
تعز عطشى في العيد.. المدينة التي كسرت فرحتها قطرة الماء
الرأي الثالث
في أول أيام عيد الأضحى، لم يعرف كثير من سكان مدينة تعز طعم الفرح، بعدما خيم العطش على الأحياء وحوّل صباحات العيد إلى رحلة شاقة في البحث عن الماء.
ففي ظل أزمة مياه خانقة، تزداد المعاناة اليومية التي تعيشها المدينة منذ سنوات، وسط غياب شبه تام للخدمات الأساسية.
ودعا نشطاء محليون السكان إلى الخروج صباح العيد وهم يرددون التكبيرات، ويحملون أوعية المياه، تعبيراً عن احتجاج صامت على تفاقم الأزمة، التي وصفوها بأنها "طعنة في خاصرة العيد".
وتشهد مدينة تعز انقساماً في السيطرة منذ نحو عقد، بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً التي تدير الجزء الغربي من المدينة، وجماعة الحوثي التي تسيطر على الجزء الشرقي، ما جعلها من أكثر المدن تضرراً على مستوى الخدمات العامة، خصوصاً المياه.
رحلة شاقة
وفاء الأصبحي، وهي أم لستة أطفال، بدأت صباح عيدها ككل الأيام الماضية: على ظهرها ثمانية أوعية بلاستيكية، ووجهتها أحد المساجد القريبة، حيث تُضخ مياه السبيل في ساعات محدودة.
تقول : "استيقظت الساعة الثانية فجراً، وانتظرت ساعات حتى وصلت المياه. لم أشترِ شيئاً لأطفالي في العيد، ولم أجهز لهم ملابس جديدة. كل وقتي وجهدي يضيع في البحث عن المياه".
وتضيف: "كنت أعمل بالخياطة، وهذه الفترة عادة ما تكون موسماً للرزق، لكنني انقطعت عن العمل منذ أسابيع بسبب انشغالي بتأمين الماء. فقدنا بهجة العيد، وفقدنا معها ما تبقى من طاقتنا".
ويضطر سكان المدينة للاعتماد على مياه الآبار أو شرائها من الصهاريج المتنقلة بأسعار مرتفعة، بعدما تلاشت إمدادات المياه الحكومية منذ سنوات، في واحدة من أسوأ الأزمات المعيشية التي تعصف بتعز، المدينة التي تحاصرها الحرب والعطش معاً.
يواجه سكان تعز ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار صهاريج المياه، حتى باتت تفوق رواتب الموظفين الحكوميين، في ظل الانهيار الحاد للعملة المحلية.
ومع ذلك، فإن توافر تلك الصهاريج ليس مضموناً، إذ يضطر المواطنون للانتظار أياماً وربما أسابيع للحصول على صهريج واحد.
يقول عبد الصمد عبد الكريم، وهو موظف حكومي: "تواصلت مع عدة أصحاب صهاريج، أغلبهم لا يردون، ومن يرد يرفع السعر فجأة.
أحدهم طلب 75 ألف ريال (نحو 75 دولاراً)، وبعد أن جمعت المبلغ واتصلت به مجدداً بعد ثلاثة أيام، رفع السعر إلى 100 ألف ريال (نحو 100 دولار). حاولت أن أتشارك مع جارين لشراء صهريج، لكن السائق لم يعد يرد".
من جهته، يقول المواطن نبيل بدر من أمام أحد المساجد التي توزع المياه مجاناً: "نحن لا نعيش أزمة خدمات، بل أزمة حياة. الإنسان لا يستطيع العيش من دون ماء، فكيف لمدينة بأكملها أن تستمر بهذا الشكل؟
المياه النظيفة لم تعد متاحة، ونحن نفتقد أبسط الحقوق الإنسانية".
