فلسطين في قلب الشام... أفلام تحيي زمن النضال
عبر تاريخ الجرح الفلسطيني، شهدت الأرض انتفاضات وحركات احتجاج تتباعد أو تتقارب زمنياً بحسب الظروف الدولية واللوجستية لاستمرار الفعل العسكري المقاوم، وكان آخرها طوفان السّابع من تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي.
لكن في خط موازٍ تماماً، كان هناك فعلُ رفضٍ آخر مستمر، لم يتوقف ولو مرةً واحدة منذ النكبة وربما قبلها، هو الفعل الثقافي بأشكاله المختلفة من عمليات التوثيق والدراسات وتقديم الأبحاث الأكاديمية إلى كتابة الأغاني والشعر والرواية،
كما فعل الشهيد يحيى السّنوار عندما كتب روايته «شوك وقرنفل» في السجن. وهذا ما يجعل عروض فعالية «أيام فلسطين السينمائية الدولية» مهمة ضرورية أيضاً في مسيرة العمل المقاوم للقول «ما زلنا على قيد الحياة نقف ها هنا»
كما جاء في افتتاحية العروض لعام 2024.
وفي هذا السّياق، يبدو بديهياً أن تكون دمشق إحدى محطات العرض لفعالية فنية تحتفي بالصوت الفلسطيني، وخصوصاً أنّ لسوريا التي تستضيف أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني بحسب الأونروا، إسهاماً مهماً على صعيد الإنتاج الدرامي لأعمال تحمل مقولات القضية وقيم النضال ضد المستعمر والاحتلال الإسرائيلي، وصلت إلى حد إنتاج عمل متكامل وثّق «التغريبة الفلسطينية» وحمل اسمها.
حول مشاركة حركة مدنية سورية مستقلة ضمن فعالية دولية لعرض أفلام سينمائية فلسطينية في ظل تجنب عدد من المؤسسات الثقافية والمدنية الحديث عن فلسطين خوفاً على مصالح وشروط تتعلق بالتمويل،
تتحدث حنين الأحمد مديرة البرامج في حركة «البناء الوطني»، قائلةً: «ما فكرنا حتى! وجود اسم فلسطين في سوريا هو شيء بديهي وفلسطين بتخصنا كسوريين»،
مشيرة إلى أهمية «التزام المؤسسات الثقافية والمدنية بالقضايا الإنسانية والمحقة وبإحياء الصوت الفلسطيني الذي يتعرض للتهميش».
وبالتزامن مع الذكرى السنوية لوعد بلفور المشؤوم، عرض الصالون الثقافي في حركة «البناء الوطني» في دمشق فيلم «المطلوبون الـ 18» للمخرجين الفلسطيني عامر شوملي والكندي بول كاون، الذي يستعيد قصصاً من الانتفاضة الفلسطينية الأولى من قرية بيت ساحور المحتلة.
قدمها الفيلم بطريقة كوميدية تقرب القضية من جمهور يافع، لكنها في الوقت عينه، تنكأ جرحاً قديماً لدى جيل الآباء والأجداد، عندما يُطلق أبطال الفيلم في نهايته حسرة «يا ريت ما وقفت الانتفاضة» التي توقفت آنذاك بسبب توقيع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات اتفاقية أوسلو مع العدو، التي كانت «أول مسمار في نعش قضيتنا» كما همس أحد الحاضرين بتنهد عميق مع نهاية الفيلم.
وخلال استراحة للنقاش والتعارف على هامش الفعالية، فُتحت بوابة زمنية على 76 سنة من الحزن والقهر والقبض على الجمر بين الحضور، فكان من اللافت رؤية مراهقتين من أصول فلسطينية تحضران مع جدتهما الفعالية حرصاً على استمرار ارتباط الجيل الجديد بأصوله وجذوره التاريخية، والتي ربما التمسوا جزءاً منها خلال الحرب القائمة.
ومع عرض الفيلم الثاني «11 يوماً في مايو» للمخرجين الفلسطيني محمد الصواف والبريطاني مايكل وينتربوتوم، الذي يروي حكاية أطفال في غزة كانوا ضحايا عدوان إسرائيلي أودى بحياة 261 فلسطينياً في القطاع المحاصر،
تعود القضية بثقلها إلى التخييم على الصالون الثقافي وضيوفه، وتصبح أصوات البكاء بصمت في الظلام موسيقى خلفية لعرض الفيلم الأخير، الذي أثار أسئلة بين الصحافيين والعائلات والناشطين المدنيين السوريين والفلسطينيين حول أهمية استمرار المقاومة رغم الخسائر الكبيرة، حتى حفّز النقاش الذي دار مع نهاية الفعالية تنظيم عرض خاص في اليوم التالي لفيلم «لماذا المقاومة؟».
مروة جردي