ومضات من تاريخ القذافي
الكتابة عن الرئيس الليبي معمر القذافي تتطلب التوقف أمام تاريخ الرجل الذي حكم ليبيا أربعة عقود حتى رحيلة في ال20 من أكتوبر عام 2011م .
ولطالما كان القذافي – رحمه الله- محط أنظار الاعلام العالمي وخصوصا عند خطابة التاريخي بالأمم المتحدة في سبتمبر عام 2010م،
ومما لا شك فيه أن العقيد معمر القذافي لفت انتباه العالم في الكثير من المحطات والمواقف خلال مشواره في حكم ليبيا منذ ثورة الفاتح من سبتمبر 1969م .
وحوّل النظام الحاكم في ليبيا إلى نظام جماهيري ربما أراده الزعيم الراحل أن يكون على شاكلة النموذج الناصري في مخاطبة الشعوب والتأثير على حركة الجماهير تجاه القضايا القومية،
والحقيقة أن صفحة هذا القائد لا يمكن اختصارها فيما يساق ويروج له من خلال إبراز الجوانب السلبية في حياته فقد كان له عدد من المواقف التي يجب ذكرها أيضا لإنصاف الرجل وإعطاؤه حقه،
ولكن يبدو أن المرحلة التي جاءت بعد رحيله طغى فيها ثقافة الثورة وبرزت حركة الجماهير المناوئة للأنظمة الحاكمة . .
وبرزت الصورة السلبية القاتمة فكثرت الانتقادات اللاذعة وتعددت الأدبيات الساخرة وروجت الصورة السوداء لهذا الرجل بحيث لم تظهر أية جوانب ايجابية إطلاقا في ظل سيادة الإعلام السياسي الموجه لخدمة أطراف معينه،
فمارس الغالبية ترديد كل ما يساق لهم أو يشاع، فتداخلت الحقائق بالشائعات وأصبح الجميع يردد ما يسمع من طرف واحد (طرف القوى المهيمنة) وهو ما يؤسف له عندما تغيّب الصورة بمختلف جوانبها وتبدو المشاهدة من زاوية واحدة فقط،
فكان مقتل العقيد القذافي على يد مناوئيه تمثل حالة تصفية أقرب إلى الانتقام بعيدا عن العدالة .
هناك عدد من النقاط أردت التركيز عليها من خلال هذا السياق المتفحص في الجوانب الايجابية من حياة الزعيم الراحل معمر القذافي . .
ولا يعني ذلك أن الرجل ليست لديه سلبيات في صفحته، لكن صفحة السلبيات أصبحت اليوم مفتوحة على الملأ ولا يكاد شيئا من صفحته لم يسطر في خانة الأخطاء والجرائم،
وهذا هو الخطأ الذي يقع فيه البعض عندما تتكالب القوى وتسدد السهام فهكذا هي سيكولوجية البعض التي لا تقبل ذكر أية جوانب ايجابية طالما أن رغبتها جامحة بالانتقام،
ومن هنا فإنني أتناول الموضوع من وجهة نظر مغايرة إنصافا للرجل الذي فارق الحياة عل وعسى أن أوفق في طرح الرأي الآخر وهو رأيي الشخصي في هذا الرجل الذي حملت عليه بعض وسائل الإعلام حملة شعواء بهدف المساهمة في إسقاطه وإسقاط نظامه،
ورغم ذلك بقي أكثر من ثمانية اشهر صامدا منذ إندلاع الثورة في 17 فبراير 2011م والتي شارك فيها حلف الناتو في حالة خروج عن مشروعيه نص القرار الدولي،
وارتكبت عدد من التجاوزات في ذلك البلد كان آخرها محاصرة قافلة القذافي في مدينة سرت مسقط رأسه التي لقي فيها حتفه،
ولكن ليس حديثنا الآن مهتما بمسألة القوى الخارجية وتدخلاتها في الوطن العربي والذي صادق عليه العرب للأسف في جامعة الدول العربية دونما تحديد إستراتيجية واضحة في هذا الشأن وهكذا تساقطت بعض الدول العربية الوازنة .
