«أستانا 22»: تركين مستمر للأوضاع... وآمال بنجاح «التطبيع»
الرأي الثالث - الأخبار
على غرار اللقاءات السابقة، لم يخرج اللقاء الثاني والعشرون لمسار «أستانا» الروسي للحل في سوريا بأي جديد، في ظل انخفاض مستوى التمثيل الديبلوماسي من الدول الضامنة (روسيا وإيران وتركيا) التي أوفدت مساعدي وزراء الخارجية، وعدم تنفيذ أي خطوات حقيقية منذ اللقاء السابق.
وفي وقت مثّل فيه الجانب الروسي، ألكسندر لافرنتييف، الممثل الخاص للرئيس فلاديمير بوتين إلى سوريا، ترأس الوفد الإيراني علي أصغر حاجي، مستشار وزير الخارجية للشؤون السياسية، والوفد التركي السفير إحسان مصطفى يورداكول، مدير العلاقات الثنائية السورية في وزارة الخارجية التركية، والوفد السوري نائب وزير الخارجية أيمن رعد.
وحضر اللقاء عن وفد المعارضة أحمد طعمة، بالإضافة إلى المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، وممثلين عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، و«الصليب الأحمر الدولي»، ومراقبين من الأردن ولبنان والعراق.
وإذ تزامن جدول أعمال اللقاء الجديد مع انعقاد «القمة العربية - الإسلامية» الطارئة في السعودية، والتي حضرها الرئيسان السوري بشار الأسد، والتركي رجب طيب إردوغان، من دون أن يلتقيا، فهو يأتي قبل تسليم مقاليد الحكم في الولايات المتحدة لدونالد ترامب، الذي تأمل تركيا منه أن يقوم بسحب القوات الأميركية من شرقي الفرات، بما يخلق ظروفاً ميدانية جديدة ترغب تركيا في استثمارها لقضم مناطق جديدة من سوريا.
وتضمن جدول أعمال اللقاء، الذي عقد على مدار اليومين الماضيين، اجتماعات ثنائية بين الوفود في اليوم الأول، وجلسة عامة في اليوم الثاني، انتهت بإصدار بيان ختامي «إنشائي» يشدد على ضرورة «الحفاظ على الهدوء في إدلب» و«محاربة الإرهاب»، ومنع إنشاء «كيانات انفصالية»، في إشارة إلى مشروع «الإدارة الذاتية» الكردي، الذي ترعاه الولايات المتحدة في شمالي شرق سوريا.
كما شدد البيان على ضرورة «الحفاظ على الهدوء على الأرض عبر التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقات القائمة بشأن إدلب، ومنع الأنشطة التخريبية التي تقوم بها أطراف ثالثة، والتي من شأنها أن تزيد من زعزعة استقرار الوضع»، و«أهمية خلق الظروف الملائمة لعودة اللاجئين والنازحين، وضرورة دعم المجتمع الدولي لهذه الجهود بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة، واستمرار مشاريع التعافي المبكر وإعادة تأهيل البنية التحتية».
كذلك، دان الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، وانتهاك إسرائيل للقانون الدولي والإنساني ولسيادة سوريا وسلامة أراضيها،
لافتاً إلى أن هذه الهجمات تزعزع استقرار المنطقة وتزيد من حدة التوترات.
وجدد البيان التزام الدول بسيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها، ودعا إلى رفع «العقوبات الأحادية»، وزيادة المساعدات الإنسانية وإزالة العوائق أمام وصولها، وضمان توزيعها بشكل متساوٍ وغير مشروط.
كما جاء في البيان أن اللقاء الثالث والعشرين سيعقد في النصف الأول من العام المقبل 2025، فيما بدا لافتاً فيه تركيزه على المساعي الروسية إلى التطبيع بين سوريا وتركيا، والتي اعتبرها المشاركون «خطوة ضرورية لمكافحة الإرهاب»، بالإضافة إلى أنها «تفتح باب عودة اللاجئين».
ويأتي هذا فيما تنتظر تركيا فتح باب العودة بفارغ الصبر، خصوصاً بعد أن افتتحت الأمم المتحدة صندوقاً خاصأً بعمليات «التعافي المبكر» لدعم مشاريع تأهيل البنى التحتية، بشكل يشجع على عودة السوريين من دول اللجوء.
