بغداد ودمشق الجديدة.. بين المخاوف الأمنية والتعاون الحذر
الرأي الثالث - وكالات
تتجه الأنظار إلى بغداد، حيث تتبلور مقاربة جديدة، للتعامل مع سوريا ما بعد رحيل نظام الأسد، وهي مقاربة تبدو صعبة، وكثيرة التعقيدات؛ نظراً إلى الوضع في الداخل العراقي، وتشابك الأجندات، وتغول النفوذ الإيراني.
ومنذ بدء عملية "ردع العدوان" صدرت تصريحات تحمل قدراً كبيراً من التوجس والقلق من الحكومة العراقية، لكنها قوبلت برسائل إيجابية من قيادة الإدارة السورية الجديدة.
وأمس الخميس، زار دمشق وفدٌ أمني برئاسة رئيس جهاز المخابرات العراقي الجديد حميد الشطري، ومبعوث خاص لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وأجرى مباحثات مع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، فإلى أين يمكن أن تذهب بغداد في إزالة الحواجز بينها وبين سوريا الجديدة؟
زيارة أمنية
الوفد العراقي برئاسة الشطري، التقى الشرع في دمشق، بعد مرور ثلاثة أسابيع على سقوط الأسد، وبحسب مصدر رفيع تحدث لوكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع"، فقد كانت الزيارة "أمنية"، وركزت على الملفات المرتبطة بها.
وأضاف المصدر، أن "الوفد العراقي ناقش مع الإدارة السورية الجديدة حماية الحدود، والتعاون بشأن منع عودة نشاط عصابات داعش الإرهابية، وكذلك حماية السجون التي تضم عصابات داعش داخل الأراضي السورية".
كما قدّم الوفد العراقي "تصورات وطلبات حول احترام الأقليات والمراقد المقدسة، وأكد ضرورة التعامل مع الملفات الراهنة بمنطق الدولة"، حسب المصدر نفسه.
وقال إن "الإدارة السورية الجديدة أبدت دعمها لمطالب العراق ومخاوفه في ما يتعلق بالملفات التي جرى النقاش حولها".
مخاوف عراقية
ومنذ اليوم الأولى لانطلاق عملية "ردع العدوان" قبل شهر من اليوم، وتحديداً في 27 نوفمبر الماضي، خرجت القيادة العراقية بتصريحات حملت قدراً كبيراً من الانزعاج والقلق، أبرزها كان تصريحاً صادراً عن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يوم 3 ديسمبر.
وقال السوداني حينها، إن ما يجري في سوريا يرتبط بالأمن القومي للعراق، وإن الحكومة عملت منذ تشكيلها على رفع مستوى جهوزية القوات الأمنية وتحصين الحدود العراقية.
السوداني أشار حينها، إلى أن الحكومة العراقية أجرت اتصالات مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها.
وتنطلق مخاوف العراق من خشيته من انتعاش تنظيم "داعش"، والأمر الآخر، حساسية الأمر بعد خسارة إيران نفوذها في سوريا، وامتلاء العراق بالفصائل الموالية لها، ما يضاعف إمكانية حدوث احتكاكات خطيرة، وهي مبررات نفاها قائد الإدارة السورية الجديدة.
تطمينات سورية
وما إن عبرت الحكومة العراقية عن مخاوفها إزاء الوضع في سوريا، خرج الشرع بتصريح مصوّر في 5 ديسمبر، خاطب فيه رئيس وزراء العراق، مشدداً على ضرورة عدم سماح بغداد لـ"الحشد الشعبي" بإرسال مقاتلين إلى سوريا.
الشرع ظهر وهو يستمع لتصريحات السوداني، وعلق بالقول: "هناك كثير من المخاوف التي يظن بها بعض الساسة العراقيين حول أن ما يجري في سوريا سيمتد إلى العراق"، مؤكداً أن الثورة السورية ليست معنية بما يجري في العراق.
واستطرد الشرع حينها قائلاً: "أنا أقول جازماً، إن هذا الأمر خاطئ مئة بالمئة"، مضيفاً: "كما نأى العراق بنفسه عن الحرب بين إيران والمنطقة، فنشد على يده أن ينأى عن الدخول في أتون حرب جديدة في سوريا، لأن هناك شعباً في سوريا ثار على النظام المجرم ويدافع عن نفسه ويسترد حقوقه".
