الزبيدي يختبر حدود السلطة في اطار الشرعية
جاءت قرارات عيدروس الزبيدي الأخيرة في توقيت حساس سبقها الإعلان عن عقوبات أمريكية ولقاء مشترك جمعه إلى جانب عبد الرحمن المحرمي مع السفير الأمريكي في عدن وهو تسلسل للأحداث لا يمكن قراءته بمعزل عن الضغوط الإقليمية والدولية . .
إذ يبدو أن الزبيدي حرص على أن يضفي على قراراته غطاءً دبلوماسيًا يبعث على الطمأنينة ويمنحها مشروعية سياسية أمام الداخل والخارج .
اللافت أن المجلس الانتقالي لم يكن ليُقدم على خطوة بهذا الحجم دون أن يأخذ بالاعتبار تداعياتها المحتملة خصوصًا على المسار الاقتصادي .
فالمجلس ظل في الفترة الماضية يقدّم نفسه كأحد أبرز الداعمين للإصلاحات المالية والاقتصادية ويعتبرها جزءًا من أوراق قوته السياسية .
لذلك فإن أي اهتزاز في هذه المكاسب سيضعه في مواجهة مباشرة مع الشارع الجنوبي الباحث عن الاستقرار والخدمات قبل أي مشاريع سياسية كبرى .
لكن في المقابل فإن هذه القرارات مرشحة لإثارة ردود فعل قاسية من بعض حلفاء الشرعية ممن لعبوا دور الوسيط والضامن في معظم التفاهمات السابقة .
فبالنسبة لهؤلاء الشركاء فإن أي خطوة أحادية من جانب الانتقالي تُعتبر تهديدًا لتوازنات قائمة قد تقوّض صيغة التوافق التي بنيت عليها الشرعية السياسية في المرحلة الراهنة .
وهو ما قد يدفعهم للانحياز بقوة أكبر إلى الطرف الشرعي التقليدي باعتباره الكابح الأساسي للطموحات الجنوبية .
إن الزبيدي وهو نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي يدرك أن قراراته تحمل بعدًا قانونيًا ودستوريًا شائكًا فمجلس القيادة قام على فكرة القيادة الجماعية والتوافق .
وأي انفراد بالقرار سواء من الرئيس أو نائبه يفتح الباب أمام طعون دستورية ويكشف هشاشة البنية السياسية التي صُممت كبديل للرئاسة الفردية . .
ومن هنا فإن هذه الخطوة تمثل في آن واحد تأكيدًا لحقه في ممارسة صلاحياته في غياب الرئيس واختبارًا عمليًا لمدى قدرة الشرعية على استيعاب مثل هذه القرارات .
على الصعيد الإقليمي والدولي فإن هذه التطورات تعكس تداخل المصالح الاقليمية والأمريكية في الجنوب فالإمارات ترى في خطوات الانتقالي امتدادًا لاستراتيجيتها .
بينما تنظر السعودية بعين الحذر إلى أي ترتيبات جديدة أما واشنطن فإنها توازن بين دعم الاستقرار ومكافحة الإرهاب وبين إبقاء أوراق الضغط السياسية في يدها وهو ما يجعل العقوبات الأخيرة جزءًا من معادلة الضغط والتطويع .
في المحصلة تمثل قرارات الزبيدي مفترق طرق لمستقبل الانتقالي والشرعية على السواء فهي من جهة تعكس جرأة المجلس في فرض أمر واقع سياسي وإداري .
ومن جهة أخرى تفتح الباب لصدام محتمل مع الحلفاء الإقليميين والشركاء المحليين بما يهدد بعض المكتسبات الاقتصادية والسياسية التي تحققت مؤخرًا .
الأمر الذي يجعل السؤال الأبرز هو هل سينجح الانتقالي في تحويل هذه الخطوة إلى مكسب استراتيجي أم أنها ستكون بداية أزمة جديدة في قلب الشرعية اليمنية . . .
* سفير بوزارة الخارجية