انتقل القذافي إلى رحمة الله وربما يستكثر البعض هذه الكلمة أو يجد صعوبة في نطقها رغم أنها من السنة الإسلامية، وسوف استعرض مراحل من حياة الرجل بشيء من التركيز على الملامح الإيجابية من حياته،
بدأ حكم القذافي منذ عام 1969م بحالة عداء مع القوى الاستعمارية وكثيرا ما كان يوجه النقد اللاذع ضد تلك القوى التي يصفها بالامبريالية في جميع خطاباته العلنية مما يسبب لها الحرج أمام الرأي العام الدولي،
وربما كان ذلك العداء من الأمور التي دفعت تلك القوى إلى الدخول على خط الأزمة ولا يستبعد أن يكون انطلاق الاحداث الشعبية في فبراير 2011م كانت بمخطط خارجي توازيا مع احداث الربيع العربي في أكثر من قطر عربي،
كما ساهمت تلك الحالة العدائية بين القذافي والولايات المتحدة إلى حدوث بعض المواجهات أبرزها الهجوم الأمريكي بالطائرات الذي استهدف قصره في عام 1986م،
لقد استطاع القذافي الانتقال ببلاده نحو علاقات متميزة مع ايطاليا وحصل على أعتذار رسمي منها عن فترة الاحتلال، بل أن ايطاليا دفعت أيضا تعويضات عن تلك الفترة،
وتشكل خطابات القذافي القوية التي يتحدث فيها عن مساوئ النظام العالمي ومسئولية القوى الاستعمارية عما وصل إليه العالم الثالث من تراجع كأحد أهم المواقف القوية التي تميز شخصية هذا الزعيم،
وكان آخر تلك الخطابات على منبر الأمم المتحدة عندما مزق نسخة من وثيقة الأمم المتحدة ورميها في موقف احتجاجي معبر وكانت جميع محاور ذلك الخطاب من الحقائق الصريحة والقوية التي تميز بها القذافي طوال عهده،
ومن يدقق في معنى تلك الخطابات يجد أن القذافي كأحد زعماء العالم الثالث استطاع من خلال تلك الخطابات القوية أن يعري النظام الدولي الذي تتحكم به القوى الكبرى ويفضح تلك السياسات الدولية القائمة على المصالح والنفوذ في تجاهل للمواثيق والأعراف والمبادئ الإنسانية والتي تتجسد واقعا من خلال الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية والتغاضي عن القانون الدولي عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني،
وعودا على بدء فقد ساهم القذافي في تأسيس الاتحاد الأفريقي الذي تولى قيادته واحتفظ بمكانة كبيرة بين الزعماء الأفارقة فقد كان القذافي يدعم عدد من الدول الأفريقية حتى أن بعض الدول الافريقية تعتمد على مساعدات القذافي
وهو أمر جليل يتبناه هذا الرجل وبادرة خيرة تحسب له في وقت يتمتع فيه الشعب الليبي بوضع معيشي مناسب يعتبر جيد بين الكثير من الشعوب العربية، كما فتح القذافي علاقات قوية مع الدول اللاتينية
وروسيا والصين وفتح بلاده لجميع العرب وخصوصا الشعب الفلسطيني، واستضاف عدد كبير من أبناء الشعب العراقي للعمل في ليبيا بعد سقوط نظام صدام حسين
ويكفي ليبيا أنها كانت تحتضن أكثر من (5) ملايين مواطن مصري للعمل في ليبيا ما يعني تأمين الحياة المعيشية ل(5) ملايين أسرة مصرية،
ولا يجب أن ننسى أن القذافي شارك بنفسه في حرب أكتوبر 1973م ودعم القوات المصرية على خطوط الجبهة فقد كان القذافي يحمل من الحس القومي ما لا يدركه كثير من العرب، كما أن نظام القذافي لم يكن مختلفا عن عدد من الأنظمة الدولية في قمع معارضيه.
لقد أزعج العالم تلك المشاهد الدامية والهستيريا المجنونة التي مارسها معتقلي الزعيم القذافي، التي لا تمت للإنسانية بأي صلة،
لكن الرجل رحل بما حمل من ملفات ستبقى طي الكتمان ولم يحظى بمحاكمة عادلة ربما تكشف الكثير من الملفات الدولية – رحم الله العقيد معمر القذافي .
* إعلامي وكاتب عُماني
khamisalqutaiti@gmail.com