تركيا تشدّد «شروط» الانسحاب: لا نزال ننتظر الأسد
في محاولة لترسيخ ملامح السياسة التركية حول سوريا قبيل تسلّم دونالد ترامب - الذي تأمل أنقرة أن يقوم بسحب جيشه من الشمال الشرقي السوري - مقاليد الحكم في الولايات المتحدة،
كثّف مسؤولون أتراك ظهورهم الإعلامي للحديث عن سوريا التي ينتظرون منها قبول تطبيع العلاقات، من دون سحب الجيش التركي غير الشرعي منها.
وتأتي التصريحات الجديدة التي أدلى بها وزير الدفاع التركي، يشار غولر، من جهة، والرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، من جهة أخرى، والتي دارت حول المبادرة التركية للتقارب مع دمشق، في سياق استثمار حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة، والعدوان المدمّر على لبنان، وسلسلة الاعتداءات المتواصلة على سوريا،
إذ تقوم المبادرة المشار إليها على مبدأ فتح الأبواب المغلقة وفق الظروف الراهنة، وربط سحب القوات التركية غير الشرعية من الشمال السوري بالتطورات السياسية والميدانية، الأمر الذي تؤكد دمشق رفضه.
وقال الوزير التركي، في مقابلة تلفزيونية مع قناة «TV100» التركية، إن ترامب «سيحرص بشدة» على انسحاب القوات الأميركية من سوريا، مضيفاً أنه «خلال رئاسته السابقة، أعطى تعليمات ثلاث مرات لسحب القوات من سوريا، لكن ذلك لم يحدث بسبب قرب الانتخابات في ذلك الوقت».
وأعرب عن اعتقاده بأن ترامب «هذه المرة سيصر بشدة» على الانسحاب، علماً أن أنقرة تأمل منه أن يمهّد الطريق أمامها لشنّ عملية برية جديدة وقضم مناطق في الداخل السوري،
أبرزها منبج وتل رفعت، لإحكام السيطرة على القسم الشرقي من طريق «M4» الذي تسيطر على أجزاء من قسمه الغربي (الواصل بين حلب واللاذقية) «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا) تحت إشراف تركي.
واللافت أن الوزير التركي كرّر، أكثر من مرة خلال حديثه، أن قوات بلاده لن تنسحب من دون «إبعاد التهديدات».
وقال إنه «لا يمكن أن نفكر في الانسحاب من دون شروط واضحة، وهذا ليس خياراً مطروحاً حالياً»، داعياً، في الوقت ذاته، إلى تسريع المصالحة في سوريا، والتي رأى أنها ستفسح المجال لدمج «الجيش الوطني» (الفصائل السورية المعارضة التابعة لتركيا) مع قوات الجيش السوري، الأمر الذي سيزيد من قوة سوريا «إنْ بقيَت موحّدة»، وفق تعبيره.
وعلى المنوال ذاته، غزل الرئيس التركي تصريحاته الجديدة التي أعاد من خلالها دعوة نظيره السوري، بشار الأسد، إلى لقائه، وإجراء مصالحة مع المعارضة، وفق تعبيره،
معتبراً أن «الخطر الحقيقي في المنطقة يأتي من إسرائيل، وليس من السوريين»، ومضيفاً أن «التهديد الإسرائيلي بشأن سوريا ليس قصة خيالية. هناك مناطق على حدودنا يوجد فيها إرهابيون، ولا يمكن ضمان الأمن الكامل من دون تطهير تلك الأماكن وتجفيف مستنقع الإرهاب».
وفي وقت نفى فيه الرئيس التركي أن يكون قد انسحب من «القمة العربية – الإسلامية» الطارئة التي عُقدت في الرياض، خلال كلمة نظيره السوري من باب الاحتجاج، وربط خروجه بترتيبات خاصة متعلقة بلقاء مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان،
أكّد إردوغان أنه لا يزال متفائلاً بقبول الأسد لقائه. وقال: «لا يزال لديّ أمل في أن نتمكن من الاجتماع معاً، ونأمل أن نضع العلاقات السورية التركية على المسار الصحيح»،
متابعاً: «لقد مددنا أيدينا إلى الجانب السوري في ما يتعلق بالتطبيع، ونعتقد بأن هذا التطبيع سيفتح الباب أمام السلام والهدوء في الأراضي السورية».
وجاءت تصريحات إردوغان بعد يوم من إعلان مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، دخول المفاوضات حول التطبيع بين سوريا وتركيا مرحلة جمود جديدة بسبب رفض تركيا سحب قواتها.
كما جاءت بعد عقد النسخة الثانية والعشرين من لقاءات مسار «أستانا» في العاصمة الكازاخية، والتي دعا خلالها ممثل المعارضة، أحمد طعمة، روسيا، إلى «تقريب وجهات النظر بين المعارضة والحكومة السورية»، أملاً في تنشيط المسار الأممي للحل في سوريا (اللجنة الدستورية)، معتبراً أن أي تقارب بين دمشق وأنقرة من شأنه أن يسرّع حل الأزمة السورية.
وتحدّث المبعوث الروسي، في تصريحات لاحقة، بعد انتهاء لقاء أستانا، بإسهاب عن الأوضاع في سوريا، وعن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، والتي دانها البيان الختامي للقاء،
نافياً كل ما يُشاع عن استعمال قاعدة حميميم لنقل الأسلحة الإيرانية إلى «حزب الله».
وقال إن «عدد الرحلات الإيرانية التي تحمل مساعدات إنسانية إلى مطار حميميم ازداد خلال الفترة الماضية»، مؤكداً أن «حميميم هو مطار مدني من جهة، ومن جهة أخرى قاعدة للقوات الجوية الروسية، لذلك لا يمكن لأي شحنة أن تصل إلى هناك دون تفتيش».
وفي وقت أشار فيه لافرنتييف إلى أن إسرائيل نفّذت غارة جوية واحدة في المنطقة المجاورة مباشرة لقاعدة حميميم الروسية، في تشرين الأول الماضي، نفى تعرض القاعدة لأي هجمات.
وقال: «لم تُضرب القاعدة الجوية بشكل مباشر، لأن ذلك سيكون له، بطبيعة الحال، عواقب سلبية للغاية، بما في ذلك بالنسبة إلى إسرائيل»،
مشيراً إلى أن وزارة الدفاع الروسية قدّمت «احتجاجاً إلى إسرائيل»، ومشدداً على أن «مثل هذه الأعمال غير مقبولة، ولا يجب تكرارها».
وفي تعليقه على التصريحات الإسرائيلية المتعلقة بنية الاحتلال تأمين الحدود الشمالية للأراضي المحتلة، والتي تمتد من حدود لبنان وصولاً إلى حدود الجولان السوري المحتل، في إشارة إلى احتمال تقدم القوات الإسرائيلية برياً نحو الأراضي السورية،
أكّد المسؤول الروسي أنه «في حال حدث ذلك فإن ردة الفعل ستكون سلبية للغاية».
وأوضح أن «هناك شرطة عسكرية موجودة على خط الفصل في مرتفعات الجولان على خط برافو، وهناك سبع وحدات و8 نقاط مراقبة ويجري تسيير دوريات لمراقبة الأوضاع في خط الفصل، وإلى هذا الحين لا نَرقب أي تصرفات».
علاء حلبي