
ترامب بين التزامه للعرب وضغوط الواقع.. هل يمنع ضم الضفة الغربية؟
الرأي الثالث - وكالات
في لحظة تتصاعد فيها التوترات الإقليمية، جاء تصريح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ليضيف بعداً جديداً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، معلناً أن ضم الضفة الغربية خط أحمر لن يسمح بتجاوزه.
وخلال لقاءات مغلقة مع قادة عرب ومسلمين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، تلقى ترامب رسائل واضحة: "لا مجال لضم الضفة إذا كان الهدف هو إبقاء بصيص أمل لحل الدولتين"،
فهذه الرسائل بدت حاسمة، إذ ربط القادة العرب بين استمرار أي حوار مع واشنطن وبين ضمانات ملموسة لكبح التوسع الإسرائيلي.
لكن إعلان ترامب في البيت الأبيض، رغم قوته الخطابية، فتح الباب أمام تساؤلات أخرى حول مدى قدرته أو رغبته في فرض هذا الموقف على حليفه الأبرز في الشرق الأوسط،
فهل يملك الرئيس الأمريكي فعلاً أدوات كافية للضغط على حكومة بنيامين نتنياهو، أم أن الأمر سيبقى عند حدود التصريحات؟
التزام معلن
في تصريحاته للصحفيين (25 سبتمبر 2025) في البيت الأبيض قال ترامب: "لن أسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية، لن أسمح بذلك. لقد طفح الكيل، حان الوقت للتوقف الآن"، مؤكداً أن القضية كانت محوراً أساسياً في نقاشاته الأخيرة مع قادة عرب ومسلمين.
وأوضح أن التعهد بعدم السماح بالضم جاء استجابة لمخاوف هؤلاء القادة الذين حذروا من أن أي خطوة إسرائيلية بهذا الاتجاه ستقضي على إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
الرئيس الأمريكي شدد على أن إدارته ستواصل العمل مع الأطراف كافة من أجل الوصول إلى تسوية عبر المفاوضات، لكنه أكد أن "الضم خط أحمر" لا يمكن تجاوزه.
هذا التعبير لم يكن عادياً في قاموس البيت الأبيض، إذ يعكس محاولة لوضع قيود علنية أمام حكومة نتنياهو، في وقت تتصاعد فيه الضغوط الداخلية عليه من بعض شركائه لتعزيز السيطرة على الأراضي الفلسطينية.
اجتماع القادة العرب
وخلال اجتماعات مغلقة في نيويورك، التقى ترامب بقادة من السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن وتركيا وإندونيسيا وباكستان، وبحسب وسائل إعلام دولية عرض القادة "خطوطاً حمراء" شملت رفضاً قاطعاً لضم الضفة الغربية.
الزعماء العرب، الذين شاركوا أيضاً في صياغة خطة من 21 نقطة لوقف الحرب في غزة وإدارة القطاع عبر هيئة غير تابعة لحركة "حماس"، اعتبروا أن أي تجاهل لهذه المطالب سيعني انهيار أي مسار سياسي قادم.
ولاحقاً في الـ29 من سبتمبر، أعلن ترامب في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أبرز بنود خطته لوقف الحرب، ومنها إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين ونزع سلاح "حماس".
وتنص الخطة على إطلاق حوار بين "إسرائيل" والفلسطينيين للتوصل إلى "أفق سياسي يضمن تعايشاً سلمياً ومزدهراً"، مع تأكيد أن "إسرائيل" لن تحتل غزة أو تضمها، ولن يُجبر أي طرف على مغادرتها.
واللافت في الخطة التي طرحها ترامب أنها خلت من أي بند يتعلق بالضفة الغربية، أو أي إشارة لها واكتفى بالحديث عن منع الاحتلال من ضم غزة أو أجزاء منها إلى الأراضي المحتلة.
الضغوط الدولية والإقليمية
وتواجه الولايات المتحدة ضغوطاً متزايدة من حلفائها الأوروبيين والعرب، فقد استضافت باريس والرياض مؤتمراً دولياً مشتركاً دعا إلى إنهاء الحرب وتمكين دولة فلسطينية مستقلة.
في الوقت نفسه، أعلنت دول مثل فرنسا والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا وغيرها، اعترافها رسمياً بدولة فلسطين، لتنضم إلى أكثر من 150 دولة حول العالم اتخذت الموقف ذاته.
