
المجلات الثقافية اليمنية.. منصات في وجه الحرب والنسيان
رغم الدمار الذي خلفته سنوات الحرب والصراع في اليمن، لم يستسلم المثقفون اليمنيون أمام مشهد الخراب العام، بل اختاروا الوقوف على أنقاض مؤسساتهم الثقافية ليؤسسوا من جديد منصات فكرية تعيد الاعتبار للثقافة، وتنقذ ما تبقى من أصوات المبدعين من الغياب.
في ظل تعذّر وصول المجلات والدوريات العربية إلى الداخل اليمني بسبب الحرب، وجدت النخبة الثقافية نفسها في عزلة قاسية. ومع غياب الأنشطة الثقافية، برزت الحاجة إلى جهود ذاتية تستعيد زمناً كانت فيه المجلات الثقافية نوافذ مفتوحة على العالم.
فكان الحل في إصدار مجلات رقمية وورقية بجهود تطوعية، تمثل مقاومة صامتة للخراب، وإصراراً على أن يبقى للمثقف منبرٌ وإن ضاق العالم.
من بين هذه المبادرات، تبرز مجلة "أقلام عربية" التي انطلقت عام 2016، بدعم ذاتي من مجموعة من الشباب اليمنيين.
تقول الشاعرة سمر الرميمة، إحدى مؤسسات المجلة، إن غياب الصحف الرسمية دفعهم إلى إطلاق هذه المنصة لتكون حلقة وصل بين الكُتاب وقرائهم، ولترسيخ الهوية الثقافية اليمنية والعربية في آنٍ معاً.
تمكّنت المجلة من الوصول إلى العدد 100، محافظةً على تنوّعها بين الأدب والفن والنقد، ومكرّسة صفحاتها للطاقات الجديدة في البلد.
مجلة "سُلاف" بدورها ظهرت كمشروع إلكتروني مستقل منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بإشراف مجموعة من الأدباء الشباب. سعت المجلة منذ البداية إلى أن تكون واجهة للأدب اليمني، ونافذة للتواصل مع الأدباء العرب.
وفقاً لحديث رئيس تحريرها بلال قائد فإنّ المشروع "يعمل بشكل تطوعي ولا يتبع لأي جهة، مما يمنحه حرية الطرح والانفتاح على الجميع".
أما مجلة "الناصية"، فقد اتخذت من عدن مقرًا لها، وتصدر ورقياً وإلكترونياً عن مؤسسة "أمجد" الثقافية، كل ستة أشهر. المجلة تُعنى بقضايا الفكر والثقافة، وتسعى لتعزيز مفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان من خلال مقالاتها وتحقيقاتها الفكرية.
تمثل "الناصية" أحد الأصوات القليلة التي تحافظ على الوجود الورقي رغم التحديات.
لم تكن مساهمة المثقفين مقتصرة على من بقي في الداخل اليمني. فقد حمل من هاجروا مسؤولية الاستمرار الثقافي معهم إلى الخارج، فكانت "يمن 360" إحدى أبرز المبادرات في هذا السياق.
أطلقها مثقفون يمنيون في المنفى، وصدر عددها الأول في أكتوبر/تشرين الأول 2024، تلاه العدد الثاني في مارس/ آذار 2025.
وتهدف المجلة إلى تقديم صورة مغايرة عن اليمن، تجمع بين التراث والإبداع، وتفتح المجال للتبادل الثقافي.
رئيس تحريرها، الشاعر رفيق الرضي، يؤكد أن "المجلة تمثّل صوتاً وحدوياً للأدباء اليمنيين داخل الوطن وخارجه، وتسعى لتعزيز صورة اليمن الحضارية في أذهان القُرّاء العرب".
تعكس هذه المبادرات حجم الالتزام الأخلاقي والوطني لدى المثقف اليمني، الذي لم ينتظر دعماً رسمياً أو رعاية مؤسسية كي ينهض بمسؤوليته تجاه الثقافة، بل اختار أن يكون هو المؤسسة، وهو الدعم، وهو المنصة.
وبين الحبر الرقمي والورق المحدود، تظل هذه المجلات شهادات حيّة على أن الحياة الثقافية في اليمن لم تمت، بل تخوض معركتها الأخيرة بالكلمة.
فخر العزب
صحافي يمني