الشرع قال إن دمشق (ما بعد الأسد)، تطمح إلى علاقات استراتيجية واقتصادية واجتماعية مع العراق ما بعد سوريا الجديدة.
تراجع المخاوف
وبعد انهيار قوات الأسد، وتشكل حكومة انتقالية في سوريا، وبدء تقاطر الوفود والمسؤولين العرب والغربيين إلى دمشق، بدأت بغداد بمراجعة حساباتها، وشرعت في التعاون مع دمشق في بعض الجوانب الأمنية.
وبموجب تفاهمات غير معلنة، أعاد العراق آلاف الجنود المنشقين من عناصر الفرقة الرابعة الذين فروا بعتادهم إلى الأراضي العراقية، للحكومة الوليدة في دمشق، وصولاً إلى إرسال وفد أمني رفيع لعقد لقاءً أمنياً مع القيادة الجديدة هناك.
وهناك من يرى أن زيارة الوفد الأمني العراقي، بقيادة رئيس جهاز المخابرات، إنما يمثل بالون اختبار؛ لمعرفة ردود فعل الداخل العراقي، المليء بالفصائل الموالية لإيران، والمتعاطفة مع نظام الأسد المخلوع.
ويرى الدكتور لقاء مكي، الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، أن اختيار العراق للتعرف على الإدارة السورية الجديدة من بوابة الأمن، محاولة لتخفيف إجراء التواصل.
وأضاف في تصريح ، أنه "من الواضح أن الحكومة العراقية لم تشأ أن تزعج أطرافاً معينة داخل السلطة في البلاد ممن يرفضون التواصل مع الإدارة الجديدة في سوريا، خصوصاً الفصائل التابعة لإيران، فأرسلت وفداً أمنياً وليس سياسياً".
وأشار إلى أن الهدف من إرسال وفد أمني، هو "تقديم التبرير لهذه الزيارة بكونها تتعلق بحماية الأمن العراقي أو التفاهم على إجراءات معينة لمنع تسلل أو وجود عناصر داعش بين البلدين، وتأمين التعاون في هذا الاتجاه، دون أن يبدو كأن هناك تنسيقاً سياسياً".
واستطرد مكي قائلاً: "التنسيق السياسي يكون أعلى من هذا، فالتنسيق والتعاون الأمني يمكن أن يكونا موجودين حتى في ظل عدم وجود علاقات سياسية جيدة أو حتى في ظل وجود خلافات بين البلدين".
وقال: "أحياناً حتى في ظل وجود خلافات معينة، يكون هناك تعاون أمني اضطراري لمصلحة البلدين، لكن دون تعاون سياسي وبالتأكيد دون تعاون اقتصادي أو ما شاكل ذلك".
تنسيق اضطرار
ويرى الباحث الأول بمركز الجزيرة، أن طبيعة الزيارة التي يرأسها رئيس جهاز المخابرات، وبمشاركة ما قيل إنه مستشار لرئيس الوزراء السوداني، تحمل طابعاً أمنياً واضحاً ومباشراً.
ولفت إلى أن التنسيق بدأ على مضض أو بخجل، وبشكل بسيط، لكن هو مجرد بالون اختبار، لجس نبض القوى داخل العراق، ومعرفة ردود فعلها على هذه الزيارة.
وأضاف: "إن تبيَّن أن هناك قبولاً للتنسيق بشكل ما، لا سيما بعدما أصبحت الإدارة الجديدة مقبولة على الصعيدين الدولي والإقليمي بشكل أكبر، حينذاك ربما يتوسع التنسيق لما هو أعلى من ذلك".
واستطرد قائلاً: "أمَّا إن كان هناك رد فعل عنيف -وهذا ممكن إيضاً بالمناسبة- فحينها ربما لن يكون هناك تصعيد أو زيادة في طبيعة التنسيق بين البلدين".
وقال مكي: "ليس من المتوقع أن يكون العراق مبادراً إلى التعاون مع القيادة الجديدة في سوريا لأسباب كثيرة، منها أن هذه القيادة (السورية) طردت إيران، وبشار الأسد كان إلى يوم 7 ديسمبر قريباً من النظام في بغداد، ومن ثم ليس متوقعاً أن يكون هناك تقارب سريع مع الإدارة الجديدة،
لكن هناك أمر واقع سيفرض نفسه على الحكومة العراقية، في لحظة ما، سيجبرها على التعاون مع الإدارة الجديدة".