
محافظ حضرموت: أطلقنا خطة تستنهض واقعنا الاقتصادي والاجتماعي
الرأي الثالث
بدعم سعودي وأممي، أعلنت السلطة المحلية في محافظة حضرموت (شرق اليمن) إطلاق "الخطة التنموية الاقتصادية والاجتماعية للفترة 2025 – 2029"، في خطوة تهدف إلى مواجهة التدهور الخدمي والاقتصادي، بعد موجة احتجاجات شعبية اكتسبت أبعاداً سياسية لوّحت باستخدام وسائل ضغط غير مسبوقة.
و قال محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي إن الخطة "ترمي إلى الانتقال من مرحلة الإغاثة الإنسانية إلى مرحلة تنموية مستدامة، استناداً إلى نهج البرمجة التنموية القائمة على المناطق الذي أطلقته الأمم المتحدة عام 2023"،
وأوضح أن السلطة المحلية "عملت منذ العام الماضي على إعداد هذه الخطة عبر مراحل إدارية وتنظيمية وفنية عدة، وصولاً إلى وثيقة تعكس الحاجات الأساسية للمجتمع المحلي، وتعزز موارده الاقتصادية والاجتماعية، وتحقق تطلعاته في الأمن والاستقرار المعيشي والخدمي".
وجرى الإعلان عن الخطة في حفل رسمي بمدينة المكلا وشهد حضوراً إقليمياً ودولياً واسعاً.
عن فحوى هذه العملية والمستهدفات التي تعنيها أكد بن ماضي إنها تستهدف "تطوير الإدارة التنموية للسلطة المحلية والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وتحسين الخدمات الأساسية والاجتماعية والاستفادة من الفرص الواعدة والمزايا النسبية لزيادة وتيرة النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل تعزز الوضع المعيشي والخدمي للمواطنين".
وبثلث مساحة البلاد وما يقارب 80 في المئة من مخزونها النفطي تشهد حضرموت منذ منتصف العام الماضي سلسلة أحداث وتطورات جماهيرية متنامية، طالبت في خطابها بإيجاد حلول كاملة لجملة القضايا الخدمية التي ترتبط بجذور تاريخية وسياسية،
في ظل مخاوف من تفاقمها وتحولها إلى صراع محوري يفاقم المشكلات المركبة التي يعانيها اليمن عموماً بفعل الانقلاب الحوثي المدعوم من النظام الإيراني وما أنتجه من وضع إنساني هو الأسوأ على مستوى العالم وفق الأمم المتحدة.
بين التفاؤل والواقع السياسي
وعلى رغم الواقع الاقتصادي والسياسي المعقد والصعب الذي تعيشه البلاد، عبر بن ماضي عن تفاؤله "بأن تحقق الخطة نتائج ملموسة خلال الفترة الزمنية المحددة، لا سيما مع الاهتمام الكبير من جميع الشركاء المحليين والإقليميين والدوليين الذين شاركوا في فعالية الإطلاق".
وعن مدى أهمية الدعم الإقليمي والدولي لحضرموت كشف أن "سفراء الأشقاء في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أكدوا دعمهم الخطة إلى جانب سفراء الدول الصديقة مثل الصين وكوريا وكذلك الممثل المقيم للأمم المتحدة في بلادنا".
واعتبر أن "هذا الدعم الواسع يمنحنا ثقة أكبر في المضي قدماً نحو تحقيق أهداف الخطة بما يخدم تطلعات أبناء حضرموت ويعزز من مكانتها التنموية على المستويين الوطني والإقليمي".
التفاؤل الحكومي لحل المشكلات القائمة في المحافظة اليمنية الإستراتيجية، عبر عنه أيضاً رئيس الوزراء اليمني سالم بن بريك خلال كلمته في فعالية إشهار العمل عبر تقنية الاتصال المرئي بقوله إن "الخطة رسمت مساراً عملياً واضحاً بأهداف وأولويات محددة تمتد لخمسة أعوام تركز على تعزيز البنية التحتية وخدمة القطاعات الإنتاجية وتشجيع الاستثمارات وتمكين المرأة والشباب".
وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة تعانيها خزينة الحكومة بفعل توقف تصدير النفط جراء التهديدات الحوثية التي قصفت موانئ التصدير قبل أكثر من عامين ومدى دعم هذه الرؤية لتلبية المطالب بحضرموت، وجه بن بريك "الشكر للأشقاء في المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على دعمه الفني ومساهماته في إعداد هذه الخطة وللمنسق المقيم للشؤون الإنسانية في اليمن على جهوده في حشد الدعم الدولي"،
داعياً "القطاع الخاص ورأس المال الوطني إلى العودة والاستفادة من الفرص المتاحة للإسهام في بناء الوطن، متطرقاً إلى مشكلة الكهرباء التي قال إنها تعد إحدى أبرز التحديات اليومية الراهنة للمواطنين وأبرز أسباب الاستنزاف الكبير لموارد الدولة".
وفي هذا القطاع الحيوي أعلن عن "دراسة معالجات وطنية جادة تنهي مشكلة الكهرباء"، مؤكداً أن "نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل سيشهد إطلاق المؤتمر الوطني للطاقة الذي سيكون منصة لوضع رؤية واضحة ومتكاملة لحل المشكلة وتحويل هذا القطاع من عبء على الاقتصاد إلى رافد للتنمية".
