بوادر إدارة «ترامبية» منسجمة: لا حلول سحرية لأزمات العالم
الرأي الثالث - وكالات
منذ فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، بالسباق إلى البيت الأبيض بنتيجة «مريحة»، شملت كل الفئات الديموغرافية داخل المجتمع الأميركي، وجميع الولايات المتأرجحة، جنباً إلى جنب استعادة مجلس الشيوخ، وتوجّهه نحو الفوز بغالبية مجلس النواب، بدا أن هنالك شبه إجماع، في أوساط المحللين، على أنّ ترامب سيخوض ولايته الثانية مع فريق أمن قومي أكثر تجانساً مما كان عليه في عام 2020، ويمضي قدماً في سياساته الداخلية والخارجية، بـ«ثقة» أكبر،
علماً أنّه خلال ولايته الأولى، بدا، في غير محطة، في حالة «حرب» مع بعض أعضاء إدارته، وتحديداً في ما يتعلق بسياساته الخارجية، ما حال دون تحقيق طموحاته كافة.
بمعنى آخر، فإنّ ترامب لن يواجه مشكلة مشابهة في ولايته الثانية، وهو ما بدأ يتثبّت بوضوح، في أعقاب بدء الرئيس المنتخب بالكشف عن عدد من أعضاء إدارته. ولا يبدو ذلك مستغرباً، نظراً إلى أنّه على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترامب ما يكفي من المساعدين ذوي التفكير المماثل، والداعمين لأجندة «أميركا أولاً»، والقادرين على تبوء مناصب عدة في فريقه،
ملمحاً أكثر من مرة إلى نيته حتى «تطهير» الجيش والوظائف من المهنيين الذين يعارضون سياساته.
ومن بين الأسماء التي برزت أخيراً كشخصيات محتملة في فريق ترامب، السناتور ماركو روبيو من فلوريدا، لمنصب وزير الخارجية، وفقاً لما أفادت به ثلاثة مصادر مطلعة صحيفة «نيويورك تايمز» الإثنين. ويُعرف روبيو، الذي كان من بين «الصقور» الجمهوريين، عندما انتخب لعضوية «الشيوخ» الأميركي عام 2010، بمواقفه المتشددة بشكل خاص من الصين وإيران وفنزويلا وكوبا.
وهو تبنى، أخيراً، مواقف ترامب في قضايا مثل الحرب الروسية – الأوكرانية، معتبراً أنّ «الصراع وصل إلى طريق مسدود، ويجب إنهاؤه»، ما يعني أنّه سيسعى، على الأرجح، إلى التوصل إلى تسوية مع روسيا، مع إبقاء كييف خارج «الناتو».
وشدد روبيو، سابقاً، على ضرورة تبني نهج أكثر «عدوانية» تجاه الصين، ورعى، عام 2020، مشروع قانون حاول منع استيراد البضائع الصينية المصنوعة من إقليم شينجيانع، ووقّع عليه الرئيس الديموقراطي، جو بايدن، بعد عام واحد.
وعام 2019، عمل روبيو على إقناع ترامب بتبني سياسة عقوبات قاسية ضد فنزويلا لمحاولة الإطاحة برئيسها نيكولاس مادورو، وهي محاولة باءت بالفشل. وفي المدة الأخيرة، أعرب روبيو عن دعمه الصريح للعدوان الإسرائيلي على غزة، قائلاً، رداً على سؤال أحد الناشطين أواخر العام الماضي، عن رأيه في أعداد القتلى المدنيين الفلسطينيين، إن «حماس» «تتحمل المسؤولية الكاملة» في ما يحصل.
إلى ذلك، طلب دونالد ترامب من النائب الجمهوري مايك والتز، وهو جندي سابق في القوات الخاصة، خدم في أفغانستان والشرق الأوسط وأفريقيا، أن يكون مستشاره للأمن القومي، وهو أحد «أقوى» المناصب في البيت الأبيض. ويعرف والتز، بدوره، بمواقفه المتشددة من الصين، وانتقاداته المتكررة لحلف «الناتو»، ومطالبته أوروبا ببذل المزيد من الجهد لدعم أوكرانيا، وتخفيف العبء الموضوع على كاهل واشنطن في هذا الإطار.
وفي المقابل، لا يزال الغموض يحيط بالمرشح المحتمل لمنصب وزارة الدفاع في الإدارة القادمة، في حين ستصبح سوزي وايلز، أول امرأة تشغل منصب رئيسة موظفي البيت الأبيض، ويُعرف عنها أنّها خبيرة إستراتيجية قديمة، قادت حملة ترامب في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وعملت معه أيضاً عام 2016، وكان الرئيس المنتخَب قد وصفها بالمُساعدة «الذكية»، التي تحب العمل في الخفاء.
أمّا ستيفن ميلر، مستشار ترامب السابق، والمعروف بمواقفه المتشددة من الهجرة، فتم تعيينه في منصب كبير موظفي البيت الأبيض للسياسات في الإدارة الجديدة. وكان ميلر قد أسهم في قرار تفريق آلاف العائلات المهاجرة عام 2018، وبناء الجدار الفاصل على الحدود الأميركية – المكسيكية، وفرض حظر على سفر المواطنين من الدول ذات الغالبية المسلمة.
وإلى جانب ميلر، أعلن الرئيس الأميركي المنتخب، الأحد، اختيار توم هومان، القائم بأعمال مدير «إدارة الهجرة والجمارك» السابق، ليكون مسؤولاً عن ملف أمن الحدود الأميركية في إدارته الجديدة الثانية، ويتولى بالتالي منصب «قيصر الحدود».
ويدعم هومان، بطبيعة الحال، سياسة الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين، التي توعد بها ترامب خلال حملته. كذلك، اختار الرئيس الأميركي المنتخب حاكمة ولاية ساوث داكوتا، كريستى نويم، لتكون وزيرة الأمن الداخلي، وحاكم ولاية أركنسو السابق، مايك هاكابي، ليكون سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، وإليز ستيفانيك لتشغل منصب السفيرة الأميركية لدى «الأمم المتحدة».
إلا أنّه، ورغم «التجانس» المتوقع في الإدارة الأميركية القادمة، تنبه مجلة «فورين بوليسي» إلى أنّ إحكام قبضة ترامب على ملف السياسة الخارجية، لا يعني أنّه سيكون قادراً على استعادة مكانة الولايات المتحدة في العالم، لا سيما في ظلّ تعقيدات حربي أوكرانيا وغزة.
وبحسب أصحاب هذا الرأي، قد يخلق سيناريو إنهاء الحرب في أوكرانيا مشكلات سياسية شبيهة بتلك التي عانى منها بايدن في أعقاب انسحابه الفوضوي من أفغانستان، والتي انتقدها ترامب مراراً.
وفي غزة، بعدما حث ترامب، بنيامين نتنياهو، على «إنهاء المهمة» وتدمير «حماس»، فإن افتقار الأخير إلى الرؤية الإستراتيجية لإنجاز تلك «المهمة»، يُنذر بأن إسرائيل ستستمر في الحرب التي أدت إلى نفور في أوساط عدد من الشركاء المحتملين للولايات المتحدة في العالم.
بمعنى آخر، فإنّ ترامب لن يكون قادراً، غالباً، على سحب الولايات المتحدة من مثل هذه الصراعات، وفقاً لما ادعى به خلال الحملة الانتخابية.