استباحة متجدّدة للأقصى: الضفة تحت نار العدوّ... والسلطة
الرأي الثالث - وكالات
شهدت مناطق متفرّقة من الضفة الغربية المحتلة، في اليومَين الماضيَين، تصعيداً إسرائيليّاً كبيراً، في موازاة استمرار الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، للأسبوع الرابع على التوالي، في حملتها العسكرية في مخيم جنين.
ونفذت قوات الاحتلال عملية عسكرية في مدينة طولكرم، انتهت مساء الأربعاء، وقالت قناة «كان» العبرية، نقلاً عن الجيش، إنها أدّت إلى وقوع إصابات في صفوف جنوده جرّاء تفجير المقاومة، في عمليتَين منفصلتَين، عبوات ناسفة بآليات عسكرية.
كذلك، اعترف جيش الاحتلال بإصابة قائد فرقة الضفة العميد ياكي دولف، وقائد لواء المنشية الإقليمي العقيد أيوب كيوف، في انفجار عبوة ناسفة شديدة الانفجار بمدرعة مصفّحة كانا يستقلّانها، خلال التوغل في طولكرم.
وخلال هذه العملية، التي استمرّت ليومين، شنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية وتلك المسيّرة، أربع غارات جوية، كان أبرزها غارة بطائرة «إف-16» الحربية، عقب إصابة قائد فرقة الضفة أثناء إجلاء الإصابات، فيما أسفر العدوان بمجمله عن استشهاد 9 فلسطينيين، وإصابة أكثر من 20 آخرين.
وكالعادة أيضاً، نفذت جرافات الاحتلال العسكرية أعمال تخريب وتدمير واسعة في مرافق مخيمَي طولكرم ونور شمس. كما اقتحمت القوات الخاصة الإسرائيلية بلدة قفين في المحافظة نفسها، حيث حاصرت منزلاً تحصّن فيه أحمد عمارنة (25 عاماً)، الذي رفض تسليم نفسه، وخاض اشتباكاً مسلّحاً مع قوات الاحتلال أسفر عن استشهاده.
أمّا مدينة نابلس شمال الضفة، فقد شهدت، بدورها، اقتحام مئات المستوطنين قبر يوسف، بحماية كبيرة من قوات الاحتلال، حيث تمركزت أكثر من 30 آلية عسكرية في محيط القبر.
واندلعت أثناء عمليات الاقتحام مواجهات بين شبان فلسطينيين وجيش العدو في محيط القبر، والذي كانت قد وصلت إليه الآليات العسكرية وعشرات الحافلات التي تقلّ المستوطنين من حاجز عورتا جنوب المدينة، وحاجز بيت فوريك شرقها، في ظلّ تمركز قناصة الاحتلال على سطوح عدد من المباني في المنطقة.
وبالتوازي مع ذلك، تداولت منصات فلسطينية مقطعاً مصوّراً يُظهر مستوطنين برفقة جنود العدو، وهم يغنّون ويرقصون خلال اقتحامهم قبر يوسف، والذي تزامن مع بدء عيد الأنوار اليهودي (الحانوكا).
وتحت ذريعة العيد نفسه، حوّلت قوات الاحتلال مدينة القدس إلى ثكنة عسكرية، مشدّدة الحصار على بلدتها القديمة، حيث نشرت الحواجز ونقاط التفتيش، ونفّذت اقتحامات طاولت بلدات وأحياء مقدسية، وذلك تمهيداً لمشاركة عشرات آلاف المستوطنين في احتفالات «الأنوار»، والتي تتركّز في ساحة البراق المحاذية للجدار الغربي للمسجد الأقصى.
وصادف أمس، أول أيام العيد، الذي يستمرّ حتى الثاني من الشهر المقبل، فيما يُتوقَّع أن يقتحم المستوطنون المسجد الأقصى على مدار أيامه الستة، إذ يصرّ قادة وأنصار «جماعات الهيكل» المتطرّفة على الاحتفال داخل ساحات الأقصى، وتنفيذ الطقوس الخاصة بهم هناك، وخصوصاً في الساحات الشرقية للحرم. في المقابل، تشتدّ الهجمة على المقدسيين وتُفرض قيود على دخولهم إلى «الأقصى»،
علماً أن وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، دشّن، صباح أمس، تلك الاقتحامات تحت حماية شرطة الاحتلال.
وقال الوزير اليميني المتطرف، في بيان، إنه صعد إلى مكان «الهيكل اليهودي»، من أجل «الصلاة لسلامة الجنود وإعادة المختطفين وتحقيق النصر المطلق في الحرب»،
بينما قالت الأوقاف الإسلامية في القدس إن سلطات الاحتلال استَبقت اقتحام بن غفير للحرم بنشر قوات كبيرة من وحدة شرطية خاصة في باحات المسجد، إلى جانب مرافقة شخصيات أمنية للوزير المتطرف.
في الموازاة، شنّت قوات الاحتلال، في اليومَين الماضيَين، عمليات اقتحام واسعة، تخللتها اشتباكات مسلحة مع مقاومين في مخيمَي بلاطة وعين الماء في نابلس، ومدينتَي البيرة رام الله، التي تُعدّ معقل السلطة الفلسطينية.
وبالتزامن مع الاقتحامات والاغتيالات الإسرائيلية في الضفة، دخلت العملية العسكرية في جنين، والتي تنفذها أجهزة أمن السلطة، أسبوعها الرابع على التوالي، في ظلّ تصعيد في المواجهات، وانعدام للحوار بين الجانبَين،
فضلاً عن فشل جميع المبادرات التي طرحت من أطراف محلية في وقف العنف.
وباتت الحملة الأمنية التي يرجّح استمرارها، في ظلّ رفض السلطة التجاوب مع أيّ مبادرات لاحتواء الأحداث، وحديثها عن مرحلة الحسم العسكري، بمثابة كسر عظم. وكانت الأجهزة الأمنية قد شيّعت، أول من أمس، أحد عناصر جهاز المخابرات، والذي قتل متأثراً بجروح أصيب بها أثناء محاولة عناصر أمنية تفكيك عبوة ناسفة في جنين،
لترتفع حصيلة العملية العسكرية منذ بدئها إلى ثمانية قتلى، ثلاثة منهم من عناصر الأجهزة الأمنية، وخمسة من مخيم جنين.
في خضم ذلك، لجأت السلطة الفلسطينية إلى حشد جمهور من موظّفي القطاعَين العام والخاص والطلاب وغيرهم، في مدينة الخليل، للخروج في مسيرة دعماً للأجهزة الأمنية والعملية العسكرية في جنين، وهو ما أثار موجة ردود مناهضة، وخاصة أن هذا التحشيد لم يُلجَأ إليه طوال أكثر من 14 شهراً من حرب الإبادة على قطاع غزة.
وبالتزامن مع اتّساع رقعة الرفض الشعبي للحملة على المقاومة، نفذت الأجهزة الأمنية، خلال الساعات الـ 24 الماضية، اعتقالات واستدعاءات واسعة في الضفة طاولت المئات (من بينهم كتّاب ونشطاء وكوادر سياسية وصحافيون)، وذلك على خلفية معارضتهم لعملية جنين.
وترافق هذا مع تسجيل عدة حوادث إطلاق نار من جانب مجهولين على ممتلكات ومنشآت، كان أصحابها قد أبدوا آراء معارضة لما يجري في جنين، فيما لم تُظهر الجهات الرسمية الفلسطينية أيّ ردّ فعل تجاه تلك الأفعال أو تعلن عن ملاحقة الفاعلين.