
فيضانات اليمن تفاقم المأساة الإنسانية وسط العجز الشامل
عمقت الأمطار التي تشهدها اليمن منذ أسبوع وطأة المأساة الإنسانية في البلاد جراء الأضرار البشرية والمادية التي سببتها الفيضانات خصوصاً التي لحقت بمخيمات النازحين، فضلاً عن الأضرار البالغة التي طاولت عدداً من المنشآت والمباني الأثرية.
وكشفت لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) هي منظمة غير حكومية الأسبوع الجاري، عن تضرر أكثر من 100 ألف يمني إثر الفيضانات المفاجئة جنوب البلاد، التي أدت إلى نزوح آلاف المواطنين وسجلت وفاة ستة أشخاص أول من أمس الثلاثاء في محافظات ريمة وحضرموت وتعز وشبوة،
فيما استنفرت الحكومة اليمنية إمكاناتها للوقوف في وجه الكارثة بسلسلة إجراءات مستعجلة تسعى للحد من الأضرار وتعالج أسبابها.
وتشهد اليمن "منخفضاً جوياً أخدودياً" أسفر عن تدفق سيول وفيضانات جارفة، أطلق معه المركز الوطني للأرصاد الجوية بيانات طالب فيها اليمنيين بضرورة الابتعاد من مجاري السيول في المناطق المتضررة واتخاذ الاحتياطات اللازمة.
أكثر بكثير
وبإمكانات محدودة وواقع صعب تسعى الحكومة الشرعية إلى مواجهة هذه الظروف المناخية للحد من تداعياتها المحتملة على السكان، بعدما استنفرت جهودها المتاحة بتوجيهات حكومية إلى الوزارات المعنية والسلطات المحلية للتصدي لتبعات الهطول الغزير للأمطار.
وكُرس اجتماع حكومي لمناقشة التداعيات الإنسانية والمادية التي خلفتها موجة السيول الأخيرة، والإجراءات العاجلة التي تعتزم السلطات تنفيذها للتقليل من آثارها.
وأكد رئيس الوزراء اليمني سالم بن بريك اعتزام حكومته اعتماد مقاربة مزدوجة تقوم على خطط عاجلة للاستجابة الإنسانية بالتوازي مع رؤى استراتيجية طويلة المدى، تراعي حجم التحديات البيئية والمناخية التي تواجه البلاد.
وفي إجراء ميداني يسعى إلى تجنيب المدن المأهولة من تدفق مزيد من السيول، أقرت الحكومة البدء بتنفيذ مشروع الممر المائي داخل منطقة الوادي الكبير بمدينة عدن التي لحقت بها أضرار بالغة، بطول 13 كيلومتراً وعرض 300 متر بهدف تصريف السيول وتجنب الكوارث المتكررة.
وتوقعت لجنة الإنقاذ الدولية أن تكون الأعداد الحقيقية للضحايا والخسائر أكثر بكثير بسبب صعوبة الوصول إلى المناطق النائية، ورفض بعض السلطات المحلية داخل مناطق سيطرة الحوثيين الكشف عن الأضرار.
وذكرت ضمن بيان أن "الفيضانات العارمة المفاجئة التي اجتاحت المحافظات الجنوبية أدت إلى تضرر أكثر من 100 ألف شخص، بعدما دمرت منازل وخيام نازحين وغمرت أراضي زراعية".
وقالت إن "البنية التحتية الحيوية مثل الطرق وخطوط الكهرباء ومرافق المياه والصرف الصحي تعرضت لأضرار بالغة، مما أدى إلى قطع الخدمات الأساس عن المجتمعات وإجبار الآلاف على النزوح".
فيما قالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن الأمطار الغزيرة والفيضانات التي شهدتها محافظة حجة شمال غربي البلاد خلال الأيام الأخيرة تسببت في تضرر أكثر من 16 ألف أسرة (أكثر من 100 ألف شخص). وأوضحت المفوضية الأممية أن الأمطار الغزيرة والفيضانات الناجمة عنها أدت إلى تدمير المنازل والملاجئ الموقتة للأسر المتضررة بالمحافظة،
وفقدت أسر عدداً من أفرادها. وقالت إنها بادرت مع شركائها الإنسانيين بتقديم المساعدات الطارئة للأسر المتضررة في مجالي المأوى والإغاثة.
