الفرق بيننا وبين الغرب ليس في العقول!!
الفرق بيننا وبين الغرب ليس في العقول، بل في نظام التشغيل والبرامج التي يتم تحميلها في انظمتنا التعليمية الاساسية للطفل.
هنا لك أن تتخيّل أنك تمتلك أحدث حاسوب في العالم أي طفلك، بقدرات مذهلة، لكن من دون نظام تشغيل حديث. ثم يأتيك والدك أو مجتمعك العجوز -وهم يمثلون النظام التعليمي- ليفرض عليك نسخة قديمة من نظام تشغيل تعود إلى التسعينيات.
بالطبع سيعمل الجهاز، لكنه سيبقى محدود الأداء، متعثرًا أمام البرامج الحديثة، مغلقًا أمامه باب التطوير والاستفادة وكثير المشاكل والاخفاق.
وعندما تبحث عن حل، يقترحون عليك من بأب الارتجال زيادة تركيب برامج عتيقة اعتُمدت يومًا ما عند آبائك وأجدادك، معتبرينها أفضل ما يمكن لأنها خدمتهم في زمانهم.
لكنك ستكتشف سريعًا أن النتائج ما زالت بدائية ومشوهة، صالحة لعصر مضى، لكنها عاجزة عن مواجهة حاضر متسارع أو مستقبل معقد. جهازك الجديد لا يعمل بكل طاقته او امكانيته المعطلة او المهملة
يتحول عندها إلى أداة منعزلة، عاجزة عن التشابك مع غيرها أو عن إنتاج معرفة حقيقية.
وهذا تمامًا ما يحدث مع عقول أطفالنا في العالم العربي. الغرب لم يولد بعقولٍ أكبر أو أفضل، ولم نُخلق بأدمغة أصغر أو أضعف. عدد الخلايا العصبية واحد، والقدرات الفطرية متقاربة.
لكن الفرق أنهم زودوا عقولهم بأنظمة تشغيل حديثة، وبرامج تعليمية وفكرية، تجعلها متصلة ومتعاونة ومتجددة بلا انقطاع. أنظمة وبرامج تحميها من "فيروسات العصر" كالجهل والتعصب والانغلاق، وبرامج تفتح لها المجال للإبداع الفردي والعمل المشترك في آن،
تمامًا كما تتكامل الأجهزة داخل شبكة واحدة. ولهذا تكون إنتاجيتهم كمجتمعات بهكذا نظام تشغيل وبرامج وفيرة وسريعة وذات جودة عالية.
أما نحن، فما زلنا نزرع في عقول أطفالنا أنظمة وبرامج قديمة تعود لعصور غابرة، ثم نتعجب لماذا نعجز عن التقدم خطوة إلى الأمام. والحقيقة أن العقل جهاز مذهل، لكن فعاليته لا تحددها قدراته الفطرية وحدها، بل نظام التشغيل الذي نزوده به منذ طفولته في انظمتنا التعليمية.
التعليم الصحيح، والانفتاح على المعرفة، وصناعة المهارات، ليست رفاهية، بل هي مفاتيح التشغيل الحقيقية لمستقبل الأفراد والمجتمعات. فلا قيمة لعدد الأجهزة إن كانت تعمل بأنظمة وبرامج متهالكة، لأننا عندها لن ننتج سوى الماضي، بينما غيرنا يكتب المستقبل.
ولذا، إذا كان العقل جهازًا عجيبًا ونظام التشغيل هو سر فعاليته، فإن أولى خطوات النهضة تبدأ من المراحل الأولى لتعليم أطفالنا.
هناك تتحدد البذرة التي تُبرمج عقولهم إمّا على أنظمة بالية تعيد إنتاج الماضي، أو على أنظمة حديثة تصنع المستقبل. فالاهتمام بالطفولة هو الاستثمار الحقيقي، لأنه وحده يضمن عقولًا قادرة على الإبداع، محصّنة ضد فيروسات التخلف، ومهيأة للانخراط في عالم سريع التغيّر.