
تعافي العملة اليمنية يعزز الثقة بالتدابير الحكومية
نجحت تدابير الحكومة اليمنية في استعادة ثقة المجتمع إثر تحقيق تعافٍ كبير في العملة المحلية (الريال اليمني) ووقف التلاعب المصرفي، إلا أنها ما زالت تواجه مخاوف عدم القدرة على تحقيق الاستقرار والتدخل المنظم وضبط أسعار السلع الأساسية، في حين يحذّر تقرير أممي من عدم استدامة تلك الإجراءات بفعل التحديات الاقتصادية العميقة.
وبيَّنت المصادر أن اللجان الميدانية تسعى للتركيز على مراقبة المخابز والأفران لضبط أسعار الخبز، وإلزام المطاعم بخفض أسعار وجباتها بما يتناسب مع الأسعار الجديدة للمواد الغذائية بعد مرور أكثر من شهر منذ بدء تعافي العملة، منوهة إلى إلزام جميع الباعة والتجار بالأسعار الجديدة يحتاج إلى بعض الوقت والكثير من الجهد.
في المقابل، تتواصل شكاوى السكان من عدم التزام الباعة وأصحاب المطاعم بالأسعار الجديدة، وادعائهم أن السلع والمنتجات التي بحوزتهم تم شراؤها قبل تعافي الريال، في حين يتذمر تجار الجملة والمستوردون من عدم قدرتهم على الحصول على العملات الأجنبية لتسهيل عمليات الاستيراد، رغم أن الحكومة أنشأت لجنة متخصصة لضبط وتمويل الاستيراد.
بعد تعافي الريال اليمني لا يزال السكان يطمحون إلى انخفاض أسعار المواد الأساسية (أ.ف.ب)
ودعا مازن شمسان، وهو من أهالي مديرية المقاطرة في محافظة لحج (جنوب)، السكان إلى الحذر والانتباه عند تناول الطعام في المطاعم أو شراء الأغذية من المحال التجارية؛ لكون أصحابها يعلّقون قوائم بالأسعار على الأبواب والجدران ويبيعون بأسعار أعلى، خصوصاً عند شراء مجموعة سلع، بحيث لا ينتبه الزبون إلى أنه تم خداعه بمجموع الأسعار.
وفي المديرية نفسها اشتكى عدد من الباعة والتجار من أن الأسعار الجديدة تلحق بهم الخسائر نتيجة شرائها منذ أكثر من شهر.
استحسان مجتمعي
وأنشأت الحكومة اليمنية في يوليو (تموز) الماضي «اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات»؛ بهدف ضبط حركة الاستيراد والحد من المضاربات، والتي قيدت الاستيراد بـ25 سلعة أساسية، من بينها القمح، والأرز، والزيوت النباتية، والسكر ومنتجات الألبان والأدوية.
ويبدي غالب سعيد، وهو تاجر مواد غذائية في مديرية المواسط في محافظة تعز (جنوب غرب)، عدم رضاه عن الأسعار الجديدة التي أُلزم بها وزملاؤه دون مراعاة لكونهم يشترون سلعهم بالجملة على فترات زمنية طويلة تمتد لأشهر؛ لتوفير تكاليف النقل والتخزين وأجور العمال، في حين يرفض تجار الجملة والمستوردون التعامل معهم بطريقة تسويق تحميهم من الخسائر في حال عدم بيع المنتجات.
مسؤول محلي في عدن خلال جولة ميدانية لمراقبة الالتزام بالأسعار الجديدة (إكس)
وأقرّ التاجر بما يوجّه لهم من اتهامات بأنهم يرفعون أسعار السلع بمجرد تراجع الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، ولا يبيعون بالأسعار السابقة، إلا أنه برر ذلك بأنها مطالب وشروط المستوردين الذين يبلغونهم عن حاجتهم إلى شراء العملات بالأسعار الجديدة.
وفي حين لا يزال سكان المدن الصغيرة والأرياف والمناطق النائية يشكون من عدم حدوث تحسن كافٍ في الأسعار، أظهر سكان في العاصمة المؤقتة عدن ومدينة تعز لـ«الشرق الأوسط» استحسانهم للتغيرات في الأسعار، خصوصاً في المطاعم، والمقاهي، وأسواق المواد الغذائية والخضراوات والفواكه، بعد الإجراءات الحكومية الأخيرة.
وبادر كثير من المطاعم والمقاهي إلى إعلان الأسعار الجديدة، سواء على أبوابها أو على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي.
وأعربت لمياء محمد، وهي ناشطة مجتمعية في عدن، عن سعادتها بالأسعار الجديدة التي مكَّنتها أخيراً من الخروج للقاء أصدقائها وزملائها في المقاهي؛ لمناقشة وتنفيذ عدد من الأنشطة، بعد أن اضطروا خلال الأشهر الماضية إلى الاكتفاء بالتواصل عبر الهاتف أو الاجتماع في المنازل.
إلزام المحال التجارية في تعز بنشر الأسعار الجديدة على أبوابها (فيسبوك)
وعبَّر عدد من الناشطين في مدينة تعز عن امتنانهم للمقاهي التي سارعت إلى الإعلان عن أسعار جديدة بعد تعافي الريال، ودعتهم إلى التجمع فيها وإبداء ملاحظاتهم حول أسعار الأطعمة والمشروبات وجودتها.
تحذيرات أممية
وعدّ تقرير أممي حديث الإجراءات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي اليمني في عدن ناجحة بشكل مؤقت في تعزيز قيمة الريال اليمني وخفض أسعار المواد الغذائية، مطالباً بالحذر من عدم استمرارها؛ كونها ستظل هشة وغير مستدامة في ظل استمرار التحديات الاقتصادية العميقة التي تواجه البلاد.
وحسب التقرير الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، فقد شهدت الأسواق اليمنية خلال الشهر قبل الماضي تحركات متباينة في أسعار الصرف والوقود والسلع الغذائية الأساسية، لتحقق استقراراً نسبياً خلال أغسطس (آب) الماضي، مع توقعات قاتمة للأمن الغذائي في اليمن حتى فبراير (شباط) المقبل.
تحذيرات أممية من هشاشة الإجراءات الحكومية وسط انعدام الحلول الاقتصادية (الأمم المتحدة)
وطبقاً لتوقعات المنظمة الأممية، فإن من المرجح أن يظل أكثر من 18 مليون شخص، أي قرابة نصف السكان، في معاناة بسبب انعدام الأمن الغذائي الحاد، في ظل محدودية القدرة الشرائية للعائلات، وضعف التوقعات الزراعية لموسم 2025، إضافة إلى تأثيرات السيول والفيضانات والجفاف المتقطع.
وألمحت «الفاو» في تقريرها إلى أن استمرار عوامل الضعف المؤسسي، وانعدام الشفافية، والتشرذم التنظيمي، قد تكون سبباً في تقويض فاعلية الإجراءات الحكومية، بالتزامن مع تراجع تعليق المساعدات الإنسانية ومحدودية الواردات؛ ما يهدد بالكثير من المخاطر على معيشة ملايين اليمنيين.
وشددت على أهمية مراقبة المستجدات في ملفات أساسية مثل أسعار الغذاء، وتغير اللوائح الحكومية، وعمل المواني، وظروف المناخ، وتصاعد الصراع، إضافة إلى تداعيات الأزمة الإقليمية وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط.