ازدهار التجارة الإلكترونية في عُمان.. فرص واعدة واستقطاب للشباب
في خضم التحولات الاقتصادية المتسارعة، تبرز سلطنة عُمان كواحدة من الدول الخليجية التي تشهد نمواً لافتاً في التجارة الإلكترونية، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ فمع تسارع وتيرة الرقمنة وزيادة الاعتماد على الإنترنت، أصبح الفضاء الرقمي منصة رئيسية لريادة الأعمال، خصوصاً بين فئة الشباب.
وتكشف البيانات الرسمية عن قفزة كبيرة في عدد المرخصين لمزاولة هذا النشاط، مدعومة بإطار تنظيمي وتشريعي حديث يعكس توجه السلطنة نحو اقتصاد رقمي أكثر شمولاً واستدامة.
توسع رقمي
يشهد المشهد التجاري في سلطنة عُمان تحولاً لافتاً نحو التجارة الإلكترونية، مع تركيز متزايد على وسائل التواصل الاجتماعي كقنوات بيع وترويج رئيسية، ما يعكس تغيراً في سلوك المستهلك وتوجهات السوق المحلية.
أظهرت بيانات وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أن عدد المرخصين لممارسة أنشطة التجارة الإلكترونية بلغ حتى منتصف يوليو 2025 نحو 10,543 مرخصاً، بمعدل نمو سنوي مركب وصل إلى 191%، خلال الفترة 2020- 2025.
هذا النمو المتسارع يعكس استجابة ملحوظة للتوجه المحلي والدولي نحو التحول الرقمي، وتبني أدوات التكنولوجيا في البيع والتسويق وتقديم الخدمات.
ارتبط هذا الازدهار بإصدار الإطار التشريعي الأول المنظم للتجارة الإلكترونية، في سبتمبر 2023، الذي جرى بموجبه اعتماد اللائحة التنظيمية للتجارة الإلكترونية.
ونقلت وكالة الأنباء العمانية، في 16 يوليو 2025، عن رئيسة قسم التجارة الإلكترونية في الوزارة حنان بنت حميد الجابرية، أن الأنشطة التي تجري عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل "إنستغرام وإكس وواتساب"، تُعد من أكثر الوسائل استخداماً في القطاع، إلى جانب المواقع الإلكترونية والتطبيقات التجارية، وتبرز أنشطة مثل بيع العطور ومستحضرات التجميل والملابس الجاهزة كأكثر القطاعات نشاطاً عبر هذه المنصات.
ورغم هذا الزخم، تواجه التجارة الإلكترونية تحديات متعددة، من أبرزها ضعف الثقة بين التاجر والمستهلك، ومخاطر الاحتيال الإلكتروني، وغياب الضمانات أو سياسات استرجاع واضحة.
وقد سعت اللائحة التنظيمية المذكورة لمعالجة هذه الإشكالات، عبر وضع ضوابط لحماية المستهلك وتعزيز الثقة، بالتوازي مع رقابة على الحسابات النشطة في هذا المجال.
من جهة أخرى يشير الخبير الرقمي ناصر بن حميد المصلحي، رئيس مركز البحث العلمي بكلية مزون، إلى أن الأمن الرقمي يمثل حجر الزاوية في حماية البيانات الشخصية للمستخدمين، التي تُعد بمنزلة الهوية الرقمية للمواطن.
ويؤكد في تصريحه للوكالة العمانية أهمية عدم تخزين معلومات البطاقة المصرفية أو الشراء من مواقع غير موثوقة، تفادياً للوقوع ضحية للاحتيال.
أما من واقع التجربة، فقد تحدث التاجر مالك بن إسحاق القرني عن التحديات اليومية التي تواجهه في عمله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مثل التردد في الدفع من قبل العملاء الجدد، أو استخدام وسائل دفع غير موثوقة، أو حتى تلقي إيصالات مزورة.
وأوضح القرني للوكالة العمانية أن هذه التحديات تقابلها فرص كبيرة، من أهمها الوصول إلى جمهور واسع دون تكاليف مرتفعة، وسرعة بناء علامة تجارية رقمية قوية.
وتتزامن هذه الديناميكية الرقمية مع الخطة الوطنية للتجارة الإلكترونية (2022–2027)، التي تهدف إلى تحويل سلطنة عُمان إلى مركز إقليمي مزدهر في هذا المجال بحلول 2027، من خلال رفع جودة المنتجات، ودعم التحول نحو المنصات الأكثر تطوراً.
وكشف وكيل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار للتجارة والصناعة صالح بن سعيد مسن، خلال كلمته بـ"منتدى عُمان للتجارة الإلكترونية"، في مايو 2024، عن أن قيمة سوق التجارة الإلكترونية في سلطنة عُمان بلغت مليارين و289 مليون دولار عام 2023.
ورجّح مسن أن تسجل إيرادات هذا السوق معدل نمو سنوي مركب في الفترة من 2023 إلى 2027؛ قدره 9.8%، مما ينتج عنه حجم سوق يبلغ 3.237 مليارات دولار.