ومن جهته أشار رئيس الوفد السوري، في مؤتمر صحافي عُقِد بعد اللقاء، إلى أنه تم تأكيد حرص سوريا على جميع مواطنيها من دون تمييز، وجرى تقديم عرض للجهود المبذولة لتأمين وصول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى محتاجيها، بالتعاون مع المنظمات الدولية المعنية، بالإضافة إلى الإجراءات التي تسهل عودة اللاجئين السوريين وتوفير الظروف والمقومات الضرورية لعودتهم، ومنها مراسيم العفو المتعددة.
وأوضح أن الوفد السوري نبه، خلال الاجتماعات، إلى الآثار الكارثية الناجمة عن الإجراءات القسرية الأحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري، وطالب بالرفع الفوري وغير المشروط لها، لأنها تفاقم معاناته وتعيق العمل الإنساني، وتعرقل الجهود المبذولة لإعادة اللاجئين.
وأضاف أنه تم تأكيد الحاجة إلى تعزيز «مشاريع التعافي المبكر» وتوسيعها، لما لها من أثر مهم على إعادة الاستقرار، ومساعدة الشعب السوري على تجاوز المعاناة التي يعيشها.
ولفت إلى أنه نتيجة للعدوان الإسرائيلي على لبنان، قدم إلى سوريا مئات الآلاف من اللبنانيين والسوريين العائدين إلى وطنهم، فيما حشدت الدولة السورية جهودها لتأمين احتياجاتهم، رغم الظروف الصعبة التي تمر بها،
الأمر الذي يؤكد زيف الادعاءات المغرضة التي تروج بهذا الشأن، بحسبه.
وفي خطوة استباقية لأي متغيرات على الأرض، جدد لافرينتييف، بدوره، رفض بلاده أي عملية عسكرية برية في سوريا،
مشيراً، في مؤتمر صحافي، إلى أن روسيا لا تزال تأمل أن يمتنع الجانب التركي عن هذه الخطوات، لأنها قد تكون لها عواقب سلبية على سوريا نفسها.
وشدّد على أن العمليات العسكرية التركية «لن تحل المشكلة، بل ستؤدي فقط إلى تفاقمها، وسيكون لها تأثير مزعزع للاستقرار في سياق الأزمة التي لم يتم حلها على الحدود اللبنانية الإسرائيلية وفي قطاع غزة»، وفقاً لتعبيره.
نداء أممي جديد حول سوريا
وجّهت منظمات أممية في سوريا نداءً جديداً إلى الدول المانحة حول ضرورة تمويل مشاريعها التي تعاني نقصاً كبيراً، في ظل عدم كفاية التمويل المتوافر من جهة، واستمرار تدفق الوافدين من لبنان من جهة أخرى.
وجاء في بيان مشترك للمنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، ومنسق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأزمة السورية، راماناثان بالاكريشنان، أنه لم يتم تمويل سوى 27.5% من خطة الاستجابة الإنسانية لسوريا، والبالغة 4.07 مليارات دولار أميركي.
ولفت البيان إلى أنه بالإضافة إلى الحالات القائمة التي بلغت 16.7 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وصل إلى سوريا منذ 24 أيلول الماضي، 510 آلاف سوري ولبناني وفلسطيني فرّوا من لبنان خوفاً على حياتهم، أكثر من 75% منهم هم من النساء والأطفال وذوي الإعاقة. وتابع: «اضطر النازحون إلى البحث عن ملجأ في بلد يعاني بالفعل من أزمة إنسانية طويلة الأمد منذ أكثر من عقد من الزمان».
ومنذ إطلاق نداء الطوارئ، في أيلول الماضي، بهدف الحصول على 324 مليون دولار أميركي إضافية لتلبية احتياجات الوافدين الجدد، لم تحصل الأمم المتحدة سوى على 32 مليون دولار، تشمل مخصصات قدرها 12 مليون دولار من صندوق الطوارئ المركزي. ويعود نقص التمويل المستمر، والذي أدى إلى إغلاق عشرات المشاريع الإنسانية والإغاثية للسوريين في الشمال السوري وتركيا والأردن ولبنان، إلى عوامل عدة، بينها ما يتم وصفه بـ«الملل الدولي» الذي يرافق الحروب الطويلة الأمد، إلى جانب انشغال أكبر الدول المانحة (الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي) بدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا، وإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها ضد الفلسطينيين في غزة، والعدوان المدمر على لبنان.