
دمشق و"قسد"... مناوشات عسكرية تعكس الاستعصاء السياسي
الرأي الثالث - وكالات
تبدو دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية"، (قسد) حريصتَين على عدم الانزلاق في أتون صدام عسكري، يمكن أن يكون سبباً مباشراً في إفشال المساعي الجارية للوصول إلى تفاهم سياسي بين دمشق و"قسد" مبني على اتفاق وُقّع في العاشر من مارس/آذار الماضي بين الرئيس السوري أحمد الشرع والقائد العام لهذه القوات مظلوم عبدي، في دمشق، لإنهاء ملف هذه القوات والمناطق الواسعة التي تسيطر عليها في شمال شرق سورية.
مناوشات محدودة بين دمشق و"قسد"
وجرت مناوشات عسكرية محدودة بين الطرفَين، أول من أمس السبت، في ريف حلب الشرقي، بعد قصف طاول قرية في هذا الريف من "قسد"، وفق إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية،
التي أشارت، في بيان، إلى أن "قوات الجيش العربي السوري صدّت عملية تسلل قامت بها قوات قسد على إحدى نقاط انتشار الجيش في ريف منبج قرب قرية الكيارية".
وقالت الإدارة لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إنّ "قسد نفذت صليات صاروخية استهدفت منازل الأهالي في قرية الكيارية ومحيطها في ريف منبج على نحوٍ غير مسؤول ولأسباب مجهولة، ما أدى إلى إصابة أربعة من عناصر الجيش وثلاثة مدنيين بجروح متفاوتة".
وأضافت أن "قوى الجيش تعمل على التعامل مع مصادر النيران التي استهدفت القرى المدنية القريبة من خطوط الانتشار"،
كما أشارت إلى أن وحدات الجيش السوري "نفذت ضربات دقيقة استهدفت مصادر النيران التي استخدمتها قوات قسد في قصف قرية الكيارية ومحيطها بريف منبج،
وقد تمكنت قواتنا من رصد راجمة صواريخ ومدفع ميداني جرى استخدامهما في الاعتداء بمحيط مدينة مسكنة الواقعة شرق محافظة حلب".
في المقابل، قالت "قسد" إنها "استخدمت حقّها الكامل في الدفاع عن النفس والرد على مصادر النيران"، وفق بيان صدر عن المركز الإعلامي لهذه القوات، أشارت فيه إلى أنها "ترفض ما ورد من مزاعم على لسان إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع في الحكومة السورية، بخصوص تعرض نقاطها لهجوم مزعوم من قواتنا"،
واتهمت ما أسمتها بـ"فصائل غير منضبطة عاملة في صفوف قوات الحكومة السورية"، بمواصلة الاستفزاز والاعتداء المتكرّر، على مناطق التماس في منطقة دير حافر.
كما اتهمت "قسد" وزارةَ الدفاع بـ"قلب الحقائق وتضليل الرأي العام بما لا يخدم الأمن والاستقرار"،
مشيرة إلى أن "قواتنا تمارس أقصى درجات ضبط النفس تجاه الهجمات والاستفزازات المتكررة لتلك الفصائل التي واصلت خلال الفترة الماضية حفر الخنادق ونقل المسلحين لتؤكد نيّاتها في التصعيد"، وفق البيان.
وهذه المرة الأولى التي تشهد فيها نقاط التماس بين الجيش السوري و"قسد" مناوشات، منذ مايو/أيار الماضي، حين توصلت دمشق و"قسد" إلى اتفاق لإيقاف إطلاق النار في محيط سدّ تشرين في ريف حلب الشمالي الشرقي الذي بقي لأشهر عدّة ساحة اشتباكات.
وكانت "قسد" قد وسّعت نطاق سيطرتها الجغرافية بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي في ريف حلب ووضعت يدها على مناطق عدّة كانت تحت سيطرة النظام السابق ومنها بلدتا دير حافر ومسكنة،
فضلاً عن تقدمها كيلومترات عدة في البادية السورية.