قطاع واعد
يؤكد الباحث الدكتور حبيب الهادي أن سلطنة عُمان تُعد بيئة جاذبة في مجال التحول الرقمي والتجارة الإلكترونية، بفضل الإرادة الحكومية الواضحة والجهود المبذولة لجعل الحكومة إلكترونية، مشيراً إلى أن البنية التحتية المهيأة بشكل كبير أسهمت في هذا التطور.
ويضيف أن عُمان أصبحت بيئة مستقطبة إقليمياً للتجارة الإلكترونية والتحول الرقمي، بفضل موقعها الجغرافي، وبيئتها السياسية الآمنة، ووضعها الاقتصادي الاستثماري، وهي عوامل ساعدت في ازدهار هذا القطاع.
ولفت الهادي إلى أن التجارة الإلكترونية أصبحت محوراً رئيسياً في الاقتصاد العالمي، وأن سلطنة عُمان تواكب هذه المتغيرات بخطوات متسارعة في تطوير الاتصالات والشبكات.
ويوضح الباحث الخليجي أن الموقع الجغرافي للسلطنة على طرق الكابلات البحرية يساهم في هذا التقدم التكنولوجي، مضيفاً أن التجارة الإلكترونية أصبحت نشطة، وتظهر طفرات متسارعة في هذا الجانب سنة بعد سنة.
كما أكد الهادي أن التحول الرقمي يمثل محوراً أساسياً في رؤية عُمان 2040، مما يعكس وجود توجه واضح محلي يواكب التطور العالمي في هذا المجال.
تمكين رقمي
تُولي سلطنة عُمان اهتماماً متزايداً بتعزيز البنية الرقمية لدعم التجارة الإلكترونية، من خلال إطلاق منصات إلكترونية متكاملة تُسهّل الإجراءات، وتمنح رواد الأعمال فرصاً أوسع للنمو والتوسع.
في مقدمة هذه الجهود تأتي منصة "عُمان للأعمال" التي توفر خدمات تسجيل السجلات والتراخيص وإدارة المعاملات التجارية إلكترونياً، حيث جرى إصدار أكثر من 328 ألف ترخيص تلقائي منذ أبريل 2021 حتى نهاية 2024، مع رقمنة 76.5% من الخدمات.
وتُتيح المنصة للمستثمرين، ومن ضمنهم من خارج السلطنة، التسجيل عن بُعد باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والقياسات الحيوية، ما يُعزز مرونة الوصول إلى السوق العُماني، ويُبسّط تجربة المستخدم التجاري.
أما منصة "معروف عُمان"، فتُعزز موثوقية المتاجر الإلكترونية عبر توثيقها وربطها بالسجلات التجارية، وأسهمت في زيادة عدد المتاجر المسجلة بنسبة 236.4%، ما يُعزز ثقة المستهلك ويدعم نمو التجارة الرقمية.
وبحسب مدير عام التخطيط في وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، مبارك بن محمد الدوحاني، فإن المنصات الرقمية أصبحت محركات نمو ذكية تُسرّع التحول نحو الاقتصاد الرقمي، وتمكن الشباب ورواد الأعمال من قيادة مشاريعهم بكفاءة أعلى.
وأضاف الدوحاني لوكالة الأنباء العمانية، في 5 يوليو 2025، أن المنصات تُدار عبر مؤشرات أداء دقيقة، وتُبنى على بنى رقمية متقدمة تعتمد الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، مما يُعزز الكفاءة ويستجيب لاحتياجات كل قطاع اقتصادي.
وأشار إلى أن الوزارة تتابع مؤشرات الأداء الخاصة بكل منصة، وقد سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في عدد المصانع المرخصة رقمياً، ونمواً في عدد المنتجات المسوقة إلكترونياً، إلى جانب تحسن في الهوية التجارية للمنتج الوطني داخل وخارج سلطنة عُمان.
وفي الإطار ذاته تعمل الخطة الوطنية للتجارة الإلكترونية (2022- 2027) على توفير بيئة رقمية شاملة عبر 30 مبادرة تمكينية، تعكس التزام الحكومة بتطوير التشريعات والبنية التحتية لهذا القطاع، مع تحقيق نسبة إنجاز 100% في المبادرات الموكلة للوزارة.
كما تدعم منصات أخرى مثل "صُنع في عُمان " و"صادرات عُمان" المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الترويج لمنتجاتها عبر الإنترنت والوصول إلى الأسواق المحلية والدولية، مما يسهم في زيادة التنافسية وتحفيز التجارة الرقمية.
وتبرز هذه المنظومة الرقمية بوصفها حجر الأساس في بناء اقتصاد رقمي تنافسي، يُمكّن الشباب ورواد الأعمال من الاستفادة من الفرص الجديدة، ويُسهم في رفع مساهمة التجارة الإلكترونية في الناتج المحلي.