هذه التطورات وضعت إدارة ترامب في موقع حرج، ففي حين يتمسك البيت الأبيض بدعم "إسرائيل"، فإنه يجد نفسه مطالباً بموازنة هذا الدعم مع الضغوط الدولية التي ترى في استمرار الاستيطان والضم تهديداً للاستقرار الإقليمي والعالمي،
وهو ما يجعل من هذه الضغوط فرصة لتعزيز مواقف زعماء العرب، شرط أن يحول الرئيس الأمريكي أقواله إلى أفعال.
نتنياهو بين الضغوط والفرص
على الجانب الإسرائيلي، يواجه نتنياهو ضغوطاً داخلية من شركاء في الائتلاف الحكومي يطالبون بفرض سيادة كاملة على الضفة الغربية، فهؤلاء يرون أن اللحظة السياسية مواتية، خاصة مع انشغال العالم بالحرب في غزة والانقسامات الدولية بشأنها.
لكن موقف ترامب العلني شكل مفاجأة، إذ وضع خطوطاً حمراء أمام الطموحات اليمينية داخل "إسرائيل".
وتعليقاً على ذلك، يقول الباحث السياسي نجيب السماوي إن ترامب يحاول الموازنة بين التزاماته المعلنة أمام القادة العرب والمسلمين وبين الضغوط الداخلية والإسرائيلية التي تحد من قدرته على فرض قرارات حاسمة في ملف الضفة الغربية.
وأضاف :
- تصريحات ترامب التي أكد فيها أنه لن يسمح بضم الضفة الغربية، تعكس رغبة في طمأنة الشركاء العرب والإسلاميين، لكنها في الوقت ذاته لم تترافق مع أي أدوات ضغط واضحة على حكومة بنيامين نتنياهو.
- إعلان ترامب خطته لوقف حرب غزة، وما تتضمنه من ترتيبات مرحلية لإطلاق الرهائن ووقف إطلاق النار، يدفع الإدارة الأمريكية إلى تجنب أي خطوات إسرائيلية أحادية الجانب في الضفة قد تفجر الموقف الإقليمي وتعرقل فرص التسوية المؤقتة.
- لكن سجل الإدارة الأمريكية يظهر أنها تميل إلى منع الضم القانوني المباشر فقط، فيما تغض الطرف عن الضم الزاحف عبر التوسع الاستيطاني وشرعنة البؤر وبناء الطرق، وهو ما يمنح نتنياهو مساحة واسعة للمناورة من دون الدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن.
- الضغوط الداخلية في "إسرائيل"، خصوصاً من شركاء نتنياهو اليمينيين، تجعل من الصعب على ترامب فرض خطوط حمراء صلبة، والرئيس الأمريكي سيكتفي غالباً بمنع الإعلان الرسمي عن الضم، بينما يترك الواقع على الأرض يتشكل لصالح الاحتلال.
- الموقف الأمريكي المقبل سيتضح من خلال ربط خطة غزة بأي تعهدات حول الضفة، ومن خلال مدى استعداد ترامب لاستخدام أدوات مثل المساعدات العسكرية أو الموقف في مجلس الأمن،
لكن حتى الآن، يبقى الأرجح أن واشنطن ستكتفي بالتصريحات المانعة للضم القانوني، من دون خطوات عملية توقف التوسع الفعلي على الأرض.
خلفية الاستيطان منذ 1967
منذ احتلال "إسرائيل" للضفة الغربية في حرب عام 1967، تضاعف حجم وعدد المستوطنات مرات عدة، حيث تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن المستوطنات باتت تشطر الضفة إلى مناطق متفرقة،
مع شبكة طرق وبنى تحتية تخضع للسيطرة الإسرائيلية، مما يزيد من تقطيع أوصال الأرض الفلسطينية.
هذه الوقائع على الأرض تجعل من فكرة الضم الرسمي مسألة رمزية أكثر منها عملية، إذ يرى الفلسطينيون أن الاحتلال فرض بالفعل وقائع تجعل إقامة دولة متصلة الأطراف أمراً شبه مستحيل.
ومع ذلك، فإن الإعلان عن الضم سيُعتبر خطوة تصعيدية تنهي أي أفق لحل الدولتين، وهو ما يحاول ترامب تجنبه، على الأقل في هذه المرحلة.
وأيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، المكونة من 193 عضواً، مؤخراً إعلاناً من سبع صفحات يدعو إلى تنفيذ حل الدولتين وإنهاء الحرب في غزة.
القرار حظي بأغلبية ساحقة، ما اعتُبر مؤشراً على المزاج الدولي الداعم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، لكن في المقابل، رفضت "إسرائيل" وإدارة ترامب هذا المسار باعتباره "مكسباً لحماس".