وتأتي إجراءات الحكومة اليمنية عقب أعوام من التعبيرات الجماهيرية التي شهدتها حضرموت على مدى العامين الماضيين، اتخذت للمرة الأولى منحى سياسياً باتت بعض فعالياته تلوح بالقوة في إطار ما اعتبره مراقبون تسابقاً محموماً بين عدد من المكونات اليمنية لفرض حضورها في المحافظة ذات الثقل الاقتصادي والتاريخي البارز،
تزامناً مع تنامي المطالب الشعبية هناك بتحسين الخدمات وإيجاد حلول لعدد من المشكلات والقضايا التاريخية، منها مطلب الإدارة الذاتية والتمثيل العادل في مؤسسات الدولة عقب أعوام من المعاناة مع انقطاع الكهرباء والمياه وبقية الخدمات، في حين تحمل في باطنها مخزوناً ضخماً من الثروات النفطية، وبلغت المطالبات حد رفع شعارات تدعو إلى "التمكين الحضرمي الكامل"، وضرورة استعادة القرار لأبناء المحافظة.
وإزاء ذلك أمر مجلس القيادة الرئاسي بتشكيل "لجنة رئاسية" لمعالجة مطالب أبناء حضرموت إلا أنه لم يعلن عما حققته حتى الآن، وعلى رغم عقد المجلس الرئاسي في الـ17 من سبتمبر (أيلول) عام 2024 لمناقشة الوضع المتوتر هناك، فإنه لم يعلن بعد عن التوصل إلى نتائج تسهم في حلحلة الأزمة، مع تأكيد "تفهمه الكامل للحقوق المطلبية لأبناء حضرموت"، وفق بيان الاجتماع الذي نشرته يومها وكالة الأنباء الرسمية "سبأ".
سباق أم تصحيح؟
ووسط حال من التفاؤل الرسمي، يترقب أبناء حضرموت نتائج هذه الخطة التي وصفها محافظها مبخوت بن ماضي، بأنها تمت "بأسس منهجية وعلمية بدأت بتشكيل لجنة رئيسة برئاسته لجمع وتحليل البيانات وصياغة المسودة"، لإحداث معالجات ملموسة في مفاصل المحافظة ذات الثقل السياسي والاقتصادي ووضع حد لانهيار البنية الإدارية للحكومة الشرعية الحامل السياسي القانوني والشرعي المعترف به ومعالجة التردي المتلاحق للخدمات،
في حين يعتبرها بعض المتابعين أحد تجليات السباق السياسي في المحافظة الإستراتيجية ورداً حكومياُ على تحركات قادها في العامين الماضيين "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يتبنى مشروع استعادة الدولة الجنوبية التي دخلت في وحدة اندماجية مع اليمن الشمالي 1990 في ظل حال من الانقسام السياسي الرأسي إزاء تحديات وجودية ممثلة بالمشروع الحوثي الذي يتهدد الجميع.
وفي نهاية يوليو (تموز) 2024 بدأ خط سير الأوضاع يأخذ منحى تصعيدياً على يد "حلف قبائل حضرموت" تزامناً مع زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى المحافظة التي تقع في نطاق سيطرة الحكومة اليمنية الشرعية،
وأصدر الحلف بياناً من ست نقاط، هدد في إحداها الحكومة بوضع يده "على الأرض والثروة" إذا لم تستجب لمطالبه خلال 48 ساعة، ودعا في نقطة أخرى "المجتمع والقوى الوطنية في حضرموت إلى مساندته"،
معبراً عن حال الغليان الشعبية في المحافظة التي تتوزع في نطاقين جغرافيين وإداريين ممثلين بالساحل والوادي، جراء تدهور الخدمات الأساسية وأبرزها الكهرباء، ولذا أعلنت قبائل عدة عن مساندتها مواقف "رئيس الحلف".
ويلحظ حرص الحكومة الشرعية على احتواء المطالب الحضرمية للحد من تفاقم المشكلات وتحولها إلى أزمة تعصف بالمحافظة التي تشكل 36 في المئة من إجمال مساحة البلاد، وتهدئة التصعيد الشعبي ضد السلطة المحلية ومجلس القيادة الرئاسي الذي يتبناه "حلف قبائل حضرموت" و"مؤتمر حضرموت الجامع"،
وهما الكيانان الجماهيريان اللذان يترأسهما وكيل المحافظة عمرو بن حبريش المطالب وفق خطابه العام بجملة إصلاحات اقتصادية وتنموية تتمحور حول تحسين الخدمات والمشاركة السياسية وصنع القرار عطفاً على ثقلها التاريخي ومكانتها الاقتصادية كرافد رئيس للاقتصاد الوطني وأكبر مصدر للنفط،
ووفقاً لذلك، قال بن بريك في حفل إطلاق الخطة "إن اختيار حضرموت لإطلاق خطة متكاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يعبر عن إدراك الحكومة أهمية هذه المحافظة ومكانتها الإستراتيجية باعتبارها جسراً للتواصل بين اليمن والإقليم والعالم وقادرة على أن تكون نموذجاً للتنمية المستدامة التي نريد تعميمها في بقية المحافظات".
توفيق الشنواح
صحافي يمني