة تميل بشكل كبير نحو هذه الحلول والتقنيات المتطورة.
وتوفر دبي وأبوظبي أكبر عدد من فرص العمل التقنية، خاصة في مجالات البرمجيات وتحليل البيانات، حسب التقرير نفسه.
التكنولوجيا المالية
تقنيات الدفع الرقمي والخدمات المصرفية الذكية تزدهر في المنطقة، خاصة في السعودية والإمارات.
ووفقاً لتقرير من شركة "كوبر فيتش"، نشرته في سبتمبر الماضي، ارتفعت الوظائف في هذا القطاع بنسبة 15% في عام 2024.
تحليل البيانات
مع تزايد اعتماد الشركات على البيانات لاتخاذ القرارات الاستراتيجية، أصبح الطلب على خبراء تحليل البيانات مرتفعاً جداً.
الأتمتة والروبوتات
قطاعات مثل النفط والغاز، والصناعة، والرعاية الصحية في الخليج تتبنى الأتمتة بشكل متزايد، وهو ما يوفر فرص عمل في تشغيل وصيانة الأنظمة الآلية والروبوتات.
تحول دولي
وهذا التحول لا يقتصر على دول الخليج، فحسب بيانات نشرها موقع المنتدى الاقتصادي العالمي، في 22 نوفمبر الجاري، سيتأثر نحو 44% من مهارات العمال عالمياً بين عامي 2023 و2028.
وذكر الموقع أن دول الخليج عملت على تنويع اقتصاداتها، كما تتحول من القطاعات المعتمدة على النفط إلى القطاعات المعتمدة على المعرفة، ما فرض حاجة ملحة لتحسين المهارات وإعادة تشكيلها.
وفي العام 2023، كشفت جامعة أبوظبي عن مجموعة من الدرجات الجامعية الجديدة في مجالات مثل التكنولوجيا وإدارة البيانات والاستدامة والتفكير النقدي وحل المشكلات والذكاء العاطفي وريادة الأعمال، وهذا يتوافق مع الثورة الجديدة في سوق العمل.
ويأتي ذلك في ظل عدم استعداد خريجي الجامعات بالسنوات الماضية بما يكفي للتحول الوظيفي القائم.
وعلى سبيل المثال قالت 7% فقط من الشركات البريطانية إن خريجي الجامعات الذين ينضمون إلى القوى العاملة مستعدون بما يكفي لتأثيرات الذكاء الاصطناعي، حسب موقع المنتدى الاقتصادي العالمي.
ونتيجة للمشهد التكنولوجي المتغير بسرعة، قد نفقد نحو 83 مليون وظيفة خلال السنوات القليلة المقبلة، وفق الموقع نفسه.
إيجابيات وسلبيات
وبهذا الشأن يقول المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر، إن دول الخليج وكثير من دول العالم تشهد ثورة في سوق العمل مع اقتحامها عالم التقنية والتنوع الاقتصادي.
ويشير أبو قمر ، إلى أن لهذا التحول إيجابيات فهو يساعد على تعزيز اقتصاد أكثر استدامة وأقل عرضة لتقلبات أسعار النفط والطاقة.
ويوضح أن هذا التحول يساهم أيضاً في جعل دول الخليج وجهة مفضلة للمواهب التقنية من مختلف أنحاء العالم، مشيراً إلى أن ذلك يساهم بتطوير الكفاءات المحلية لتكون جزء من الثورة التكنولوجية.
ويلفت إلى أن الاستثمارات في التكنولوجيا تخلق بيئة خصبة للابتكار، وهو ما يعزز مكانة الخليج كمركز عالمي للابتكار.
ولكن المحلل الاقتصادي يشير كذلك إلى سلبيات لهذا التحول، من أبرزها نقص الكفاءات المحلية المؤهلة، وهو ما يزيد الاعتماد على العمالة الوافدة، وفقدان آلاف الوظائف في قطاعات تقليدية مثل الزراعة والخدمات اليدوية ما يعني خلق تحديات اجتماعية.
ومن السلبيات كذلك، وفق المحلل الاقتصادي، أن إعداد القوى العاملة المحلية للتغيرات التكنولوجية يتطلب استثمارات ضخمة في التدريب والتعليم.
دور الحكومات
وحول الدور الذي يجب أن تتبناه الحكومات الخليجية والشركات في دعم التحول بسوق العمل، يقول أبو قمر، إن "دول الخليج عملت فعلاً في هذا الملف من خلال الخطط الإصلاحية الاستراتيجية التي أطلقتها مثل "رؤية 2030 السعودية".
ويشير إلى أن أهم عوامل دعم التحول الوظيفي يتمثل بتوفير حوافز مالية للشركات للاستثمار في التدريب والتكنولوجيا، وتعزيز التعاون مع الجامعات والمؤسسات التعليمية لربط التعليم باحتياجات سوق العمل الحقيقية، إضافة إلى زيادة الاستثمار في برامج التدريب والتطوير، وتبني تقنيات متقدمة لتحسين الإنتاجية.