
ذكاء اصطناعي يفهم ويتذكر ويخطط... هل تجاوزنا زمن الأوامر؟
لم يعد عصر الذكاء الاصطناعي يتمحور حول أدوات أكثر ذكاءً فقط، بل حول علاقات أكثر ذكاءً، وهنا نعي علاقات بين «وكلاء الذكاء الاصطناعي».
يشير صعود «وكلاء الذكاء الاصطناعي» إلى تحول من المساعدين المعتمدين على الأوامر إلى وكلاء مستقلين قادرين على الفهم، والتخطيط، والتنفيذ، مع مراعاة السياق والاستمرارية.
يرى صامويل هوبر الرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ورئيس قطاع المؤسسات في «نابستر كورب» (Napster Corp) أن ظهور «وكلاء الذكاء الاصطناعي» يغيّر جذرياً طريقة تفاعلنا مع الأنظمة الرقمية.
ويشرح خلال حديث خاص مع «الشرق الأوسط» فيقول إن «وجود وكلاء الذكاء الاصطناعي يشكل أنظمة مستقلة يمكنها تفسير هدف المستخدم، وتخطيط سلسلة من الخطوات، وتنفيذها دون الحاجة إلى نقاط تحقق بشرية دائمة».
لماذا «وكلاء الذكاء الاصطناعي» الآن؟
لفهم دور «وكلاء الذكاء الاصطناعي» يجب مقارنته بالمساعدين التقليديين، مثل روبوتات الدردشة (تشات بوتس)، والمساعدين الصوتيين الذين يحتاجون إلى تعليمات محددة، وغالباً ما يعيدون البدء في كل تفاعل.
يصف هوبر ذلك بنظام يمكنه التذكّر والاستدلال، والتكيّف، واتخاذ القرار بشكل مستقل. ويضيف: «يجب أن يكون قادراً على تحديد الأهداف، وتخطيط المسارات، وتعديلها عند الحاجة».
ولا تقتصر المتطلبات على النماذج اللغوية المتقدمة (LLMs)، بل تشمل الذكاء السلوكي أيضاً، أي أن يفهم الذكاء الاصطناعي النبرة والتردد، والمشاعر. يذكر هوبر أنه لكي نثق في الذكاء الاصطناعي، يجب أن يبدو طبيعياً.
ويتابع: «يجب أن يفهم الإشارات البشرية، لا الكلمات فقط، وأن هذا المفهوم تجسده منصة (نابستر سبايسس) (Napster Spaces) حيث يمكن بنقرة واحدة نشر فريق كامل من الوكلاء».
يوضح هوبر أن هؤلاء الوكلاء يقومون بجمع المحتوى من المواقع، وكتابة النصوص، وتصميم الصور، وإطلاق مساحات غامرة كاملة في الوقت الحقيقي.
وتستند هذه القدرات إلى تقنية «تاتش كاست» (Touchcast) والتي طوّرت «معلمين رقميين» يتحدثون مع المستخدمين في محادثات واقعية عبر الفيديو، تجمع بين الشخصية والمعرفة التخصصية.
الأساس التقني
يتطلب «وكلاء الذكاء الاصطناعي» نوعاً جديداً من البنية التقنية. يوضح هوبر أربعة عناصر أساسية، وهي نماذج لغوية للتفكير، وذاكرة طويلة الأمد للسياق،
وعرض فوري للبيئات الغامرة، وواجهات متعددة الوسائط تجمع بين الصوت والنص والفيديو والإيماءات. أحد الابتكارات الرئيسة هي نموذج الشخصية الكبير (LPM) الخاص بـ«Napster» والذي يعمل كـ«نظام تشغيل للشخصية».
يرث كل وكيل سلوكه وصوته وقواعده المعرفية من هذا النموذج، ما يضمن الاتساق والثقة. ويضيف هوبر: «سواء باع الوكيل أو دعم أو درّس، فإنه يتصرف بطريقة متسقة ومتعمدة».
تعدد الوسائط
يقول هوبر: «إن البشر لا يتواصلون بطريقة واحدة فقط بل نحن نشير ونتوقف ونغيّر نبراتنا». تعدد الوسائط يسمح للذكاء الاصطناعي بالتقاط كل تلك التفاصيل.
بدمج تعابير الوجه ونبرة الصوت والسياق البصري، يمكن لوكلاء «نابستر» إجراء محادثات شبيهة بالحوار البشري على حد قوله.
كما يمكن للطالب في «Napster Spaces » تحميل مخطط وطرح سؤال شفهي ليحصل على رد موحد وواضح.
بدعم أكثر من 40 لغة تلقائياً تعطي المنصة تفاعلاً شاملاً وعابراً للثقافات.
الواجهة التي تختفي
ما مستقبل التفاعل الرقمي؟ يرى هوبر عالماً تتلاشى فيه الواجهات التقليدية.
يقول «ستتحدث إلى بيئتك وتشير، أو سيستبقك (وكيل الذكي الاصطناعي) دون أن تطلب. لن تدخل إلى منصة بل إلى مساحة، حيث يكون وكيلك هناك بالفعل».
ويرى أن هذا أكثر من تجربة استخدام، إنه تحول جذري في التفاعل بين الإنسان والآلة، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي محيطاً وذكياً باستمرار.
البنية الآمنة والقابلة للتوسع
مع التوسع في تواصل «وكلاء الذكاء الاصطناعي» مع بعضهم، تصبح البنية التحتية المؤمنة أمراً حتمياً. تعمل أنظمة «نابستر» على «مايكروسوفت أزور» (Microsoft Azure) ويتم تخزين بيانات الاعتماد في خزائن مشفرة،
ويُحدّد وصول الوكلاء باستخدام رموز محدودة النطاق. ويشدد هوبر على عنصر الأمان قائلاً إنه لا يعني فقط حماية المستخدم، بل أيضاً ضبط سلوك الوكيل نفسه، وعدم تجاوزه للصلاحيات.
تقوم الشركة الآن بنشر «وكلاء الذكاء الاصطناعي» في قطاعات متعددة. في التدريب المؤسسي مثلاً، توفر منصة «Touchcast» وكلاء يساعدون في الترجمة الفورية والتدريب.
ويشرح هوبر أن الذكاء الاصطناعي يساعد في الانتقال من تفاعلات سطحية إلى تجارب غنية وهادفة. وهذا التحول مهم جداً في بيئات العمل الهجينة والعمليات العالمية، حيث تصبح الاستمرارية والتخصيص أمراً ضرورياً.
وبينما تتطور أنظمة الذكاء الاصطناعي من مساعدين إلى وكلاء مستقلين، يبدو أن الذكاء لا يعني فقط معالجة البيانات، بل فهم البشر.
ويختتم هوبر حديثه قائلاً: «الأمر لا يتعلق باستبدال البشر، بل بتصميم ذكاء يعمل معنا، من حولنا، وأحياناً قبل أن نطلبه».