
الحوثيون: الامتداد الحديث للأئمة الرسيين في اليمن
اليمن، هذه الأرض التي احتضنت كل غريب ووافد، لم تكن يومًا موصدة في وجه أحد، لكن بعض من استضافهم أبناؤها الطيبون انقلبوا على مضيفيهم، وجعلوا من الدين سلاحًا لاستعباد العقول ونهب البلاد.
لم يكن الحوثيون سوى آخر فصل في مسلسل طويل بدأه الأئمة الرسيون قبل أكثر من ألف عام، حينما جاء يحيى بن الحسين الرسي إلى اليمن في القرن الثالث الهجري، وأسس لحكم ثيوقراطي جعل اليمنيين عبيدًا تحت نظام الإمامة، حيث لا حكم إلا لسلالته، ولا شرعية إلا لمن ينتمي لدمائه.
ظل اليمن يعاني من الإمامة الرسيّة قرونًا طويلة، لم يذق فيها أبناؤه طعم الحرية، حتى بزغ فجر ثورة 26 سبتمبر 1962، التي أنهت حكم الأئمة وأسقطت آخر ملوكهم محمد البدر، فتنفس الشعب الصعداء، وبدأت مرحلة بناء الجمهورية.
لكن رغم سقوط الحكم الإمامي، لم تسقط الفكرة، وظلّ الإرث الرسي خامدًا في بعض العقول، حتى عاد بعد عقود، متجسدًا في صورة جديدة تحمل اسم "الحوثيين".
الحوثيون: الوجه الحديث للإمامة
الحوثيون ليسوا سلالة جديدة، بل هم الامتداد المباشر للفكر الإمامي الرسي، وإن تغيرت الأسماء وتبدّلت الوسائل.
ظهر الحوثيون في التسعينيات، مؤسسين ما سموه بـ"حركة الشباب المؤمن"، بقيادة حسين بدر الدين الحوثي، ثم تحولوا إلى جماعة مسلحة خاضت عدة حروب مع الدولة، حتى جاء عام 2014، فاستغلوا الفوضى السياسية للانقلاب على الجمهورية واحتلال صنعاء.
ورغم أن الحوثيين لا يمتلكون تاريخًا طويلًا في الحكم كما كان للأئمة الرسيين، إلا أنهم أعادوا إنتاج نفس الممارسات التي اتبعها الأئمة سابقًا:
تقديس الحاكم واعتباره "ولي الله"، كما كان يفعل الأئمة الرسيون.
نشر الخرافات، مثل ادعاء أن آثار أقدام الخيول في الجبال تعود إلى علي بن أبي طالب، لخداع العوام كما كان يفعل الأئمة.
السيطرة على عقول الناس عبر الدين، تمامًا كما فعل الأئمة الرسيون، حيث ربطوا طاعتهم بطاعة الله.
كيف استغل الحوثيون الوضع؟
لا يمكن للأنظمة المستبدة أن تنمو إلا في بيئة من الجهل والفقر والصراعات الداخلية، وهذا ما استغله الحوثيون ليبسطوا نفوذهم، فقد ساعدتهم عوامل كثيرة، منها:
الفقر والتجهيل: السياسات التي انتهجها علي عبدالله صالح لعقود أضعفت التعليم ونشرت الفساد، ما جعل اليمنيين يعانون اقتصاديًا وفكريًا، وسهّل على الحوثيين التغلغل في المجتمع باسم "محاربة الظلم وإقامة العدل".
الخلافات السياسية: لو كان اليمنيون موحدين كما كانوا في 26 سبتمبر 1962، لما استطاع الحوثيون السيطرة على صنعاء، لكن الانقسامات بين القوى السياسية جعلت كل طرف يسعى لهزيمة الآخر، غير مكترث بالخطر الحوثي.
الخوف الاقتصادي: كثير من أفراد الجيش يقاتلون مع الحوثي مكرهين، حفاظًا على رواتبهم ومعيشة عائلاتهم، وليس إيمانًا بفكر الحوثيين.
الجهل وقود الاستبداد
التاريخ يؤكد أن الشعوب المتعلمة هي الأقدر على مواجهة الطغاة، أما حين يسود الجهل، يصبح الناس مجرد قطعان تقاد خلف حكامها، دون وعي أو إدراك لمصيرها.
هذه القاعدة لم تكن استثناءً في اليمن، فلو كان الوعي منتشرًا، لما استطاع الحوثيون خداع الناس بشعارات دينية زائفة، كما فعل الأئمة الرسيون من قبلهم.
لكن اليمنيين أثبتوا في مراحل كثيرة أنهم قادرون على التغيير والرفض متى ما امتلكوا الوعي، ففترة حكم إبراهيم الحمدي - رغم قصرها - أظهرت كيف يمكن للشعب أن يلتف حول مشروع وطني حقيقي، وكيف يمكن لدولة عادلة أن تنهض بالناس خلال سنوات معدودة.
واليوم، لا يزال اليمنيون يتذكرون تلك الحقبة بإعجاب، ويتغنون بأيامها، لأنهم وجدوا فيها ما فقدوه لعقود.
الحاجة إلى قادة شرفاء
اليمن اليوم بحاجة إلى قادة وطنيين شرفاء، لا إلى متسلقين يبحثون عن منافعهم بين الرياض والقاهرة وعمان. بحاجة إلى رجال مثل إبراهيم الحمدي، الذي رغم أنه حكم ثلاث سنوات فقط،
إلا أن أثره ما زال خالدًا، لأن الناس رأوا فيه النزاهة والعدالة، فصار رمزًا للحكم العادل.
الحوثي اليوم ليس إلا الوجه الحديث للأئمة الرسيين الذين أطاحت بهم ثورة 26 سبتمبر. وما يحدث اليوم هو صراع بين اليمنيين الذين يريدون دولة مدنية عادلة، وبين بقايا المشروع الرسي الذي يحاول الحوثيون إعادته بوجه جديد.
لكن كما سقط الأئمة، سيسقط الحوثي أيضًا، ولن يكون له مكان في مستقبل اليمن الحر.
بقلم: أ. عبدالله الشرعبي