
حلم "إسرائيل الكبرى".. رسائل نتنياهو المبطّنة وأبعادها الإقليمية
الرأي الثالث
في لحظة مشحونة بالتوترات الإقليمية، أعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فتح ملف قديم لطالما أثار جدلاً واسعاً في المنطقة، حين تحدث علناً عما وصفه بـ"تحقيق حلم دولة إسرائيل الكبرى".
حديث نتنياهو جاء في مقابلة مع قناة "i24" الإسرائيلية الثلاثاء (12 أغسطس 2025): قال فيها "أنا في مهمة تمتد عبر الأجيال وهناك أجيال يهودية حلمت بالمجيء إلى هنا، وستصل أجيال أخرى بعدنا"،
مؤكداً أن مهمته تمثل "مهمة تاريخية وروحية لليهود"، تتعلق بتحقيق حلم "دولة إسرائيل الكبرى".
تصريحات نتنياهو هذه ليست حديثة على المستوى الإسرائيلي، سواء الرسمي أو غير الرسمي، ولطالما تحدث وزراء في حكومته، كاشفين عن أطماعهم في السيطرة على أراضٍ في الأردن ومصر ضمن فكرة "إسرائيل الكبرى".
ما هي "إسرائيل الكبرى"؟
لم يأت نتنياهو بجديد حين تحدث عن "إسرائيل الكبرى" فذلك معتقد إسرائيلي راسخ، يسعى الإسرائيليون لتطبيقه على أرض الواقع.
من بين أبرز المسؤولين الإسرائيليين الذين تحدثوا علناً في هذا الموضوع وزير المالية الإسرائيلي وعضو الكنيست، بتسلئيل سموتريتش، في مقابلة مع قناة تلفزيونية إسرائيلية،
قائلاً إن "حدود القدس يجب أن تمتد حتى العاصمة السورية دمشق، وإن على إسرائيل الاستيلاء أيضاً على الأردن".
هناك أيضاً خارطة قديمة لدى الإسرائيليين ترسم ما يطلقون عليها "إسرائيل الكبرى"، وتمتد من شرق النيل في مصر حتى وسط العراق؛ ضامة كامل أراضي الأردن ولبنان وفلسطين والكويت، وجزءاً من سوريا والسعودية وتركيا أيضاً.
سبب الاعتقاد بـ"إسرائيل الكبرى" مبني على معتقدات دينية، فبحسب ما يذكر معهد "التوراة والأرض" الإسرائيلي عبر موقعه الإلكتروني؛ "تمتد أرض إسرائيل الكبرى من نهر الفرات شرقاً إلى نهر النيل جنوباً".
وما يدعم هذا الاعتقاد نص توراتي في سفر التكوين يقول: "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقاً قَائِلاً: لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ".
اضطراب المنطقة
تزامن حديث نتنياهو مع مرحلة تتسم باضطرابات أمنية وسياسية عميقة، ليس فقط في الأراضي الفلسطينية، بل على امتداد دول الطوق التي ما تزال ترفض – رسمياً وشعبياً – أي مشروع يمس حدودها أو سيادتها.
وفي حين بدا التصريح للبعض مجرد رسالة داخلية لشد العصب السياسي الإسرائيلي، فإن صداه بالمنطقة العربية كان مختلفاً، إذ فُسِّر على أنه إشارة واضحة إلى طموحات تتجاوز حدود الصراع الحالي.
لذلك قوبل حديث نتنياهو برفض واسع، لا سيما من الدول العربية، لما يمثله من تهديد صارخ بالتوسع والاستيلاء على أراض عربية.
كلمات نتنياهو أعادت إلى الواجهة أسئلة كبرى حول أهداف "إسرائيل" الاستراتيجية، في وقت تتشابك ملفات الحرب في غزة مع أزمات سوريا ولبنان، وسط خريطة إقليمية تعاني من توترات غير مسبوقة.
حديث نتنياهو، الذي جاء وسط تصعيد عسكري مستمر في غزة منذ أكثر من عشرين شهراً، يبدو أنه يحمل رسائل عديدة.
رسائل نتنياهو
د.عبد الرحمن الفرا، أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية، والمتخصص بجماعات الضغط والشؤون الاستخبارية، تطرق إلى أهم ما يعنيه حديث نتنياهو عن "الدولة الإسرائيلية الكبرى"، موضحاً:
- هذا المشروع يمثل أعلى قمة لـ"العربدة الصهيونية" في المنطقة، ويكشف عن حقيقة الدور الذي تلعبه "إسرائيل".
- ذلك يعني أن "إسرائيل" تلوح للانتقال من منطقة الاحتلال المباشر لفلسطين والسيطرة على الإقليم والمحيط إلى الاحتلال الفيزيائي.
- يمثل ذلك أيضاً نوعاً من التهديد المباشر وفي عرف الدول يعتبر بمنزلة إعلان حرب.
وحول الرسائل المراد توجيهها من تصريح نتنياهو يوضح الفرا:
- رسائل موجهة للدول التي ما تزال تضم شيئاً من قوى المقاومة، تفيد بأن الزمن الذي كان بالإمكان فيه المناورة أمام "إسرائيل" انتهى.
- رسالة للدول المطبعة مع تل أبيب تفيد بأن "إسرائيل" إذا لم تعد تثق في سياساتكم التي تضمن أمنها ستمارس هذا الدور بنفسها.
- رسالة إلى الدول التي تسعى تل أبيب لجرها إلى مربع الاتفاقيات الإبراهيمية لكي تتنازل عن مناوراتها السياسية وتطبع علاقاتها مع "إسرائيل".
هذه الرسائل تمثل واقعاً صعباً يحتاج إلى تضافر من الإقليم للوقوف بوجه "إسرائيل" وردع توغلها وسلوكها الفج.
ويرى الفرا أن "السكوت على المذابح الإسرائيلية في غزة، والضربات التي وجهتها تل أبيب للمقاومة الفلسطينية وأذرع المقاومة في المنطقة واستهداف إيران شجع "إسرائيل" على المضي إلى هذا المستوى من التصعيد".
ووفق قراءته للأحداث يقول الباحث السياسي إن "انهياراً استراتيجياً سيجرف كل الثوابت التي ظنها البعض لسنوات لن تتغير أمام واقع التحالفات المرتبطة مع الولايات المتحدة"،
داعياً العرب والمسلمين إلى اتخاذ خطوات عملية أمام التهديد الإسرائيلي، "لا سيما السعودية التي يجب أن تسحب مبادرتها التي أطلقتها منذ سنوات (مبادرة السلام العربية 2002) للتأكيد على أن هذا الكيان غير راغب بالسلام"، على حدّ قول الفرا.