مأساة متفاقمة
وعلاوة على الأخطار الداهمة التي يواجهها السكان بلا أية إجراءات حماية، كشفت لجنة الإنقاذ الدولية أن "المحافظات المنكوبة تواجه أيضاً مستويات طوارئ من انعدام الأمن الغذائي، حيث تعاني الأسر هناك من نقص حاد في الغذاء ومستويات عالية من سوء التغذية".
وتوقعت "هطول مزيد من الأمطار الغزيرة، والتي تهدد بتشريد عدد من الأسر والتسبب في معاناة إضافية للمجتمعات الضعيفة التي تقع بالفعل في قلب أزمة الجوع المدمرة".
ووفق ما أوردته لجنة الإنقاذ، فإن الأطفال وكبار السن والأسر النازحة يواجهون خطر تفاقم الجوع، بينما تتعرض المجتمعات المحلية أيضاً لأخطار جديدة من الأمراض المنقولة بالمياه، ومخلفات الحرب المتفجرة التي كشفت عنها الفيضانات.
وقال القائم بأعمال مدير اللجنة الدولية للإنقاذ في اليمن إشعياء أوغولا إن مناطق سيطرة الحكومة اليمنية تعاني بالفعل أزمة غذائية حادة، وزادت هذه الفيضانات من تفاقم حال الطوارئ واستنفد الناس كل سبل التكيف. وأضاف أن بعض السكان أخبروا اللجنة كيف لجأوا إلى البحث عن النباتات البرية لإطعام أطفالهم.
صور الحزن القائم
وفي مشاهد تضاف إلى صور الحزن التي لم تغادر البلد المنكوب بالحرب والأوبئة، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً تظهر بعض الأسر المتضررة في مخيمات النازحين داخل عدة محافظات،
وصوراً للأضرار التي لحقت بالممتلكات والطرقات، منها الآثار التي خلفتها الفيضانات في محيط منطقة الحسوة بالعاصمة الموقتة عدن، التي غطت مساحات شاسعة في المناطق المأهولة بالمباني السكنية جراء ضيق مجراها الذي سببه الزحف العمراني العشوائي، وفقاً لتقارير حكومية.
ويمتد موسم الأمطار المعتاد في اليمن من أبريل (نيسان) إلى أغسطس (آب). ومع حال الصراع السياسي وانقسام البلاد خلفت فيضانات الأعوام الماضي عشرات الضحايا وأجبرت عشرات الآلاف على مغادرة منازلهم في ظل ظروف إنسانية معقدة بفعل أكثر من 10 أعوام من الحرب التي أشعلها الانقلاب الحوثي،
بعدما زادت هشاشة البنية التحتية مع الضعف الحاصل في أجهزة الاستجابة، فيما تتفاقم الأخطار البيئية بفعل التغير المناخي.
صنعاء في الخطر
وفي صنعاء أفاد السكان بوفاة طالبتين إثر انهيار سور أرضية في مديرية بني الحارث شمال العاصمة صنعاء،
فيما أكد سكان لـ"اندبندنت عربية" تضرر عدد من المنازل في أحياء صنعاء القديمة جراء الأمطار وتدفق السيول،
وباتت بقية المنازل التاريخية القديمة مهددة بالانهيار نتيجة غياب الصيانة من قبل الجهات المتخصصة، وعدم الاهتمام بمجاري وتصريف السيول،
وهي تحذيرات أكد السكان تفاقمها منذ سيطرة الحوثيين على المدينة خلال الـ21 من سبتمبر (أيلول) 2014، جراء وقفهم كل مخصصات الصيانة والتصريف.
وسبق وأطلقت منظمة "اليونيسكو" نداء استغاثة لحماية المدينة التاريخية من أضرار السيول والأمطار، جراء توقف أعمال التصريف والصيانة الدورية.
وتعد صنعاء واحدة من أقدم المدن المأهولة ولديها تاريخ من القرن الخامس قبل الميلاد،
وتمتاز بطابع معماري فريد أدخلها ضمن المدن التاريخية العالمية، وصنفت مدينة صنعاء القديمة ضمن مواقع التراث العالمي لـ"اليونيسكو" بسبب طابعها التاريخي المميز، والخصائص المعمارية الفريدة لمبانيها المتعددة الطوابق والمزينة بصور هندسية.
وباتت تشكل مواسم الأمطار تهديداً وجودياً للمواطنين وخطراً على التراث الإنساني والتاريخي داخل المدينة وباقي المناطق اليمنية.
توفيق الشنواح
صحافي يمني