وتشي البيانات الإعلامية عقب المناوشات المحدودة بين دمشق و"قسد" التي جرت مساء أول من أمس، أن الطرفين حريصان على عدم الانزلاق إلى أتون صدام عسكري واسع النطاق،
ربما يضع حدّاً لمحاولات هدم هوّة الخلاف بينهما حول آليات تطبيق اتفاق مارس لدمج "قسد" في المؤسسة العسكرية السورية، والتفاهم حول الطرق المثلى لإدارة الشمال الشرقي من سورية.
ولكن كما يبدو، فإنّ ذلك انعكاسٌ للاستعصاء السياسي وتمترسِ كل جانب خلف مطالبه، وهو ما يدفع الأوضاع الميدانية إلى مزيد من التصعيد العسكري.
صفيح ساخن
وفي هذا الصدد، رأى المحلل العسكري العميد فايز الأسمر، أن الأوضاع الأمنية والميدانية في الداخل السوري "ستبقى على صفيح ساخن"،
مضيفاً أن "احتمالية الصدام المسلّح قائمة في أي لحظة بين الدولة السورية وبين قسد في شرق الفرات، أو مع فصائل حكمت الهجري (أحد مشايخ عقل الطائفة الدرزية) في محافظة السويداء (جنوبي سورية)،
إذ لا يمكن للأمن والاستقرار أن يستتب إلّا بسيطرة الدولة على كامل جغرافيتها وسحب السلاح المنفلت من الأطراف كافّة وحصره بيد الجهات المختصة".
وبرأيه، فإنّ "أي هدنة بين قسد والحكومة هي هدنة هشة جداً"، مضيفاً: "لذا من المحتمل في أي لحظة أن تتحوّل إلى مواجهات مفتوحة يسيل فيها الدم السوري من الجهات كافّة طالما أن الأسباب التي ذكرتها لا تزال موجودة"،
وتابع: "لا يمكن لأي دولة في العالم أن تقبل بوجود كتل مسلحة أو مناطق جغرافية خارجة عن سيطرتها، وبالتالي فإنّ الظروف الميدانية مهيأة كثيراً لاندلاع صراع مفتوح في أي وقت من الأوقات بين الدولة السورية ومليشيات الهجري وقسد".
وكان اتفاق مارس الذي وُصف في حينه بـ"التاريخي"، نصّ صراحة على "دمج المؤسسات المدنية والعسكرية كافّة في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز"،
بيد أن "قسد" والتي تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية ثقلها الرئيسي، تريد الانضمام إلى الجيش السوري كتلة واحدة مع الاحتفاظ بالسلاح ومناطق السيطرة والنفوذ وهو ما ترفضه دمشق، ما يشكّل العقبة الأكبر أمام تطبيق بنود الاتفاق رغم تدخل أطراف إقليمية ودولية.
واتهم إبراهيم مسلم، وهو باحث سياسي مقرب من الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، فصائل مرتبطة بالجانب التركي في شمال سورية بمحاولة "خلق فتنة" تحول دون مواصلة التفاوض بين الحكومة السورية و"قسد".
ورجّح مسلم ارتفاع وتيرة التصعيد العسكري في الفترة المقبلة "نتيجة التحريض الإعلامي"، مشيراً إلى أن الإدارة الذاتية "حريصة على نجاح المفاوضات مع دمشق".
ومن المقرّر أن تستضيف العاصمة الفرنسية باريس خلال شهر أغسطس/آب الحالي جولة تفاوض جديدة بين وفدي دمشق و"قسد" بعد فشل الجولة الماضية، التي عقدت قبل نحو شهر في دمشق.
وخاض الطرفان جولات تفاوض عدة منذ مارس الماضي، لم تفضِ إلى نتائج يمكن البناء عليها، فملف سدّ تشرين لم يغلق بعد بسبب إصرار "الإدارة الذاتية" على إدارة مشتركة بحسب مصادر مطلعة في محافظة الحسكة.
والاختراق الوحيد الذي تحقق هو إجراء امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية، في مناطق سيطرة "قسد" والإدارة الذاتية تحت إشراف الحكومة السورية.