
إنجي مراد أخذت علي و... مضت
سيدة من أصول تركية تعيش في الشام من أجل ابنتها الوحيدة! تراقب جمالها الآسر، وتفرح بنجاحاتها وحصّتها من الضوء، كما لو أنها تملك الشمس بمفردها! لاحقاً صارت تغبطها فكرة أن يصبح لحفيدتها الوحيدة، شقيق كي لا تتكرّر تجربة الابنة الوحيدة!
فجأة تصحو هذه السيدة واسمها آني أورفلي من كابوس خطير ينذر بالشؤم، فتنكبّ على عملها في ملجأ أسّسته لرعاية الحيوانات المريضة والشريدة في مدينة يصعب على البشر فيها الحفاظ على حياتهم وتحصيل خبزهم اليومي.
في موازاة ذلك، تبذل جهوداً مضاعفة في إطلاق نداءات إنسانية لمرضى لا يملكون ثمن دوائهم.
كان ذلك امتثالاً لرسالتها في الحياة، وأيضاً طمعاً بأن يصرف عنها القدر ما رأته في المنام المخيف، لكن من دون طائل، طالما أن المكتوب على الجبين ستراه العين على حد تعبير المثل الشعبي المعروف.
لم تمر سوى أيام حتى دخلت ابنتها الوحيدة الحامل في شهرها الخامس، إلى المستشفى بعد إصابتها بالتهاب رئوي حاد ثم بدأت حالتها تسوء.
وليكتمل عِقد المفاجآت المخيّبة، ستكتب الصبية الجميلة نعوتها بنفسها قبل حوالى عشرة أيام من رحيلها، عبر منشور على صفحتها على الفايسبوك كان عبارة عن ثلاث كلمات: «سامحوني إنني أُحتضر».
ولكي يتوّج سيناريو حرث الروح ذاك بجرعة مضافة من القسوة، سترحل الشابة المترفة بالحيوية والحضور وهي تحت غيبوبة، على إثر تدهور وضعها الصحي، وولادتها مجبرةً طفلها الثاني «علي» في عملية مبكرة، قبل أن تمضي إلى غير رجعة، فيما لحقها طفلها بعد يوم واحد على رحيلها.
هذا المشوار الخاطف لم تصل خطواته أبعد من 33 عاماً قضت غالبيتها تحت الضوء، خصوصاً أنّها توِّجت بلقب ملكة جمال آسيا عام 2017 ولعبت أدواراً في عدد من المسلسلات السورية.
ما سبق ليس ملخّص فيلم تراجيدي يحفر دربه في قلب الحزن، إنما قصّة الأشهر الأخيرة من حياة الممثلة السورية إنجي مراد (1992 ــــ 2025) ووالدتها المربية آني أورفلي التي كانت تقبض بيد على سرير ابنتها وهي تحتضر،
وتلوّح بالثانية لكلّ فاعل خير يريد إنقاذ حيواناتها المصابة في ملجأ بنته خصيصاً لذلك وساعدتها فيه ابنتها الراحلة التي أغمضت عينيها صباح الأحد الماضي.
كل من عرف إنجي مراد عن قرب، التقط بسرعة أنها نموذج صريح للفتاة الحرّة والمثقفة. كانت بعيدة كلّ البعد عن الادعاء ونأت بنفسها تماماً عن الزيف الذي يسيطر على بعض العاملين في الدراما السورية.
بدأت التمثيل في سن باكرة، إذ لم تكن تتجاوز الـ 12 عاماً. وفي السادسة عشرة، لعبت دوراً صغيراً أمام «نحّات التمثيل» سلوم حداد في مسلسل «سوق الورق» (كتابة آراء جرماني وإخراج أحمد إبراهيم).
يومها قال لها الممثل المرموق: «تملكين ما يستحق منك الشغل على نفسك، ومحاولة تعميق موهبتك في فن الأداء».
لاحقاً، حضرت في أعمال متباينة المستوى أهمها «ببساطة» (لوحات كوميدية أنتجها باسم ياخور لكتّاب عدة وإخراج سيف السبيعي) و«حرملك» (سليمان عبد العزيز وتامر اسحق) و«بقعة ضوء 13» (مجموعة كتاب وفادي سليم) وأخيراً «سوق الحرامية» (كانون/ كتابة علاء مهنا وإخراج إياد نحاس).
لم تُتح لها فرصة دراسة التمثيل بشكل أكاديمي، فراحت نحو خيار صعب يتمثّل في التجريب العفوي مع الكاميرا واختبار إمكاناتها، فراكمت ملامح خبرة عبر ما يُتاح لها من أعمال وكانت صريحة مع نفسها ومع من يعرفها إلى درجة قالت لنا مرّة في أحد حواراتنا المصورة معها: «اشتغلت في أعمال هابطة فعلاً!
إذ لم يقدّر لي الحكم على مستواها، وكنت في بداية مشواري، لكنّني أردتها ورشة عمل بالنسبة إليّ. وبالفعل تعلّمت شيئاً منها، وربما توّجت جهودي لاحقاً