الانتظار في طوابير العطش
يشير بدر إلى أن المواطنين يتزاحمون يومياً حول سبيل صغير داخل أحد المساجد، لا يُفتح إلا بين الساعة 11 ظهراً و3 عصراً، وهو المصدر الوحيد المتاح حالياً لمياه الشرب، في ظل غياب مشاريع حكومية أو دعم منظماتي فعّال.
ويضيف: "تعز تعاني أيضاً من غياب شبكة صرف صحي متكاملة. منذ أكثر من عشر سنوات، لم نر أي تحسن على رغم وصول مساعدات ومنح دولية. هناك فساد واضح في مشروع المياه والصرف، ولم تُحاسب أي جهة".
لم تعد أزمة المياه في مدينة تعز المحاصرة مقتصرة على أحيائها المكتظة، بل امتدت إلى الريف، مضيفة عبئاً جديداً على كاهل السكان.
وانتشرت مقاطع فيديو تظهر نقل المياه بوسائل بدائية في طرق وعرة، في مشهد ينذر بكارثة إنسانية متفاقمة في المدينة ومحيطها.
عقود من العطش
وتُعد أزمة المياه في تعز أزمة مزمنة تعود إلى أكثر من عقدين، إذ صدرت تحذيرات مبكرة بشأنها، رافقها وعود بمشاريع تحلية مياه البحر وبناء حواجز لتجميع مياه الأمطار، من دون تنفيذ فعلي.
ومع اندلاع الحرب، تفاقمت الأزمة بفعل انهيار البنية التحتية وتوقف المشاريع الحكومية، إضافة إلى سيطرة الحوثيين على مصادر المياه الرئيسية، وتدمير واسع في شبكات الضخ والتخزين.
باتت معظم الأسر تنفق مبالغ تفوق قدرتها للحصول على صهاريج مياه، فيما تقضي النساء والأطفال ساعات طويلة يومياً في جلب كميات محدودة من مصادر غير آمنة، ما أسهم في تفشي أمراض مرتبطة بتلوث المياه، خصوصاً في الأحياء الأشد فقراً.
عجز رسمي على رغم الدعم
لم تنجح السلطات المحلية في تعز في تقديم حلول فاعلة، واكتفى دورها بمناشدات متكررة للمانحين وإقالة مسؤولين، إلى جانب إصدار تسعيرات لصهاريج المياه لم تجد طريقها إلى التطبيق.
وعلى رغم الدعم الدولي المخصص لقطاع المياه والإصحاح البيئي في المحافظة خلال سنوات الحرب، لم ينعكس ذلك واقعياً على حياة السكان.
المياه ورقة ضغط بيد الحوثيين
محافظ تعز نبيل شمسان أشار، خلال لقائه منسق الأمم المتحدة جوليان هارنيس، إلى أن المدينة تعاني شحاً حاداً بسبب تأخر الأمطار واستمرار سيطرة الحوثيين على الأحواض الرئيسية المغذية للمدينة.
وفي السياق ذاته، قال الكاتب والصحافي سلمان الحميدي إن جماعة الحوثي تتحمل مسؤولية كبيرة في تفاقم الأزمة، نظراً لاحتكارها موارد المياه الرئيسية ورفضها الالتزام بالاتفاق الموقع مع "اليونيسف" لضخ المياه إلى مناطق الحكومة الشرعية، مقابل مبالغ مالية كبيرة.
واعتبر أن الجماعة تستخدم "التعطيش" كسلاح جماعي لمعاقبة السكان.
واعتبر الحميدي أن تعز "محافظة منكوبة مائياً" تعاني أزمة مزمنة منذ سنوات، في ظل غياب أي حلول فعلية، باستثناء مشروع لتحلية المياه طُرح عام 2005 ولم يُنفذ.
وأضاف أن سيطرة الحوثيين على الموارد المائية فاقمت الأزمة، محذراً من كارثة إنسانية مع تأخر الأمطار وغياب البدائل.
هشام الشبيلي
صحافي ومصور يمني